صناديق الاقتراع .. الشعب يريد من يمثله لا من يمثل عليه!
رئيس التحرير

صناديق الاقتراع .. الشعب يريد من يمثله لا من يمثل عليه!

كتب رئيس التحرير: لا شيء يعلو فوق صوت الانتخابات حالياً في الشارع الفلسطيني، فصدى صناديق الاقتراع بات أعلى من أي ملف آخر، بما يضم من طموحات الناخبين الذين يريدون تبديل الوجوه "القديمة" إيذاناً ببدء "عهد جديد"، وبين نوايا المرشحين ممثلين بالفصائل التي تريد من خلال صناديق الاقتراع تجديد شرعيتها بغض النظر عن ممثليها.
    
من الطبيعي أن لا يكون نقاش الشارع الفلسطيني لقضية الانتخابات عميقاً لدرجة تفنيد ونقاش البرامج السياسية للفصائل والأشخاص المرشحين، وذلك لأن الشارع بطبيعة الحال عاطفي، لذا فإن اهتمامه ينصب على المرشحين بحد ذاتهم، وهو أمر يُصعب من مهمة الأحزاب الفلسطينية، والتي بات عليها أن تقنع المنتخِب بممثليها في الانتخابات، واختيار من يريدهم الشارع، وإبعاد الوجوه المرفوضة.

ستسعى الفصائل والأحزاب الفلسطينية من خلال قوائمها إلى تثبيت وإعادة تدوير وجوه أعضائها، وهو أمر سيصطدم بما يريده الشارع، فتبديل الطواقي لن يجدي نفعاً مع الناخبين، وستدفع ثمنه الفصائل في صناديق الاقتراع، إلا إذا غيرت تلك الفصائل استراتيجيتها ولبت رغبة الناخبين في التغيير، وإدخال العنصر الشاب وإقصاء الوجوه التي شاخت وهي تجلس على نفس الكراسي.

صحيح أن الشارع الفلسطيني بحاجة للتجديد، لكن لا يعني ذلك أنه يريد "أي شيء جديد"، فلا معنى للتجديد إن لم يكن نوعياً وكمياً، فنوعية الممثلين الجدد للشعب يجب أن لا يكونوا أقل كفاءة من القدماء، يجب أن يكونوا يدركون جيداً طبيعة المرحلة، ومتطلبات الشعب، ومعنى أن يُفتح المجلس التشريعي بعد إغلاق لسنوات طويلة، ومعنى أن يكون الواحد منهم ممثلاً للشعب تحت قبة البرلمان، ومعنى البرلمان أصلاً!

لا يطلب الشعب تبديلاً في الوجوه دون عقول جديدة متفتحة مدركة لما يحتاجه الفلسطينيون، ولا معنى لتبديل الوجوه إذا لم يكن "القادة الجدد" بحجم المكان الذي يريدون الدخول إليه "البرلمان أو مقر الرئاسة"!

ربما لا نكشف سراً إن قلنا إن ثقة الناخبين بهذه الانتخابات ليس كما يجب، ليس كانتخابات 1996 أو 2006، حين دخل الناخبون إلى قاعات الانتخابات مؤمنين بقدرتهم في إحداث التغيير، لكن سنوات الانقسام الـ15، والأنباء التي ترددت عن قائمة مشتركة بين فتح وحماس، جعلت من إيمان الشارع بحتمية أو قدرته على التغيير تخف، لكنه ورغم ذلك يسعى (أي الشارع) إلى التغيير بكل السبل وسيتجه إلى صناديق الاقتراع -رغم كل شيء- لتغيير ما يستطيع تغييره.

ليس الشارع "غير المؤطر" من فترت همته في هذه الانتخابات، بل إن أبناء الفصائل أنفسهم، وفي المقدمة أبناء فتح وحماس يجدون أنفسهم في مواقف لا يحسدون عليها، ففتح في هذه الانتخابات لن تظل فتح واحدة، حيث سنشهد وفق تقديرات قوية أكثر من قائمة للحركة (قائمة للمقاطعة، قائمة لتيار دحلان، قائمة لمروان البرغوثي وناصر القدوة، قائمة لفتح بشكل مستقل)، كذلك فإن تياراً مهماً من داخل حماس لا يريد الانتخابات جملة وتفصيلاً، حيث يرى ذلك التيار أن دخول حماس إلى الانتخابات بحد ذاته خسارة في ظل سيطرته الكامل على قطاع غزة، وما قد يعنيه دخولها من تنازل عن القطاع أو جزء من سيطرتها عليه في حال خسرت.

يرى طيف واسع في الشارع الفلسطيني أن قانون الانتخابات المعدل صُمم لانقاذ الفصائل وحَرم الشعب من قول كلمته واختيار المرشحين، فبدلا من الترشح الفردي في الدوائر صار الترشح وفق قوائم، فيما احتوى القانون المعدل على بنود تحِرم الكثير من الترشح منها الاستقالة من الوظيفة العامة ووجوب موافقة الوزير أو المسؤول على الاستقالة، كذلك بقيت مشاركة الشتات في انتخابات المجلس التشر يعي أو الانتخابات الرئاسية والمجلس الوطني ضبابية، كذلك لا يعرف بعد طبيعة مشاركة أبناء القدس في الانتخابات ترشحاً وانتخاباً.

لم يغب عن بال الفلسطينيين أيضاً ما رشح عن الإعلام العبري الذي أشار إلى أن الانتخابات الفلسطينية هي مطلب أمريكي، حيث شعر الفلسطينيون أن الانتخابات فرضت عليهم –رغم أهميتها لهم-، كذلك سيظل الفلسطينيون خائفين من عودة سيناريو 2006، ورفض فصيل فوز آخر وما يعنيه ذلك من احتمالية انقلاب على النتائج، في ظل عدم حسم اجتماعات القاهرة قضايا كثيرة مهمة، من بينها هل سيسلم الخاسر مهما كان الحكم للفائز؟

ما يمكن قوله أنه في ظل هذا الوضع داخل الفصائل الفلسطينية واحتمالية التحالف بينها، وتعديلات قانون الانتخابات كلها ستدفع لصالح الفصائل وليس لصالح المستقلين الذين سيجدون أنفسهم دون وقت كافٍ لترتيب أنفسهم لخوض الانتخابات بموقف قوي.

الانتخابات حاجة فلسطينية ملحة للتغيير وإشراك كفاءات وسماع أفكار جديدة، هذا الاستحقاق الدستوري مسؤولية الفصائل من خلال خلق أجواء ايجابية وحريات ونقاشات تشرك الكل الفلسطيني، لا أن يظل مصير الفلسطينيين بيد عدد من الأشخاص من فصائل مختلفة. إن هذا الشعب الذي تحمل ما لا يستطيع أي شعب تحمله في القرن الواحد والعشرين يستحق أن يكون له ممثلين صادقين، لا من يُمثلون عليه!