القائمة المشتركة.. اتفاق على الشعب أم خروج من أزمة؟
رئيس التحرير

القائمة المشتركة.. اتفاق على الشعب أم خروج من أزمة؟

كتب رئيس التحرير: لم تمر مصيبة على الشعب الفلسطيني بعد النكبة أطول من الانقسام الفلسطيني، فكل الكوارث التي عاشها انتهت باستثناء النكبة الأولى التي ارتكبتها إسرائيل بتواطؤ بريطاني، والثانية بأيادٍ فلسطينية!

لقد هدَّ الانقسام الشعب ومقدراته، وأضعفه في مواجهة التحديات داخلياً وخارجياً، وجعل قضيتنا هشَّة لدرجة أن عُربان الخليج باتوا يتطاولون عليها، وهم الذين بُنيت بيوتهم ومصانعهم وتاريخهم بأيادي الفلسطينيين!

"لا يختلف اثنان ولا يتناطح كبشان" على أن الانتخابات قرارا استراتيجي، وخيار لا بُد منه، وهو حالياً الخيار الأهم والباب الوحيد للخروج من سرداب مظلم مكث فيه الشعب 14 سنة حتى جفَّ جلده.

هذا الخيار الاستراتيجي والمهم جداً، يبدو أنه سيصطدم بعقبة جديد، هذه المرة ليس برفض طرفي الانقسام الاحتكام للشعب، بل بدخول من تسببوا بالانقسام في قائمة موحدة في الانتخابات! وكأن الشعب الفلسطيني هو الذي كان منقسماً لا حركتي فتح وحماس!

طرح أكثر من قيادي فكرة القائمة الموحدة، رغم نفيٍ واحد ووحيد من رجل غير مكلف بملف الانتخابات وهو عضو مركزية فتح صبري صيدم، هذا الطرح أحدث صدمة في من تبقى من الشارع الفلسطيني مهتماً بالسياسة وأخبار الانتخابات!

يرى الجزء الذي يمتلك صبراً وجلداً و"مرارة" لمتابعة أخبار السياسيين أن الدخول في الانتخابات بقائمة موحدة لفتح وحماس هو إعادة شرعنة لتلك القيادات للطرفين من خلال تحديدهم للأسماء التي تتشكل منها القائمة بمن يقودوا المرحلة حاليا وانتهت شرعية  بقائهم في مواقعهم، فيما لم يُمنح الشعب فرصة تقييمهم، وكأن هناك محاولة التفاف على الخيارات الشعبية وإعادة استنساخ للموجودين بغطاء ديمقراطي.

منذ العام 2006 هناك مئات الألوف الذين باتوا قادرين على قيادة المرحلة، مئات الألوف من الذين شهدوا الانتخابات الثانية وهم أطفال، ها هم يدخلون الانتخابات الثالثة وهم شباب لهم حق الاقتراع والمشاركة السياسية! وهناك مثلهم من ضاعت فرصته ليعطي بلده من خبراته لو أفسح له المجال للمشاركة في القيادة!

قائمة مشتركة تعني عدم التنافس، خاصة ان الفصيلين اللذين لديهما القوة والحضور والتاريخ والقيادات الفاعلة لن يتنافسوا، فهذا الخيار سيجعل الشارع أمام خيار الابتعاد وعدم المشاركة في الانتخابات باعتبار النتيجة جاهزة (ومطبوخة سلفا) او تشكيل قوائم مستقلة تسحب البساط من تحت الحركتين الأكبر بسبب نقمة الشعب عليهما لما أحدثتاه في غزة والضفة الغربية.

لكن، ولنكون منصفين، فإن للقائمة المشتركة حسنات، رغم كم السيئات الذي ذُكر، هذه الحسنات ستبرز في حال ترشيح دماء وأسماء جديدة موثوقة لديها برامج خلاقة وتاريخ ناصع وتشمل كل الأجيال وتمنح فرصة للمرأة والرجل والمسيحي والمسلم والعامل والفلاح والقائد والمواطن.

ستمنع القائمة المشتركة حصار شعبنا، بحيث سيحاول الفصيلان منع ترشيح أسماء غير مقبولة داخليا وعربيا ودوليا، وستقطع الطريق أمام إسرائيل لاستغلال الانتخابات لخنق شعبنا ووصم من سيفوزون بالإرهاب او الفساد.

القائمة المشتركة ستُؤمن تسليم الصلاحيات في غزة والضفة للمرشحين الذين تم انتخابهم كون الفصيلين متفقين حول الأسماء وأعدادهم ونِسَب كل فصيل من عدد الفائزين.

خيار الانتخابات بغض النظر عن شكله وآلياته المعتمدة ديمقراطياً هو استحقاق واجب الانتهاء منه بأسرع وقت وأقرب فرصة، وأي محاولة لتأخيره أو تأجيله كارثة كبرى، وسينهي أي ثقة مهما كانت صغيرة بين الشعب وقيادته من جميع الحركات، كذلك فإن محاولة الالتفاف على خيار الشعب عبر ضم أسماء "مكررة" ومستهلكة سيرد عليها الشارع بقوائم مستقلة ومقاطعة للانتخابات.

هذه المرة لن يرحم الشعب من خذلوه ممن تم اختيارهم عبر صندوق الاقتراع سابقاً، وكذلك سيخرج ثائراً في وجه من يستمر في سرقة دوره في اختيار ممثليه وفق القانون الأساسي.

فلسطين بالانتخابات الحرة والنزيهة ستجتاز فخاً أمريكيا إسرائيليا وعربيا في حال تمت إدارتها لمصلحة الوطن، وهو أمر نبهت له تصريحات عديدة من المجتمع الدولي وبرلمانات العالم، حينما أكدوا أن أهم خيارات الشعب الفلسطيني الواجب اتخاذها في ظل قرارات الضم وصفقة القرن والحصار الشامل لفلسطين والخيانات العربية والتطبيع هي الانتخابات لاختيار ممثلين شعبيين يلتف حولهم الوطن بأسره.

خيار الانتخابات يجب ان يتم لانه مطلب شعبي أولا وحق دستوري واجب التنفيذ كفرض عين ثانيا، ناهيك عن المطالب الدولية والعربية، وعدم انجازها يعني أن المخاطر لن تُحصر على النطاق الداخلي، بل هناك خطر مؤكد وهو وقف ما تبقى من دعم دولي وعربي، والحجة ستكون مبررة وصعب مواجهتها او إنهاؤها وستنعكس على وجود الدولة الفلسطينية بل ايضا التدخل في اختيار قيادات بديلة لن يدافع الشعب عنها ان لم يَكن هو من اختارها.