
الإفراج عن عيدان..هل من انفراجة توقف الإبادة؟
دون تهويل أو تهوين، يبدو أن التباينات بين واشنطن وتل أبيت حقيقية. فالإعلان عن وقف إطلاق النار بين واشنطن والحوثي، والتي لم تشمل اسرائيل، جرى إتمامها دون التنسيق معها. سبق ذلك الإعلان عن بدء المفاوضات مع طهران، وأيضاً دون إشراك نتنياهو في تفاصيلها، بل وعزل مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، لمجرد محاولته اطلاع نتنياهو على مضمونها، والآن الإفراج عن عيدان الكسندر، دون إشراك تل أبيب سوى بإلزامها بوقف إطلاق النار خلال تنفيذ إطلاق سراحه.
هذه المؤشرات لا يُمكن التهوين بدلالاتها .فرغم مكانة اسرائيل في السياسة الأمريكية، لجهة ضمان أمنها وتفوقها العسكري، إتخذت، كما يبدو، قراراً بأن مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، لا تنحصر أو تحدد فقط بما تريده تل أبيب أو ترفضه. واشنطن، التي تتصرف بحرص على أمن اسرائيل لا مساومة عليه، ترى في هذه الأولوية واحدة من مصالحها، وليس الوحيدة.
المقاومة تصرفت بذكاء في مسألة الإفراج عن عيدان الأمريكي والجندي في جيش الاحتلال، في محاولة منها لفتح ثغرة في جدار الانسداد، الذي صممه نتنياهو، بأن أي صفقة لن تنهي الحرب دون إذعان المقاومة لشروطه، الأمر الذي لشديد الأسف راهن عليه البعض، بل وطالب المقاومة بقبولها تحت ذريعة سحب الذرائع، والتي في الحقيقة لا تعني شيئاً سوى الاستسلام الكامل الذي يقدم لنتنياهو فرصة إعلان النصر على طبق من ذهب على جماجم الضحايا والخراب والجرائم التي ارتكبها في قطاع غزة ، والذي في حال نجاح تل أبيب في تحقيقه، فإنها لن تتوقف عن الاستمرار في تنفيذ ما يسميه نتننياهو بتغيير الشرق الأوسط، وبما يعنيه تهجير الغزيين والمضي بخطة الضم وتفكيك السلطة الفلسطينية، وفرض السلام الاسرائيلي بقوة الغطرسة العنصرية على مجمل المنطقة.
هذه التطورات تأتي عشية الزيارة التي يبدأها ترامب اليوم لعدد من دول الخليج العربي بدءاً بالرياض، حيث سيتم خلالها الإعلان عن الاتفاق الأمريكي السعودي، مستجيباً للمطالب السعودية المتصلة بمكانة السعودية في سياسة الدفاع الأمريكية وصفقات السلاح والاتفاق النووي الذي تسعى الرياض للحصول عليه، والذي أيضاً يتم دون مزيد من ربطه بالشروط الاسرائيلية، ويبدو دون التطبيع في هذه المرحلة. وكل ذلك تأتي في سياق الأولوية المطلقة والعليا لترامب المتمثلة بوعوده للنهوض التاريخيّ بالاقتصاد الأمريكي من خلال ما سيتحصل عليه من تريليونات السعودية والإمارات وقطر بشكل خاص.
من المعلوم أن الدول العربية تمتلك أوراق هامة في سياق المصالح المتبادلة مع واشنطن، وأنه كان بالإمكان، وما زال ممكناً، استخدامها لوقف فوري لحرب الابادة، كخطوة نحو إعمار القطاع، والتقدم نحو حل عادل للقضية الفلسطينية، وفقاً لمبادرة السلام العربية "2002”، وبما يضمن الانسحاب الاسرائيلي من جميع الأرض الفلسطينية والعربية المحتلة، وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره. صحيح أن تحقيق ذلك وفي هذه اللحظة الملتهبة يستدعي سياسة عقلانية وبراغماتية من المقاومة الفلسطينية في القطاع، وهذا ما قدمت المقاومة في سياقه إشارات ومواقف جوهرية وهامة، كان يجب على قيادة السلطة وقادة الدول العربية المحورية التقاطها وتشجيعها، وبما يفضي إلى توحيد الموقف الفلسطيني.والتوافق بين مكونات الشعب الفلسطيني على توحيد مؤسساته الوطنية الجامعة، انطلاقاً من اتفاق بكين والبدء بتشكيل حكومة وفاق وطني تأخذ على عاتقها التعامل الكامل مع مكونات ملف غزة بكل أبعاده، وتعيد توحيد مؤسسات الوطنية الجامعة على صعيد المنظمة والسلطة،وليس اعادة صياغتها لمجرد إسترضاء الآخرين.
هل هذا التوتر بين واشنطن وتل أبيب مجرد سحابة صيف، أم أنه يحمل بذور شيئ من توازن سياسة واشنطن في الشرق الأوسط؟ لا يمكن الجزم المطلق بالإجابة على هذا السؤال، ولكنه وفي كل الأحوال يفرض مسؤوليات وطنية فلسطينية، وكذلك عربية، بالتنسيق مع الدول المؤثرة في القرار الدولي، للتأثير فيما يبدو من تغيير مهما كان محدوداً، لوقف حرب الابادة، والتمسك بحقوق شعبنا، ومنع التفريط بتضحياته الجسام.
لا يمكن التنبؤ بما سيعلنه ترامب أو ما سوف لا يعلنه. فهو، وكما أكدت التجارب، شخصية متقلبة، ولا ثوابت تلزمه، ولكن هذا لا يُعفينا من واجباتنا ، وفي مقدمتها التوقف عن الرهان على ما يرضي تل أبيب وما لا يُرضيها، والتوقف عن الانخراط في لعبة هندسه الحال الفلسطيني وفق هذا الرهان، وأن يكون ديدننا بأن لا صوت يعلو على وقف حرب التجويع والابادة لإنقاذ شعبنا وقدرته على البقاء، دون تفريط أو استسلام. فهل نحن قادرون على ذلك ؟

ما وراء حسن النية بين ترامب وحماس؟

ثلاث سنوات على اغتيال شيرين أبو عاقلة: العدالة غائبة والمعايير المزدوجة فاضحة

الحذر من تجزئة القضية وتعدد مسارات التفاوض

العالم محتل وفلسطين وحدها تقاوم

إصلاح حال بال المراهقين/ المراهقات

تشي جين بينغ… صوت الشرق الهادر يعلنها لا لسرقة النصر ولا لبعث الاستعمار بثياب ناعمة أو بني...

صدام الحضارات ينتقل الى الهند بديلا للتسامح
