حماية التطبيع من الضمّ وليس إلغاء الضمّ مقابل التطبيع
مقالات

حماية التطبيع من الضمّ وليس إلغاء الضمّ مقابل التطبيع

إعلان نتنياهو أنه سيقوم بضم غور الأردن قبل الأول من تموز خلق عقبة في طريق العلاقات الإماراتية - الإسرائيلية المتسارعة، والمتصاعدة منذ اللقاء السري بين الشيخ عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات مع نتنياهو العام ٢٠١٢ في نيويورك والذي كشفت عنه صحيفة "هآرتس" في أيلول من ذلك العام. هذه العلاقات السرية والعلنية كان من المفترض بها أن تفضي في النهاية إلى إعلان، الخميس الماضي، عن التطبيع الكامل بين الجانبين.
الإمارات التي بدأت العلاقات مع إسرائيل العام ٢٠١٢ بإعلامها أنه لن يكون بإمكانها إقامة علاقات كاملة معها قبل حل القضية الفلسطينية، تخلت عن شرطها هذا كما يبدو لأسباب سنأتي على شرحها لاحقاً.
إعلان الضم جعل الإمارات تبدو كمن يقدم مكافأة لإسرائيل على أفعالها، ولهذا شاهدنا مقال السيد يوسف العتيبة، السفير الإماراتي بواشنطن في صحيفة "يديعوت أحرونوت" في حزيران الماضي، يقول فيه: إن كل الخطوات التي اتخذتها الإمارات تجاه التقارب مع إسرائيل تقوم الأخيرة بتجاهلها بإعلان الضم، وإن ذلك سيدفع الإمارات لفرملة إجراءات التطبيع إذا ما حدث الضم.
النتيجة كانت تأجيل نتنياهو للضم، والمقابل الذي ظهر حينها كان ذلك الإعلان عن اتفاق إسرائيل والإمارات على تطوير العلاقات العلمية بينهما في مجال الأبحاث لإنتاج لقاح لفيروس الكورونا. لكن المقابل كما يظهر الآن هو أن تأجيل الضم كان مقابل التطبيع الكامل مع إسرائيل.
التطبيع يتم إذاً أولاً، ولاحقاً له تأتي عملية الضم، والعلاقات بالتالي لا تتأثر بفعل الضم. الاتفاق على التطبيع الكامل في هذا السياق يعني حماية التطبيع من الضم وليس إلغاء الضم مقابل التطبيع.
في تبرير الإمارات لعلاقتها بإسرائيل، يقول السيد أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية: إن هنالك دولاً عربية لديها معاهدات سلام مع إسرائيل، والفلسطينيون لهم علاقات مع إسرائيل، فلماذا هذا محرم على الإمارات وهي الدولة البعيدة عن ساحة الصراع؟ ويقول أيضاً: إن الحروب لم تؤد إلى وضع أفضل لدول المنطقة ولا للفلسطينيين، والتواصل يعطي فرصة أكبر للوصول إلى السلام وإلى تطوير دول المنطقة.
لن أناقش ما قاله الوزير أعلاه؛ لأن تجربة ٢٧ عاماً من السلام المزعوم مع إسرائيل أوصلنا فقط إلى ضم القدس وإلى تحول الضفة إلى كانتونات مقطعة بالمستوطنات، وإلى صفقة ترامب التي تلغي كل حقوق الفلسطينيين، والوزير يعلم ذلك، وبالتالي من المهم محاولة فهم الأسباب الحقيقية لهذا التطبيع مع إسرائيل. لماذا تراجعت الإمارات عن شرطها العام ٢٠١٢ بأنها لن تطبع كاملاً قبل حل القضية الفلسطينية؟
سأبدأ برفض ما يقال منذ وقت عن أسباب التطبيع:
الإمارات لا تطبع خدمة للقضية الفلسطينية، والتطبيع لا يخدم القضية الفلسطينية؛ لأن إسرائيل تستغل هذه العلاقات للادعاء أن كل شيء طبيعي في المنطقة، وأن العالم لا يحتاج لأن يقلق بشأن الفلسطينيين لأنهم لا يتمتعون بدعم عالمهم العربي.
الإمارات لا تطبع بهدف الحصول على التكنولوجيا والسلاح الإسرائيلي المتطور، هذه يمكن للإمارات الحصول عليها من الصين وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وأوروبا وروسيا.
الإمارات لا تطبع لحماية نفسها من إيران؛ لأن إسرائيل لا تقوم بحروب من أجل غيرها، ولو كانت قادرة على محاربة إيران لفعلتها منذ زمن. كما أن الإمارات نفسها لا مصلحة لها في حرب مع إيران فقربها الجغرافي من إيران يمنعها من تجاوز خطوط قد تؤدي إلى تدمير الإمارات إن حصلت حرب، لا سمح الله. والإمارات كانت الدولة الخليجية السباقة في تهدئة الأجواء مع إيران وعقد اتفاقات معها، بعد تعرض عدة حاملات للنفط للتخريب في الخليج العربي العام الماضي.
والإمارات لا تطبع لأن الشعب الإماراتي أصبح أكثر ميلاً لقبول إسرائيل، فآخر استطلاع للرأي في الإمارات أجرته جهة أميركية مؤيدة لإسرائيل في آذار الماضي، أظهر أن هنالك أقل من ٢٠ في المائة من الإماراتيين يرغبون بأن تقيم بلادهم علاقات مع إسرائيل، وهي نسبة في تقديري مبالغ فيها أيضاً.
والإمارات لا تطبع بهدف التنسيق الأمني، فهذا قائم بين غالبية الدول العربية وإسرائيل سواء بشكل مباشر وسري، أو بشكل غير مباشر من خلال الولايات المتحدة نفسها والعديد من الدول الغربية، والتطبيع العلني الكامل في هذا السياق لا يضيف جديداً لهذا التنسيق الذي هو في طبيعته سري ولا يصل للعلن.
لماذا إذا هذا التطبيع مع إسرائيل؟
أزعم أن هذا التطبيع له الأهداف التالية:
أولاً، الإمارات وسعت من دورها كثيراً في الإقليم منذ الاحتجاجات الشعبية العربية العام ٢٠١١. وللإمارات اليوم دور كبير في ليبيا واليمن والقرن الإفريقي والسودان ومصر. ورغم عدم امتلاكها للقوة البشرية الكافية للقيام بهذا الدور، إلا أنها تعتمد على شركاء محليين وشركات أمنية للقيام بما تقوم به. في سعيها المحموم لتوسيع دورها الإقليمي، تريد الإمارات إسرائيل كمحام سياسي لها في واشنطن والغرب، وتريد من اللوبي الإسرائيلي حمايتها وتوفير الغطاء السياسي لها.
ثانياً، الإمارات ترى أن رئيساً ديمقراطياً أميركياً سيقوم بإحياء سياسات أوباما القديمة، وهي سياسات قائمة على مبدأ الخروج الأميركي من منطقة الشرق الأوسط، وإدخال إيران في منظومة أمنية جديدة لمنطقة الخليج تسمح بالتفاهم بين إيران ودول الخليج، وبما يسمح لأميركا بمغادرة الشرق الأوسط وتركيز جهدها على مواجهة الصين. الإمارات لا تريد ذلك، وهي لذلك ترغب بتعزيز فرص نجاح ترامب في الانتخابات بمنحه نصراً سياسياً وبمحاولة التأثير على الناخبين اليهود لانتخاب ترامب.
ثالثاً، الإمارات تشعر أن هنالك ثلاث قوى إقليمية تقرر مصير منطقة الشرق الأوسط، وهي: تركيا وإيران وإسرائيل، وهي ترى أن مصالحها ليست مع تركيا حليفة خصمها المباشر قطر، وليست مع إيران التي تحتل جزراً لها، والتي تعاديها أيضاً العربية السعودية، وبالتالي فهي ترى إسرائيل الأقرب لها.
بإمكان الإمارات أن تفعل ما تريد، فهي دولة مستقلة، ولها أن تقرر سياساتها الخارجية كما تريد، لكن لا يحق لها أن تقول: إنها تفعل ذلك من أجل فلسطين، لأن الحقيقة أن ما قامت به لا يخدم فلسطين وإنما إسرائيل.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.