طفولة الفلسطيني
مقالات

طفولة الفلسطيني

لماذا يسارع الكاتب الفلسطيني إلى كتابة طفولته بتفاصيلها البسيطة؟ لماذا يبدو متحمساً لذلك؟ لم أقرأ لفلسطيني أدباً، إلا وكان أول سؤالي له: جيد ما قرأت لك، لكن متى ستكتب طفولتك؟ فيجيب على الفور، أنا أكتبها بالفعل، أكاد أنهيها، فعل ذلك محمود شقير وخليل سكاكيني وإبراهيم جوهر وإبراهيم نصر الله وايميل حبييي ومريد برغوثي وإسماعيل وتمام شموط وفدوى طوقان ومحمد علي طه وفيصل حوراني وآخرون كثيرون.

الكتاب الذي بين يديّ هو للكاتب والمثقف المقدسي جميل سلحوت، (أشواك البراري) صادر عن مكتبة كل شيء بحيفا بقطع متوسط و200 صفحة تقريباً، على الغلاف الأخير، يكتب السلحوت: (وأستطيع القول أنني وغالبية أبناء جيلي قد عشنا رغماً عن سنن الطبيعة، فقد كانت نسبة الوفيات في الأطفال مرتفعة جداً، ومع ذلك عشنا لنكون شهوداً على واقع لا خيارات لنا فيه). وكتب فيصل حوراني عن سبب كتابته لمذكرات الطفولة:( أدركت أن ما عشته لم يكن مجرد ذكريات خاصة، كان جزءاً من تاريخ أمة تحاول أن تتذكر ذاتها في وجه المحو). أما الشاعر مريد برغوثي فكتب (أنا لم أكتب مذكرات طفولتي لكي أحكي عن نفسي بل لأقول للقارئ هكذا كنا نعيش وهكذا انتزعت البلاد من أرواحنا قبل أن تنزع من أيدينا).

في كتابات الأدباء والمفكرين الأوروبيين يبدو سبب كتابة المذكرات مغايراً تماماً لسبب الفلسطيني، كتب الروائي الأميركي هنري مللر 1989- 1980 مذكراته على شكل روايات مشهورة في العشرينيات، من القرن الماضي، كتبها ليس لدرء محاولة محو وطمس من غازٍ أجنبي، بل بحثاً عن جوهر فكرة الزمن، كان السؤال الوجودي هو سبب هذا الاهتمام عند الكاتب الغربي غالباً، ونتذكر مثالاً أوضح وهو تجربة الروائي الفرنسي مارسيل بروست وهو يكتب (الزمن الضائع) ليس تثبيتاً لذاكرة مهددة بالقتل والإلغاء، بل تأمل لفكرة الزمن واستمتاع بنبش كنز ضائع اسمه الطفولة.

في كتابه (أشواك البراري)، يعود جميل السلحوت إلى أول الطفولة، في قرية السواحرة، قضاء القدس، وهو المولود عام 1949 وسياق هذه الطفولة معروف جداً، كان قد مضى عام واحد على احتلال فلسطين، والحرب ما زالت مستمرة، كيف يمكن أن نتخيل هذا السياق؟ يكتب السلحوت: (لم يكن في طفولتنا ما يسرّ القلب، فآباؤنا الذين عاصروا نهاية العصر العثماني وما صاحبه من جهل ومظالم عانوا الأمرين في طفولتهم، في نهاية الحرب الكونية، حتى وقعوا تحت الاحتلال البريطاني، الذي حاول تجميل اسمه انتداباً بدل احتلال، وهكذا كان آباؤنا ضحية هم الآخرون، لواقع فرض عليهم، فلم يعيشوا طفولتهم وشبابهم، ولا حتى شيخوختهم).

ثمة سيرة غيرية إذن يكتبها السلحوت في كتابه، هي سيرة طفولة آبائه وأجداده، سيرة ليست تفصيلية بالتأكيد كما سيرته، لكنها تظهر حجم مأساة شعبه التي تتقاسمها الأجيال، وكأن قدر الفلسطيني أن يعيش طفولة مدمرة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.