
استخدام القوة بدون ضوابط والاختبار بالنار!
تشهد منطقة الشرق الأوسط واحدة من اخطر موجات التصعيد العسكري منذ سنوات،بعد اندلاع مواجهة مباشرة بين أسرائيل وأيران،والتي تحولت سريعا من تهديدات متبادلة الى ضربات جوية عنيفة،أذ شكل الصراع بينها ملامح الشرق الأوسط على مدى عقود، وظل هذا الصراع على مرجل نار هادئة،وتبادلت الدولتان الهجمات في وقت قد مضى بشكل غير معلن، مع تجنب وقوع حرب شاملة لكن وتيرة الأعمال العدائية تصاعدت بعد بدء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية المدعومة من إيران، في أكتوبر 2023،ومنذ ذلك الحين، تعاقبت الدولتان القصف على اراضي بعضهما البعض،في حوداث متفرقة باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة،ثم حدث الصدام الأكبر بينهما عقب الضربات الجوية التي شنتها اسرائيل فجر الجمعة 13حزيران2025،واستهدفت منشأت عسكرية ايرانية وبرنامجها النووي،بالأضافة الى علماء وقادة عسكريين،ووقعت انفجارات عنيفة في العاصمة الايرانية طهران،لدرجة انها كانت مرئية ومسموعة للسكان،وصفت بضربة استباقية،ولم تنتظر أيران كثيرا للرد على الهجوم الأسرائيلي واغتيال قادتها،فأطلقت 5 موجات من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي استهدفت عدة مدن اسرائيلية،واسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بين المدنييين، في تطور ينذر بانزلاق المنطقة نحو حرب أقليمية واسعة النطاق.
ومع تسارع الأحداث وأرتفاع وتيرة الأعمال الحربية،وعلى وقع التصعيد الميداني في المنطقة، فقد استهدف العدوان الأسرائيلي ضد ايران فجر الجمعة ثلاثة مستويات، الأول: منوظمة القيادة والسيطرة العسكرية المتمثلة في قيادات الجيش والحرس الثوري،والثاني:البنية الأساسية للبرنامج النووي الأيراني وخصوصا المحطات والمفاعلات النووية،وقواعد الصواريخ والمسيرات،والثالث:المستوى النوعي من العلماء النوويين القائمين على المشروع النووي الايراني،وبالتالي،فأن هذا الاستهداف والذي ما زال مستمرا يحاول توجيه ضربة قاسية للبرنامج النووي وارباك منظومة القيادة والتحكم ـوتعطيل قدرات الردع الايرانية في الرد على الهجوم الأسرائيلي،وكذلك ترى اسرائيل في هذا الهجوم لحظة حاسمة في تاريخ الصراع وعملا ضروريا لمواجهة التهديد الوجودي الذي يمثله البرنامج النووي الايراني،وينسجم هذا العدوان مع الرؤية الأمنية المستقبلية التي يسعى نتنياهو لتثبيتها،وهي لا تقتصر على استعادة صورة الردع الأسرائيلي التي فقدتها في السابع من اوكتوبر/2023،بل تمتد لتوسيع دائرة الهيمنة الامنية في البيئة الأستراتيجية المحيطة،وبطريقة مكشوفة وفجة ودموية،وهو ما اعلن عنه نتنياهو في ذكرى مرور عام على معركة طوفان الاقصى،بدعوى ضمان أمن اسرائيل ومستقبل الاجيال الصهيونية.
وبأستعراض سريع لمجريات المعركة ومعطيات الميدان،لا بد من الأشارة بأن الأيرانيين قد تعرضوا لخدعة استراتيجية من قبل الولايات المتحدة الامريكية،رغم حالة الاجماع الاسرائيلي بضرورة ضرب ايران،فتوقيت الهجوم جاء بعد ايام من قيام الولايات المتحدة بسحب موظيفها غير الأساسيين من بعض دول الخليج،ووضع القواعد الامريكية على اهبة الاستعداد تحسبا لأي تطورات محتملة، ويوحى وقوع الهجوم بالرغم من التحذيرات العلنية من ترامب لنتنياهو بعدم شن هجوم في الفترة الحالية،بأن هناك تنسيقا امريكيا اسرائيليا حول الهجوم، وبالتالي يريد ترامب توظيف الهجوم الأسرائيلي لتحسين شروط التفاوض الامريكية،وتحذير ايران من ان البديل سيكون هو الحرب وتدمير منشأت ايران النووية،ولكن بذات الوقت كان لنتنياهو حساباته الخاصة في الهجوم،وكان قد عارض فكرة التفاوض الامريكي مع ايران سابقا،واقترح استغلال الفسحة الزمنية لتدمير انظمة ايران الدفاعية في اوكتوبر عام 2024،لكن الجانب الامريكي فضل توظيف العمل التفاوضي للحصول على مكاسب محتملة،ومما يثير الاستغراب انه وفي اعقاب الهجوم الأسرائيلي الواسع ضد ايران،صرحت ايران بانها تجهز لرد انتقامي ولم تعلن الحرب على اسرائيل،ما يفيد برغبة ايران في ابقاء المواجهة محدودة،ولا ترغب في الذهاب الى حرب شاملة.
وأزاء تدحرج كرة اللهب وانتقال اسرائيل وايران من الحروب غير المباشرة والتي كانت بالوكالة وحرب الاستخبارات والعمليات الخاصة،وانتقالها الى المواجهة المباشرة عبر عمليات القصف المكثف التي تشنها اسرائيل ضد ايران، والموجات المتتالية من الصواريخ الايرانية كرد على الهجمات الأسرائيلية،وفي مقارنة سريعة بين الدولتين،نرى بأن اسرائيل تتمتع بتفوق تنكولوجي مقارنة مع ايران،بدعم عسكري ومالي من جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية،وذلك لضمان تفوق اسرائيل ضمن التزامات هذه الدولة بأمن دولة اسرائيل،كما أن اسرائيل هي الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك مقاتلات الشبح الامريكية أف ،35 ،بالأضافة الى الاعتقاد على نطاق واسع بامتلاك اسرائيل للسلاح النووي،في حين تسعى ايران لاستخدام برنامجها النووي المدني كغطاء لبناء اسلحة نووية،وتواصل تخصيب اليورانيوم بشكل مضطرد،وقيدت العقوبات قدرة ايران في الحصول على التكنولوجيا العسكرية،ما دفعها لتطوير اسلحتها محليا،وتعتمد في سلاحها على طائرات قتالية قديمة،ولكن الجيش الأيراني يمتلك مخزونا كبيرا من الصواريخ البالستية والطائرات. المسيرة،وقد شنت اسرائيل هجمات مكثفة بالطائرات ضد ايران ،وبادلتها ايران هجمات صاروخية،وتمتلك الدولتين قدرات في العمليات السبيرانية وحملات التأثير المعلوماتي،وفي سياق التموضعات الأقليمية والدولية من الحرب بين اسرائيل وايران،نجد أن ايران تقف وحيدة في هذه المعركة،باستثناء الدعم من الحوثيين،في حين تتمتع اسرائيل بدعم المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية،ومن الواضح أن الأمريكان لعبوا دورا مهما في تنفيذ العدوان ضد ايران وأنجاحه،فما كان للطائرات الأسرائيلية أن تنفذ غاراتها في العمق الايراني دون دعم لوجيستي أمريكي،وايضا قامت امريكا بدعم الطائرات الاسرئيلية عبر عمليات التزود الجوي بالوقود،هذا اضافة الى تسهيلات قدمتها دولة مجاورة لايران لعمليات اسرائيل ضدها،لذلك وفي خضم تبادل الهجمات بين الطرفين،فأن الحرب التي اوقد نارها نتنياهو هي لعب بالنار، ولا تعني بالضرورة توسيع دائرة الردع،وانما توسيع دائرة الغضب والسخط والصراع في البيئة الأستراتيجية،وما لا يدركه نتنياهو هو ان ايديولوجية ما لا يتحقق بالقوة،يمكن ان يتحقق بمزيد من القوة،التي يتبناها ،قد تنجح في اماكن اخرى،لكنها لتن تنجح في المنطقة العربية والاسلامية،خاصة دولة كأيران لديهم مبدأ التضحية امر طبيعي بسبب التعلق بالقومية الايرانية وتراثها.
مما سبق نخلص الى القول، أن الحرب الجوية الأسرائيلية الحالية ضد ايران،وقيادتها العسكرية ومنشأتها النووية وطواقمها العلمية ومطاراتها،تعني بشكل قاطع انتهاء زمن الحروب بالوكالة،ومهدت للمواجهة المباشرة بين الطرفين،وان الحرب الأسرائيلية لم تمتد لايران كاستكمال للحرب التدميرية في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان،وانما خي امتداد لسنوات خلت منذ العام 2018،من حرب التخريب المتواصلة ضد البرنامج النووي الأيراني،وان اسرائيل تراهن في حربها على الانحياز الغربي والأقليمي لها بأشكال متعددة ومتفاوتة،وقد ظهر ذلك من خلال التعاقب السريع بين صدور قرار الطاقة الذرية وبين ترجمة اسرائيل القرار الى حرب،في وقت كان فيه الامريكيون يعملون على تنويم ايران انتظارا لجولة المفاوضات التي كان من المتوقع انطلاقها يوم 15/6/2025،وأن اسرائيل احدثت زلزال حربي في الشرق الأوسط سيؤدي الى انعدام التوازن في الشرق الاوسط الى الحالة القصوى،وأن المشهد يزداد توحشا،وان الحرب بين الطرفين تعد منعطف خطير تتسع دائرتها بما قد يؤدي الى دخول اطراف دولية كبرى فيها، واندلاع مواجهة اقليمية شاملة،وان الرد الايراني الذي استهدف العمق الأسرائيلي،أظهر تحول المواجهة من مجرد عمليات محدودة الى ما يبدو بانه بداية لحرب فعلية،وأن الهدف الأسرائيلي لا يقتصر على تحجيم قدرات ايران،بل يمتد لمحاولة اسقاط النظام،وان المعركة بين الطرفين لا تفهم فقط من منطلق الرد والردع،بل هي صراع على مستقبل الدور الأقليمي في المنطقة، اذ تسعي اسرائيل لتكريس وجودها كقوة مهيمنة لا تردع،بحيث تكون لها اليد الطولى فيها،وان امتلاكها القدرة على استخدام القوة دون ضوابط،سيعرض دولار اخرى في الأقليم الى مصير مشابه لما يحدث في ايران،وان قدرة الاطراف الفاعلة على التأثير في هذا المسار تبدو محدودة،ما لم تكن مدفوعة بارادة سياسية حازمة من واشنطن وحلفائها،واستمرار الوضع على ما هو عليه،يعني أننا امام فصل جديد من الصراع الاقليمي اكثر اتساعا وخطورة من كل ما شهدته المنطقة خلال السنوات الماضية.

نتنياهو يريد إسقاط النظام

"استدامة غير مستدامة"

من يكتب السطر الاخير في الحرب الجارية

الأهداف الجيواستراتيجية للحرب الإيرانية الإسرائيلية

أمة على هامش التاريخ: من زمن الأمجاد إلى زمن الانبطاح

حرب "البكاء على رأس الميت"

ندمر أنفسنا بأيدينا؟!
