
من النكبة إلى الذكاء الاصطناعي: أدوات جديدة لحماية روايتنا الفلسطينية
في كل عام تعود ذكرى النكبة لا كأرشيف صامت أو رقم في التقويم، بل كنبض حي في قلب كل فلسطيني شيخا أو شابا امرأة أم طفلا النكبة ليست مجرد حدث، بل جرح مفتوح وذاكرة متوارثة نحتت ملامحها في جدران المخيمات وفي أسماء المدن والقرى المكتوبة على بوابات البيوت، وعلى جدران الحنين في عيون الأجيال، إنها ذاكرة شعب يُراد لها أن تُمحى لكنها ترفض الموت.
في هذا السياق ومع اشتداد الهجمة على المخيمات الفلسطينية، تبرز حاجتنا الملحة لأدوات جديدة تُنقذ الرواية من المحو وتنتشل السردية من ركام التهجير المستمر، هنا يقف الذكاء الاصطناعي ليس كترف معرفي أو أداة تكنولوجية عابرة، بل كحليف جديد في معركة الهوية، وكمنبر رقمي يمكن أن يحمل ما عجزت عنه باقي الأدوات.
لطالما كانت الرواية الفلسطينية محاصرة يُشكك في صدقيتها يُنتقص من شرعيتها وتُدفع دائمًا للدفاع عن ذاتها، في المقابل الاخرون روايتهم جاهزة، مدعومة بأدوات تكنولوجية أرّخت لهم، حوّلت الغازي إلى ضحية، لكن اليوم تتغير المعادلة، فمع صعود الذكاء الاصطناعي وتطور أدواته في تحليل البيانات وفهم اللغة ومعالجة الصور والفيديو، بات بالإمكان خلق جبهة سردية رقمية تستعيد فيها المخيمات صوتها وتحكي بنفسها دون وسطاء.
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُوظف في أرشفة الشهادات الشفوية للاجئين وتحويلها إلى نصوص قابلة للبحث والتحليل، أو إلى فيديوهات مترجمة تُنشر عالميا، يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يربط القصص الفردية بسياقات تاريخية وجغرافية، فيحوّل شهادة الجد عن قريته المهجّرة إلى خريطة تفاعلية تروي النكبة من داخلها، بل يمكنه توليد محاكاة صوتية ومرئية لبيئات ما قبل التهجير، مما يجعل ذاكرة المخيمات أكثر حضورا ووضوحا لا حكاوي فقط، بل كأداة تثبيت للحق.
ليست الحروب الأخيرة على المخيمات مصادفة، ولا تدمير البنية التحتية فيها نتيجة ثانوية، فالمخيم وإن بدا كمساحة صعيرة مهمّشة هو في الحقيقة قلب الذاكرة الفلسطينية النابض، فيه تحفظ حجاتنا مفاتيح البيوت المهجّرة ويحمل الأطفال أسماء القرى التي لم يروها قط، وفيه تتجسد النكبة كل يوم لا كتاريخ قديم بل كحالة راهنة وفعل ثوري مستمر.
يسعى البعض إلى محو المخيمات، سواء بالقصف أو بالإهمال أو الدعوة لتوطين اللاجئين وإنهاء قضية العودة في هذا السياق يصبح الذكاء الاصطناعي وسيلة دفاع حقيقية، تحوّل كل صورة وكل شهادة وكل جدارية في الأزقة إلى وثيقة رقمية مؤرشفة مقاومة للزمن والنسيان.
لنتخيل نموذجا لغويا مدربا على آلاف القصص الفلسطينية، قادرا على كتابة نصوص وقصائد وسيناريوهات من قلب التجربة لا من خارجها، يمكن لهذه النماذج أن تساعد الشباب الفلسطيني في المخيمات على كتابة روايتهم بلغتهم ومن واقعهم، دون الحاجة لمرور عبر بوابات الإعلام الغربي وغيرها هذا الذكاء ليس محايدا بل يمكن تكييفه لخدمة قضية عادلة طالما توفرت له بيانات نقية وصادقة.
في المخيمات لا تُكتب الرواية بالورق فقط، بل تُقال وتُغنى وتُرسم على الجدران، الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُدمج هذه الوسائط المختلفة ليخلق ارشيفا حيا ومتعدد الأبعاد، يمكن له أن يحول الزجل الشعبي إلى مادة مكتوبة ومؤرشفة أو أن يحلل جداريات المخيمات ويصنف رسائلها أو أن يُنتج خرائط صوتية تفاعلية تستند إلى شهادات أهل المخيم.
واحدة من أكبر تحديات القضية الفلسطينية هي السردية الدولية التي تميل غالبا إلى تصديق الرواية الأقوى اعلاميا ،الذكاء الاصطناعي هنا يمكن أن يُحدث خرقا من خلال أنظمة تصنيف المحتوى التي تكشف التحيّزات في وسائل الإعلام، أو من خلال أدوات توليد محتوى فلسطيني يُنافس ويُقارع على المنصات العالمية، بل يمكن بناء منصات ذكية تُرشد الباحثين والصحفيين إلى روايات فلسطينية بديلة معززة بالحقائق لا بالمشاعر فقط.
نحن أمام لحظة مفصلية إما أن نُكمل ترديد الرواية من مقاعد الانتظار أو أن نُدخلها إلى قلب المعركة الرقمية، الذكاء الاصطناعي لا يحل محل البشر لكنه يضاعف قدرتهم على التأثير وفي حالة المخيمات، يمكنه أن يحوّل القصص الفردية إلى سردية جماعية موثقة مترجمة.
ما نحتاجه ليس مجرد استخدام الأدوات بل إعادة توجيهها، بدلا من أن يُستخدم الذكاء الاصطناعي في محو الأصوات المهمّشة يمكن أن يتحول إلى منصة لهم، بدلا من أن تكون خوارزميات البحث معادية للقضية يمكن تدريبها لتكون حليفة لنا.
النكبة بدأت لكنها لم تنتهِ والمخيمات ليست هامشا بل مركزا للذاكرة الوطنية الحية، ومع كل محاولة لمحوها تنبت رواية جديدة وصورة أخرى وصرخة لا تُكتم، فالذكاء الاصطناعي إذا حُشد في الاتجاه الصحيح يمكن أن يصبح امتدادا للحنجرة الفلسطينية، ومرآة رقمية لواقع لا يريد العالم أن يراه.
نحن اليوم نحمل الذاكرة نحملها مشفّرة مؤرشفة ناطقة ومعززة بالذكاء الاصطناعي وهذا وحده كفيل بأن يجعل النكبة بداية لا نهاية.

ما وراء حسن النية بين ترامب وحماس؟

الإفراج عن عيدان..هل من انفراجة توقف الإبادة؟

ثلاث سنوات على اغتيال شيرين أبو عاقلة: العدالة غائبة والمعايير المزدوجة فاضحة

الحذر من تجزئة القضية وتعدد مسارات التفاوض

العالم محتل وفلسطين وحدها تقاوم

إصلاح حال بال المراهقين/ المراهقات

تشي جين بينغ… صوت الشرق الهادر يعلنها لا لسرقة النصر ولا لبعث الاستعمار بثياب ناعمة أو بني...
