الفرصة الأخيرة والبديل دمارٌ وخرابٌ ودم
رئيس التحرير

الفرصة الأخيرة والبديل دمارٌ وخرابٌ ودم

كتب رئيس التحرير: لا يكاد الشعب الفلسطيني بفصائله وأرضه يخرج من نفق حتى يدخل إلى آخر أكثر ظلمة وخطورة، وحيداً لا يملك من مقومات الصمود إلا عزيمته، بعد أن تُرك دون زاد أو عتاد أو حتى سند من أخ عربي!

الأبواب الدولية والعربية أغلقت بوجه الفلسطيني، أوصدت بإحكام واحتفظ الإسرائيليُّ بالمفاتيح التي سلمها له العربي عبر التطبيع، فهل أحس الفلسطيني أخيراً بحجم الكارثة التي رُميَ فيها مكبل اليدين؟

ككل نفق ومصيبة، لا بُدَّ من ضوء يكسر هذا الألم والخوف والمعاناة، وهو ما وجده الفلسطينيون بحوار تركيا بين فتح وحماس، الذي شهد أجواء جديدة وبادرة أمل لم نشهدها من قبل، فقد حمل قرارات واضحة محددة بسقف زمني للتنفيذ وانتخابات خلال 6 اشهر، كذلك حدوث التزام كبير لقاعدة الحركتين بعدم التراشق الاعلامي وتبادل الاتهامات حتى الآن.

لنكون منصفين فإن إقبال فتح وقادتها باتجاه المصالحة تفوق على حماس، حيث سمعنا التصريحات المكثفة والايجابية من اللواء الرجوب والأحمد والشيخ كما سبقها إعطاء الرئيس قرارا واضحا والتزاما بتنفيذ ما يتفق عليه المتحاورون تبعها تصريحات رئيس الوزراء بترحيب كبير واستعداد كامل للتنفيذ لكل ما يتم الاتفاق عليه، في المقابل فإن تصريحات قادة حماس تكاد تكون معدومة باستثناء الرسائل القوية والواضحة من صالح العاروري، التي صفعت كل الأعداء بإعلانه موقف حماس أن المرجعية السياسية والعنوان الفلسطيني وتمثيلها وانحسارها هو من خلال منظمة التحرير ورئيسها، وهذا بحد ذاته انجاز كبير، يُبنى عليه.

لم نشهد لا عربياً ولا عالمياً من يبارك هذه الخطوة الفلسطينية الجرئية، والتي "ياما عايرونا فيها"، و"وياما" دعا العرب والأوروبيون الفلسطينيين إلى توحيد صفوفهم، ولكن عند بدء التوحيد لم نجد من يقول "مبارك"، أو "استمروا"، لنتأكد مجدداً أن ما كان يحدث هو فقط نفاق سياسي، وشماعة يرمي عليها العرب والعالم فشلهم وخيانتهم لقضية فلسطين.

الشارع الفلسطيني رحب بما تم انجازه لكنه متشكك بنجاحه، وهو أمر طبيعي بسبب انعدام الثقة من مسار طويل من الاخفاقات للحوار من مكة للقاهرة وموسكو وقطر.

لا يزال الشارع الفلسطيني متشككاً، فهل حوار تركيا كان بسبب المخاطر على الحركتين او إدراك للخطر على الوطن بأكمله؟ ولماذا لا نجد لقاءات في الميدان بين قواعد فتح وحماس، وهل القاعدة بوادٍ والقيادة بواد آخر؟ هذه الأسئلة يطرحها الناس وهم يتذكرون إعلان الحركتين عن مهرجانات في غزة ورام الله يلتحم فيها الفصيلان ضد التطبيع وضد قرار الضم وضد الحصار الشامل على الضفة الغربية وقطاع غزة ولكنها لم تنفذ ولم يرَ الشارع زخم ذلك، حتى دعوة الفصائل مجتمعة لرفض التطبيع في رام الله لم يحقق الحشد المطلوب والمعبر عن خطورة الاحداث، فهل أصبحت القيادات جميعها بلا قواعد جماهرية، وكيف السبيل لإستعادتها؟

نعم، لقد تغير الخطاب، لكن الشخوص ظلت هيَ هيَ، فهل تُدرك الفصائل ان "عِدة الفارس للحرب تختلف عن عِدة الفارس للسباق"، وهل يعلمون ان مصداقية الكثير من القيادات تلاشت في الشارع الفلسطيني؟

بغض النظر عن حجم الإحباط لواقع القيادات والتي كانت السبب الرئيسي لما وصلنا له، لا بد لنا ان نُركز على ما تم تحقيقه من الحوار:

أولا: في اللقاء الاول بين الرجوب والعاروري تم انجاز وحدة الموقف ضد قرار الضم وصفقة القرن ورفضا كاملا للتطبيع والاهم إتفاق واقرار حماس بأن منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد.

ثانيا: ادراك الفصيلان والشعب الفلسطيني ان مختلف الرعايات العربية التي كان تتم للحوار كانت تُجير لأجندات الرعاة سواء سياسية او امنية.

ثالثا: انهاء خلاف فتح وحماس مَهد لاجتماع شامل حدث لأول مرة للأمناء العامون للفصائل حول مواقف واحدة موحدة واتخاذ قرارات عملية و واضحة وتشكيل قيادة موحدة لتنفيذ رؤيتهم.

رابعا: أُغلقت الابواب على قيادات بديلة او مشاريع اخرى واستغلال للانقسام من اي طرف دولي او عربي.

خامسا: وحدة الفصائل عَرت دولاً عربية كانت تتآمر على القضية الفلسطينية ودورها مشبوه ومَهدت لبرنامج سياسي حقيقي لمواجهة مخاطر اندثار القضية الفلسطينية.

ما يجب على الفصائل مناقشته بشكل جيد هو موضوع الانتخابات والتي يجمع الجميع انها الوسيلة الوحيدة للخروج من الأزمة وقطع الطريق على تعيين قيادات بديلة، خاصة إن لم يسبقها تغييرات جذرية بشخوص ما ستطرحه الفصائل جميعها من مرشحين، أما اذا أعادت نفس الوجوه الموجودة الآن والتي عفى عليها الزمن، فستخسر تلك الفصائل نفسها وقاعدتها وشعبها، فالفلسطينيون الآن يبحثون عن روح جديدة، ونفَسٍ جديد.

الحوار الذي جرى في لبنان وتركيا تم في مقر السفارات الفلسطينية على أرض فلسطينية في ظل عدم السماح لهم للحوار من اي دولة عربية، والحقيقة التي شهدها المراقبون ان لبنان وتركيا سهلت الدخول والخروج وجميع اللوجستيات بعيدا عن اي تدخل من جهة لبنانية او تركية، ومحاولة البعض اللعب على قضية تبديل محاور، هذه اجندات تتجاوز الحقائق المعروفة بعلاقة السلطة بمصر وعلاقتها بتركيا وكذلك بقطر والسعودية فلم تكن منظمة التحرير في محور حتى تخرج لآخر، بل تتابع قضيتها مع كل الاطراف والجهات في العالم وتقترب من اي طرف بحجم تمسكه ودعمه للحق الفلسطيني، علماً ان معظم المحاور الموجودة مرجعها امريكا والتي تقود العدوان المستمر على شعبنا وحقه في تقرير مصيره.

الذهاب باتجاه اي محور سينعكس بشكل سلبي على القضية الفلسطينية وهذا ما حرصت عليه الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها وكذلك فهم للحالة العربية حيث ان الثابت دعم الشعوب لفلسطين بإعتبارها قضيتهم الاولى، الا ان مواقف الحكومات الرسمي يتعلق بشخص الحاكم الذي هو متغير والشعب باقٍ وبالتالي من يدعم فلسطين يستمر بحكم شعبه ومن يخون فلسطين ستسقطه شعوب الامة العربية والتاريخ اكبر برهان على ذلك.

الخطر على الوجود الفلسطيني وكذلك على الاحزاب ذاتها يبقى في حال دخلت الفصائل في الحوار واجراءات المصالحة للخروج من الازمات الداخلية فقط، مبتعدين عن تحقيق الهدف الأسمى وهو استقلال فلسطين وتحريرها.

العدو قوة عظمى مدعومة امريكيا تحتاج لكل الامة العربية والاسلامية واحرار العالم "يا دوب يواجهوها" فهل يعتقد فصيل للحظة انه سينتصر لوحده على هذا الغول؟ من يفكر بذلك يكون واهما وحالما.

إنها الفرصة الاخيرة واللحظة التاريخية لإنجازة الوحدة وعكس ذلك دمار وخراب ودم.