القدس.. كلمة حق فهل أريد بها باطل؟
رئيس التحرير

القدس.. كلمة حق فهل أريد بها باطل؟

كتب رئيس التحرير:  تبقى حوالي شهر ونصف على الموعد الرسمي لإجراء الانتخابات التشريعية والتي ستعقد وفقاً للمرسوم الرئاسي في 22 أيار، لكن هل ستجري الانتخابات حقاً؟ وما فرص نجاحها؟

على غير العادة في جميع الأنظمة التي خلقها الله على الأرض، يدعو النظام الفلسطيني -دون أن يطالب بها الشعب- إلى إجراء انتخابات! هذه الانتخابات التي يكرهها الجالسون في السلطة في جميع الحكومات والأنظمة، يدعوا لها النظام السياسي الفلسطيني! وبما أن القاعدة تقول (لا ثقة في السياسيين)، فإن الشعب كذلك وقف محتاراً أمام دعوة النظام السياسي إلى "تجديد شرعيته أو جلده"! 

كثير من التحليلات خرجت حول سبب الدعوة إلى الانتخابات، منها إنهاء الانقسام، أو الضغوطات الأوروبية والأمريكية، إلا أن هذه الأسطر تفترض أن النظام السياسي لم يسعى إلى إجراء انتخابات حقيقية، أو هكذا يبدو على الأقل من خلال رصد تحركات حركة فتح وخطابها الذي لم يرقى حتى الآن إلى مستوى خطاب من يسعى لدخول انتخابات!

يبدو أن النظام السياسي الفلسطيني قصد من خلال الانتخابات رمي الكرة في الملعب الإسرائيلي، وكأن إسرائيل وحدها من تعطل الانتخابات وليس أقطاباً فلسطينية، أو ما باتوا يعرفوا بأباطرة وملوك الانقسام، ولِتظهر القيادة الفلسطينية أمام العالم خصوصا أوروبا والولايات المتحدة بمظهر الشرعي (إلى حين إجراء الانتخابات التي تعطلها إسرائيل)، وفي أكثر الاحتمالات تفاؤلاً فإن القصد من وراء الدعوة إلى الانتخابات لا يعدوه كونه "بروفة" لقياس مدى رضى الشعب عن الداخلين في المعترك الانتخابي!

في نفس الوقت، ركز الإعلام الفلسطيني الرسمي خلال الأيام الماضية بشكل لافت على الدعوات المنادية لعدم إجراء الانتخابات إذا لم يشارك فيها المقدسيون انتخاباً واقتراعاً، حيث عبرت أغلب الفصائل ومنها حركة حماس عن تأييدها لهذا الطرح، وتكلل هذا التأييد بمشاركة مفتي فلسطين فيه، واعتبار أن الانتخابات دون القدس لأي سبب مرفوضة دينيا ووطنيا، وهكذا يبدو أن الدائرة اكتملت، ليتقرر إلغاء أو تأجيل الانتخابات إذا رفضت إسرائيل السماح بإجرائها في القدس، دون معارضة أي حزب سياسي.

عدا عن ملف القدس، فإن الأحزاب الفلسطينية بغالبيتها يبدو أنها وجدت نفسها في ورطة الانتخابات، فهي لم تكن جاهزة، ولم تكن تتوقع أصلاً أن يصل الفلسطينيون إلى صناديق الاقتراع، والتي سيعاقب فيها الشعب جميع الفصائل، فليست فتح أو حماس وحدهما من ستجدان نفسيهما محشورتان في الزاوية، بمعنى أن الفصائل الآن تجد في تأجيل الانتخابات متنفساً ومخرجاً للتخلص من هذه الأزمة المفاجئة وغير المتوقعة، لتجهز نفسها لخوض انتخابات في وقت آخر وقد عبأت رصيدها الانتخابي، وجمعت قاعدة ناخبين.

حتّى المنشقون عن فتح، والذين رفعوا رايات الإصلاح، سواء القدماء أو الجدد، وجدوا أنفسهم يشكلون قائمة على عجل، فخرجت قائمتهم متهالكة لا أسماء فيها يعرفها الشعب باستثناء عدد أصابع اليد الواحدة، وهو ما قد يُفشلها حتى ولو صبَّ الناخبون فيها "مجاكرة في فتح الأم".

إذن، فقد التقت إرادات كل الداخلين إلى الانتخابات، إرادة بتأجيلها، أو دحرها لمرحلة يستطيعون فيها الوقوف أمام الجمهور بثقة، وليس بخجل كما في القوائم الحالية. ولن يلوم الشعب هذه الأحزاب إن تراجعت عن الانتخابات، فهو لم يطالب بها أصلاً، فلا تجعلوا من القدس وسيلة للخروج من مأزقكم، لا تجعلوها كلمة حق أريد بها باطل!

لن يصل الفلسطينيون إلى الانتخابات التي يطمحون إليها، وإن وصلوا فستكون انتخابات مشوهة، لن تُعيد الوحدة الوطنية، لن تُسلم فيها حماس إن خسرت، ولن ترضى بها فتح إن عوقبت من قبل الناخبين، ما يعيدنا إلى المربع الأول، وإلى نقطة الصفر.

عودة إلى ملف القدس، وباختصار: بات مبرر إفشال أو تأجيل أو إلغاء الانتخابات باهت اللون وغير مقنع، لعدة أسباب، أهمها أن التذرع بالمنع الإسرائيلي لم يعد ذي جدوى، فالتطور التكنولوجي يسمح الآن بإشراك المقدسيين بالتصويت عبر الانترنت، لكن الأمر يحتاج إلى تعديل في القوانين والتشريعات، وهناك دول عظمى تتخذ من هذه الأداة وسيلة في أيام الطوارئ كجائحة كورونا، أوليس الرئيس محمود عباس قال إن كورونا وباء كإسرائيل؟ فلنعتبر إسرائيل وباءً يمنع المقدسيين من الخروج من منازلهم، وليشاركوا عبر الانترنت في "العرس الديموقراطي"، أما أن يظل الفلسطينيون يعانون من غياب المجلس التشريعي وما يعنيه ذلك من ظلم وجور وتعدٍ للسلطة التنفيذية على حساب بقية السلطات فهو أمر وإن كان مقبولاً حالياً فسيواجه في وقت قريب جداً سيلاً غاضباً تبدأ به شريحة من الشعب وتلحقها بقية الشرائح!

لا انتخابات دون القدس، لكن لا تضعوا نقطة بعد هذه الجملة، بل فاصلة، أي بمعنى أن لا نقف عن هذا الطرح ونكتفي، لا انتخابات دون القدس يعني تطوير القوانين الخاصة بالانتخابات لمواءمتها مع حالة القدس،، لا انتخابات دون القدس يعني فتح جبهة اشتباك سياسي مع الإسرائيليين حتى انتزاع حقنا في مشاركة المقدسيين بالانتخابات، لا انتخابات دون القدس.