حقائق ودلالات الضربة الإيرانية لأميركا في العراق
مقالات

حقائق ودلالات الضربة الإيرانية لأميركا في العراق

بعد أسبوع على القصف الإيراني لقاعدة عين الأسد في العراق، كشف الإعلام الأميركي عن بعض حقائق ذلك اليوم. وبعيداً عن مناكفة البعض الذي يصر على أن كل ما جرى مسرحية متفق عليها بين الطرفين، فإن الحقائق التي كُشف عنها تقول عكس ذلك، وتكشف عما هو أبعد منه، وهو أن إيران تمتلك قوة ردع تخشاها الولايات المتحدة ولا ترى أن من مصلحتها حدوث مواجهة معها ما لم تكن مضطرة إليها.
من جملة ما سلط الإعلام الأميركي الضوء عليه هو أن القصف الإيراني أحدث دماراً هائلاً في القاعدة العسكرية كما أبرزته الصور والتسجيلات التي نشرتها شبكة «سي.أن.أن» وأن هذا القصف استمر ساعتين متواصلتين.
وكشف الإعلام، أيضاً، عن أن الجنود الأميركيين، كما قالوا هم أنفسهم أثناء المقابلات التلفزيونية، كانوا في حالة رعب شديدة وأن بعضهم بكى وكان يشعر بأن دقائق محدودة تفصله عن الموت، وهذا بالطبع شعور إنساني طبيعي لكنه أيضاً يكشف عن حجم الرعب الذي تعرض له الجنود الأميركيون خلال ساعتين من القصف. أحدهم قال: يجب ألا يتعرض أحد في العالم كله لمثل هذه التجربة التي تعرضنا لها.
الذي منع مقتل العشرات من الجنود الأميركيين عاملان: الأول أن صوراً لأقمار التجسس الصناعية الأميركية كشفت قبل القصف الصاروخي للقاعدة عن تحركات لمنصات الصواريخ الإيرانية تشير إلى أن النية تتجه لاستهداف قواعد عسكرية في العراق. لذلك طلبت الولايات المتحدة من جنودها أن ينسحبوا من مهاجعهم ومهامهم إلى تحصينات في القاعدة، لكنها بعيدة عن معداتهم ومراكز قياداتهم.
والثاني هو أن إيران أبلغت بعد منتصف الليل القيادة العراقية بأنها ستستهدف بالقصف قواعد عسكرية أميركية في العراق وأن هذه المعلومة تم تمريرها سريعاً للولايات المتحدة، وحدث القصف بعدها بساعة تقريباً، وهي فترة زمنية قصيرة، لكنها كافية لإبعاد الجنود عن أماكن القصف.
القصف الإيراني للقاعدة العسكرية أراد أن يظهر أن إيران دولة إذا قالت فعلت وأنها وإن كانت لا تريد الحرب مع الولايات المتحدة فإنها لا تخشاها، وهي أرادت فوق ذلك أن تُظهر أن أميركا رغم قوتها الجبارة، فإن لديها الكثير لتخسره إذا ما قررت الدخول في حرب معها، وقد نجحت في ذلك.
ما يدعم هذا الاستنتاج أن الرد الإيراني لم يتأخر، فهو قد حدث بعد أيام قليلة من مقتل الفريق سليماني وقبل دفنه وكأن الإيرانيين تعمدوا عدم دفنه قبل الأخذ بثأره أو بجزء منه على الأقل.
وثانياً، أن إيران استهدفت أهم قاعدة عسكرية أميركية وأكبرها في العراق وهي القاعدة التي استقبلت ترامب ونائبه ووزير خارجيته في وقت سابق.
وثالثاً، أن إيران استهدفت القاعدة بأحد عشر صاروخاً يحمل كل منها نصف طن من المتفجرات، وأن عشرة صواريخ منها ضربت القاعدة بدقة متناهية.
ونعلم رابعاً من الإعلام الأميركي أن إدارة ترامب كانت تعلم بتصميم إيران على الانتقام لهذا مررت رسالة لهم عن طريق الوسيط السويسري تقول، إذا ضربتم اجعلوا ضربتكم متناسبة مع ما قمنا به (قتل سليماني). بمعنى آخر، لا تحدثوا كارثة نضطر تحت وطأتها إلى أن نرد عليكم بطريقة تفتح الباب أمام حرب واسعة.
ونعلم خامساً من الإعلام الأميركي أن إيران وبعد أن قامت بضربتها العسكرية أبلغت السويسريين سريعاً أنها ردت على مقتل سليماني وأنها اكتفت بهذا الرد لكن إن ردت أميركا فإن إيران لا محالة ستقوم بالرد.
الإهانة التي ابتلعتها أميركا بقبول الضربة الإيرانية التي حياها العالم عليها، لها ما يبررها، بالطبع فإذا كانت صواريخ بالستية عدة أحدثت هذا القدر من الدمار في قاعدة عسكرية واحدة، فماذا سيكون عليه حال القواعد العسكرية الأخرى في الشرق الأوسط إن تم إعلان الحرب؟ عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين سيصبحون هدفاً للصواريخ الإيرانية، لذلك كان أفضل الحلول لأميركا هو ابتلاع الإهانة وعدم الرد بحجة عدم وقوع خسائر بشرية.
الحقيقة أن العالم تنفس الصعداء بعدم الرد الأميركي لأن الحرب هي كارثة دون أدنى شك على شعوب المنطقة جميعها وعلى القوات الأميركية في الشرق الأوسط وعلى الاقتصاد العالمي.
لكن الضربة الإيرانية لها أيضاً دلالات مهمة لعل أهمها ما يلي:
أولاً، أن أميركا ستفكر مرات عديدة قبل أن تقدم على مهاجمة أهداف إيرانية بعد الآن لأن إيران سترد حتماً على أي هجوم تتعرض له، وهو ما يعني أن خطر الانزلاق إلى حرب مفتوحة أقل من السابق.
ليس قتل الفريق سليماني إذن هو ما يمنع الحرب كما ادعى ترامب، ولكن الرد الإيراني على عملية القتل هو ما يمنعها.
ثانياً، أن إسرائيل لن تقوم بتنفيذ تهديداتها بقصف منشآت إيران النووية لأنها تعلم اليوم أن الأخيرة سترد عليها بقوة بعد أن قامت باستهداف من هو أهم منها قوة ووزناً سياسياً.
الرد الإيراني عزز موقف أجهزة الأمن والجيش الإسرائيلي الذي لا يريد قصف إيران بشكل مباشر وأضعف موقف السياسيين الإسرائيليين الذين كانوا يدفعون بهذا الاتجاه مثل نتنياهو وكاتس وسابقاً إيهود باراك.
ثالثاً، أن دول الخليج العربي أصبحت تعلم جيداً حدود الاعتماد على أميركا لحمايتها وأن من مصلحتها التواصل مع الإيرانيين لحل المشاكل العالقة بينهم وبينها.
التصريحات الخليجية بلا استثناء خلال الأسبوعين الماضيين أشارت صراحة إلى رغبتهم بعدم التصعيد في منطقتهم وإلى أهمية احتواء الأزمة وأن جميعهم فوجئوا بقتل أميركا الفريق سليماني.
ورابعاً، أن إدارة ترامب أصبحت الآن على مفترق طرق بعد أن أعلن حلفاء إيران أنهم سيستهدفون وجودها في الشرق الأوسط، فهي إما أن تتورط أكثر في المنطقة وهذا ما لا تريده، خصوصاً أن إدارة ترامب قد جاءت للبيت الأبيض وفي نيتها الانسحاب من الشرق الأوسط، وإما أن تنسحب الآن وسريعاً وهو ما سيظهر ضعفها وعجزها.
البقاء في المنطقة مكلف وقد تكون نتيجته خسارة الانتخابات الأميركية، والرحيل أيضاً مهين لأنه إن تم فهو بالإكراه وتحت وطأة التهديد وربما الضربات في الأسابيع والأشهر القادمة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.