
أي إصلاح مستدام لقطاع الأمن نريد!
مقدمة
أظهر إصدار الرئيس محمود عباس قرار بقانون بشأن إحالة الضباط ممن هم برتبة عميد من قوى الأمن الفلسطينية إلى التقاعد المبكر مسألتين؛ الأولى: أنّ لدى الرئيس رغبة بعملية إصلاح في قطاع الأمن، والثانية: أن خللا قائماً في بنية قطاع الأمن في مسألة الرتب العسكرية والحجم الكبير منها في المؤسسات الأمنية. وبالرغم من أن هذه الخطوة ستزيل بعضاً من الخلل القائم "الهرم المقلوب" في البنية التنظيمية في قطاع الأمن، إلا أنّ عملية الإصلاح هذه لن تستقيم دون القيام إصلاح شامل في قطاع الأمن، كي لا تتكرر مسألة إحالة حجم كبير من الضباط إلى التقاعد بهذه الطريقة في ظل أوضاع مالية غاية في الصعوبة؛ فقد أشارت صحيفة القدس قبل عشرين عاماً أنّ الرئيس محمود عباس أصدر قرار بإحالة ألف ضابط إلى التقاعد في الرابع من نيسان 2005 أي بداية ولايته الرئاسية، وبعد عشرين عاماً قرر إحالة عددا وافرا من الضباط ممن هم في رتبة عميد والحديث يدور عن إحالة ضباط برتب متعددة إلى التقاعد في الأيام القادمة.
تأتي هذه الإحالة إلى التقاعد في ظل وجود ضغوط عربية متعددة لإجراء عملية إصلاح للسلطة الفلسطينية تمثلت بمطالبة القمة العربية الطارئة "قمة فلسطين" (والتنويه إلى أنّ جهود الإصلاح داخل دولة فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية هي خطوات ضرورية لتمكين المؤسسات الوطنية الفلسطينية من أداء مهامها بفعالية في مواجهة التحديات، والحفاظ على وحدة القرار الوطني، وتعزيز قدرة الشعب الفلسطيني على الصمود وتحقيق تطلعاته المشروعة إلى الحرية والاستقلال." وفي ذات الوقت يبدو أنها تأتي في ظل التحضيرات لانتقال الحكم وإبعاد مراكز القوى والنفوذ عن استخدام بقايا امتداداتها في الأجهزة الأمنية.
تشير التجارب الدولية لعملية الإصلاح في قطاع الأمن إلى أنّ نجاح عملية الإصلاح يعتمد على توفر أربعة شروط مساندة لعملية الإصلاح هي: (1) أنْ تكون عملية الإصلاح ممتدة وتدريجية على مستويات عدة. و(2) وأن تؤسس لعقيدة جديدة تقوم على مفهوم مصلحة المواطنين وحماية الديمقراطية، وليس فقط حماية أمن الدولة أو الحزب الحاكم أو حزب الحاكم. و(3) أن تكون عملية إصلاح جهاز الأمن جزءاً من استراتيجية متكاملة لتعزيز سيادة القانون ورفع المهنية والمساءلة والشفافية في عمل أجهزة الدولة بشكل عام. و(4) وأن تتوفر إرادة سياسية وبرنامج عمل متفق عليه من قبل الأطراف المختلفة لعملية الإصلاح بشكل عام وإصلاح قطاع الأمن بشكل خاص.
تهدف هذه الورقة إلى المساهمة في نقاش عملية الإصلاح في قطاع الأمن بما يحقق مصلحة المواطنين، وكي يكون هذا الإصلاح مستداماً وعدم العودة مجدداً للأزمات ووضع قواعد وآليات تمنع تكلس مؤسسات قطاع الأمن من جهة، وتحافظ على تجديد القيادات المهنية بما ينسجم مع القانون الفلسطيني، وبما يتناسب مع المهنية في مؤسسات الأمن للحفاظ على النظام العام ويحمي مصلحة المواطنين. وتقديم توصيات تساهم في تعزيز المهنية في عمل ونظام قطاع الأمن الفلسطيني.
تخلص هذه الورقة إلى أنّ الإصلاح الشامل لقطاع الأمن الفلسطيني يتطلب تغييرات قانونية ومؤسسية وثقافية. تحدد أيضا القضايا الضرورية وتقدم توصيات هادفة لتعزيز الشفافية والمهنية والمواءمة مع الحكم الديمقراطي. كما تهدف هذه الإصلاحات إلى بناء قطاع أمني يكون مسؤولاً أمام القيادة المدنية، وملتزماً بالخدمة العامة، ويرتكز على سيادة القانون.
قانون إحالة الضباط برتبة عميد ... إصلاح جزئي ومبتور
شكل القرار بقانون بشأن إحالة الضباط ممن هم برتبة عميد من قوى الأمن الفلسطينية إلى التقاعد المبكر الذي أصدره الرئيس محمود عباس إصلاحاً جزئياً لمعالجة مسألة الخلل في تكدس الرتبة السامية "رتبة عميد" في الأجهزة الأمنية، والذي بموجبه أحال حوالي "1500 ضابط" ممن يحملون هذه الرتبة، علما أنّ بعضهم استحق رتبة لواء منذ سنوات بناءً على مقياس الزمن المعتمد للانتقال من رتبة عسكرية إلى أخرى. ولم يعالج هذا القرار بقانون إلا أولئك الذين هم فوق عمر 55 عاماً على الرغم من وجود أعداداً أخرى ممن هم تحت سن 55 في هذه الرتبة؛ جزء منهم لا يعملون أو ليس لهم مكاناً على "هيكليات" المؤسسات الأمنية.
كما جاء القرار بقانون مبتوراً ويحمل في ثناياه قتل الهدف من القرار بقانون ذاته عند النص على الاستثناء في المادة الرابعة منه " يستثنى من أحكام المادة (3) الواردة في هذه القرار بقانون الضباط الذي يحملون رتبة عميد ويشغلون موقع قيادي على الهيكل التنظيمي بقرار يصدر عن القائد الأعلى لقوى الأمن الفلسطينية لهذه الغاية". الأمر الذي يمنح إمكانية للتدخلات والاسترضاءات والواسطة أو مزاجية بعض قادة الأجهزة الأمنية لإبقاء المقربين منهم دون وجود أسس مهنية تحت بند ضرورات العمل.
في المقابل، جاء القرار بقانون سخياً من حيث آلية احتساب الراتب التقاعدي والمستحقات لمن تنطبق عليهم أحكامه؛ حيث سيكون الراتب التقاعدي مرتبط بآخر راتب تم استلامه على خلاف قانون التقاعد الذي ينص على أن يكون الراتب التقاعد مبني على متوسط آخر 36 راتبا، وإضافة المدة المكملة لبلوغ سن التقاعد الإلزامي "ستون عاماً" المنصوص عليه في قانون التقاعد العام بحيث يكون الحد الأعلى للراتب التقاعدي 80% من آخر راتب حصل عليه الضابط المتقاعد بموجب هذا القرار بقانون. وإذ كان الناتج المالي لهذا القرار منصفاً للمتقاعدين إلا أنّه يزيد العبء على الخزينة العامة وصندوق التقاعد العام ودافعي الضرائب والأجيال القادمة. لذا فإنّ القرارات المتعلقة بالتقاعد الجماعية تحتاج إلى مزيد من القراءة المالية والدراسة الاكتوارية لمثل هكذا تقاعد.
مجالات الإصلاح في قطاع الأمن
مما لا شك فيه أنّ تنفيذ عملية الإصلاح في قطاع الأمن لا ترتبط بإرادة السلطة الفلسطينية وعزمها لوحدها فالنجاح والفشل هنا لا يعتمد على قدرة الحكومة ذاتها وإنما على أطراف خارجية كالمجتمع الدولي والمانحين وكذلك الجانب الإسرائيلي خاصة في ظل سياسات الاحتلال الإسرائيلي القاضية بإضعاف السلطة ومؤسساتها. إنَّ أيّ خطة لإصلاح قطاع الأمن الفلسطيني ترنو للنجاح وتحويل عملية الإصلاح إلى حقيقة واقعة وتمنع تكرار الفشل في عملية الإصلاح التي بدء العمل بها منذ عام 2005، تتطلب النظر بعناية وعمق لأسباب الفشل التي لاحقت بتنفيذ عملية الإصلاح، وأخذ العبر منها لتجاوز العثرات والتحديات والصعوبات التي حدّة دون تنفيذ الإصلاحات المخططة، واستلهام عناصر القوة التي رافقت النجاحات التي تحققت.
كما تتطلب أنْ تكون عملية الإصلاح ضمن رؤية شاملة واضحة؛ تتضمن برنامجاً مدعماً بالإجراءات المحددة؛ وفقاً لآجال زمنية مضبوطة وتكليفات لجهات بعينها صاحبة الاختصاص في تنفيذ الإجراءات الإصلاحية والتصحيحية. كما تحتاج عملية الإصلاح هذه مشاركة مجتمعية لتعزيز الملكية الشعبية القاضية بالدفاع عنها من الفئات المجتمعية المختلفة، وذلك للحد من مقاومة الفئات والأشخاص المتضررين من الإصلاح خاصة أنّهم في العادة من عليّة القوم المتنفذين ومن الماسكين بزمام أصحاب القرار.
مجالات الإصلاح الستة الواجبة في إطار عملية إصلاح شاملة في قطاع الأمن تشمل: (1) وثيقة السياسات الأمنية. (2) الإصلاح التشريعي. (3) الإصلاح المؤسسي. (4) المرجعية السياسية. (5) الرقابة البرلمانية والإدارية. (6) تعزيز ثقافة حماية الديمقراطية لدى عناصر المؤسسة الأمنية.
(1) وثيقة السياسات الأمنية
لم تقم الجهات الفلسطينية الرسمية على مدار الثلاثين عاماً الماضية من تبني وثيقة السياسة الأمنية (WHITE PAPER) التي تتضمن المبادئ التوجيهية للعقيدة الأمنية والسياسة الخاصة بالأمن القومي وركائز الأمن الوطني الناظمة لعمل المؤسسة الأمنية؛ كتعبير عن السياسة العامة للدولة لضمان السيطرة والاستقرار للأمن الداخلي والخارجي للدولة والمجتمع، والتي تفترض أنْ تحدد العقيدة الأمنية للمؤسسة الأمنية التي تتضمن التهديدات والتحديات التي تواجه الأمن الفلسطيني، ويتم إسنادها من خلال إقرار القوانين، وتعتمد على احتياجات الأمن الداخلي وأولوياته في كل مرحلة من المراحل، تطبيقاً وتنفيذاً، وتأخذ بالاعتبار الواقع الإقليمي والدولي والعديد من الالتزامات الخارجية.
التوصية: 1. تبني وثيقة السياسة الأمنية (WHITE PAPER) كمرجعية وطنية شاملة لتكامل عمل أجهزة ومؤسسات قطاع الأمن وتوافقها مع السياسة العامة لدولة فلسطين وفقا للمراحل السياسية. 2. اعتماد العقيدة الأمنية بقرار من الحكومة الفلسطينية بما يوضح التحديات والتهديدات والتحالفات وشكلها؛ فعلى سبيل المثال تشكل إسرائيل تهديدا وجوديا للشعب الفلسطيني، وهي مسألة جوهرية في طبيعة العقيدة الأمنية، لكن تكلفة التخلص من هذا الخطر أكبر من هذا التهديد الأمر الذي يستدعي أن تجاوب عليه وثيقة السياسية الأمنية وكيفية تقليص وتقليل مخاطره على الأمن الفلسطيني.
(2) الإصلاح التشريعي
يشكل انسجام التشريعات مع القانون الأساسي ومع بعضها البعض، وبعدم تبني تشريعات تتناقض مع بعضها البعض، عنصراً أساسياً في عملية الإصلاح التشريعي لقطاع الأمن. ففي العام 2005 تبني المجلس التشريعي قانون الخدمة في قوى الأمن رقم 8 لسنة 2008 لكن في العام 2007 تم إصدار قرار بقانون رقم (11) لسنة 2007م بشأن الأمن الوقائي مخالفا للمبادئ التي أقرها قانون الخدمة في قوى الأمن؛ بحيث نص على تولي رئيس جهاز الأمن الوقائي رئاسة الجهاز أربعة سنوات قابلة للتمديد سنة واحدة، فيما نص قانون الخدمة في قوى الأمن على أنّ رؤساء الأجهزة الأمنية الرئيسية "الأمن الداخلي، والمخابرات العامة، والقائد العام للأمن الوطني" على ثلاث سنوات قابلة للتمديد لسنة إضافية.
فيما تم تعديل قانون المخابرات العامة لسنة 2005 الذي نص على أنْ يكون مدة رئيس الجهاز (3 سنوات + سنة) في القرار بقانون رقم 4 لسنة 2023 لمدة غير محدودة بعد سنوات طويلة على انتهاء الولاية القانونية لرئيس الجهاز. وكذلك جاء تعديل قانون الخدمة في قوى الأمن في العام 2024 مخالفاً لإرادة المشرع الفلسطيني الأصلي التي كانت واردة في قانون الخدمة لقوى الأمن في العام 2005 حيث تم إلغاء الآجال الزمنية لإنهاء ولاية رؤساء الأجهزة الأمنية، وتمديد مدة خدمة من هم برتبة لواء فأعلى ويتولون رئاسة جهاز أمني لثلاثة سنوات إضافية فوق السن التقاعد الإلزامي الستين عاماً، وإضافة جهاز جديد إلى الأجهزة الرئيسية وهو يلعب دوراً محورياً في إنتاج قيادات الأجهزة الأمنية.
التوصية: (1) ضرورة إعادة النظر في التشريعات الأمنية بما ينسجم مع قانون الخدمة في قوى الأمن للعام 2005 وتصويب جميع الأوضاع التي نشأت نتيجة التعديلات اللاحقة. (2) استكمال بناء المنظومة القانونية لكافة الأجهزة والهيئات الأمنية والعسكرية، بما في ذلك إصدار قوانين تنظم عمل كل جهاز واللوائح التنظيمية المنصوص عليها في القوانين وأدلة العمل ذات العلاقة بعمل الأجهزة الأمنية. (3) تحديد مدة جميع رؤساء الأجهزة الأمنية والهيئات بثلاث سنوات وجواز التمديد لسنة واحدة فقط؛ وإنْ كانوا تحيت السن القانون الإلزامي للتقاعد السين عاماً وفقاً لقانون التقاعد العام.
(3) الإصلاح المؤسسي
يتضمن هذا الجانب خمس مسائل رئيسية؛ الأولى: تنظر في مجمل المؤسسات المُشكلة لقطاع الأمن بحيث ينبغي النظر إلى مسألة إعادة دمج عدد من الأجهزة الأمنية بما يحقق الانسجام في العمل ومنع تضارب الصلاحية. وفي هذا الصدد تم في العام 2005 إصدار قانون الخدمة في قوى الأمن متوافق مع رؤية الرئيس محمود عباس في بداية عهده وهي: الأمن الوطني وقوى الأمن الداخلي بالإضافة إلى المخابرات العامة. لكن القرار بقانون المعدل لقانون الخدمة لقوى الأمن لسنة 2024 أضاف جهازاً جديداً يتمثل بالحرس الرئاسي من جهة، وعدل في طبيعة المرجعية لبعض الأجهزة الأمنية من جهة ثانية.
والثانية: النظر في الهيكليات التنظيمية للأجهزة والمؤسسات والهيئات العسكرية والأمنية؛ على مدار السنوات الماضية تم تحقيق تطور كبير في مسألة إقرار الهيكليات في الأجهزة الأمنية وضبطها ووضع الوصف الوظيفي بما ينسجم مع الوظائف المناطة بكل جهاز وهيئة أمنية وعسكرية. لكن على ما يبدو أن تراكم الرتب العسكرية السامية تآكلت هذه الهيكليات وباتت ضرورة إعادة النظر في استدامة العمل والتراتبية وفقا للقواعد العامة للتراتبية في الأجهزة العسكرية.
والثالثة: تتعلق بالرتب القيادية والإشرافية السامية لمنع استمرارية وجود الهرم المقلوب في المؤسسة الأمنية. بالرغم من عدم انتظام إصدار النشرة الخاصة بالترقيات لضباط وعناصر القوى الأمنية الفلسطينية، إلا أنّ مسألة تراكم الرتب العسكرية السامية بشكل واسع في الأجهزة الأمنية ساهم استمرار وجود الهرم المقلوب في المؤسسات الأمنية حيث أنّ عدد الضباط أعلى من عدد الأفراد وضباط الصف فيها. هذا الأمر ناجم عن مسألتين (1) استمرار المؤسسة الأمنية الاعتماد على خريجي الكليات العسكرية والشرطية سواء من جامعة الاستقلال أو الكليات بالخارج دون احتساب الأعداد اللازمة من جهة، والتعيين في فئة الضباط للأسرى والمعتقلين من جهة ثانية. (2) استمرار الترقيات بالاستحقاق الزمني دون إعمال نصوص القانون رقم 8 لسنة 2005 المتعلقة بالترقيات في الرتب السامية وفقاً لأحكام المواد 39 و40 و41 بالنسبة للمقدم والعقيد والعميد ونص المادة 42 من القانون الأصلي المتعلقة برتبة اللواء الأمر الذي خلق أعداداً كبيرةً في هذه الرتب.
والرابعة: استمرار تعيين رؤساء الأجهزة الأمنية والهيئات العسكرية من خارجها؛ تشير التعيينات لرؤساء الأجهزة الأمنية منذ العام 2007 إلى اليوم أنّ الرئيس عين أغلب رؤساء الأجهزة الأمنية سواء التابعة لوزير الداخلية أو التابعة للرئيس من خارج ذات الأجهزة الأمر الذي أصاب الضباط في الفئات العليا بالإحباط ما أدى إلى تراجع التنافسية بين الضباط أو السعي لتعظيم أعمالهم وانضباطهم؛ لغياب الأمل في الوصول إلى المرتبة الأسمى في ذات الجهاز. كما أنّه لم يتم وضع قواعد حوكمة واضحة لآلية تعيين رؤساء الأجهزة والهيئات الأمنية والعسكرية بما يعزز من نزاهة التعيينات في هذا المستوى من الرتب العالية في قطاع الأمن.
الخامسة: تتعلق بالتمديد لرؤساء الأجهزة الأمنية؛ امتدت رئاسة بعض رؤساء الأجهزة الأمنية إلى حوالي 18 عشر عاماً في السنوات الأخيرة وآخر حوالي 16 عاماً، وبعضهم لثمانية سنوات الأمر الذي حال دون انتقال أو تولي عدد من الضباط في تلك الأجهزة الإدارة العليا. كما أن القرار بقانون رقم 7 لسنة 2024 بشأن تعديل قانون الخدمة في قوى الأمن رقم 8 لسنة 2005 يجيز بقرار من القائد الأعلى مد خدمة أيّ من الضباط من حملة رتبة اللواء فأعلى، بعد بلوغ سن الستين، لمدة لا تتجاوز ثلاث سنوات، شريطة أنْ يكونوا ممن يشغلون إحدى الوظائف الآتية: 1. القائد العام وقائد قوات الأمن الوطني وقائد جهاز الاستخبارات العسكرية. 2. قائد الحرس الرئاسي. 3. مدراء عامون قوى الأمن الداخلي.
كما أنّ التمديد أو إطالة الفترة الزمنية لرؤساء الأجهزة الأمنية يحول دون التجديد في الرؤى ومواكبة التطورات الفنية والتقنية ويشيع جوا من الإحباط لدى كبار الضبط مما يقلل من المبادرات. هذا الأمر سيؤدي إلى بقاء رؤساء الأجهزة الأمنية لسنوات طويلة خاصة أنّ بعض من تم تعيينه في الموجة الأخيرة من تعيينات رؤساء الأجهزة الأمنية في بداية سنوات الخمسين من عمره.
التوصيات: أولاً: دمج عدد من الأجهزة الأمنية بما يحقق الانسجام في العمل ومنع تضارب الصلاحية. 1. دمج جهاز المخابرات والأمن الوقائي في جهاز معلوماتي رشيق ومهني وفعّال، حيث يتم توزيع ضباط وأفراد جهاز الأمن الوقائي على جهاز المخابرات العامة وجهاز الشرطة الفلسطينية وفقاً للتخصص، ومجال العمل، والمهام الموكلة لهم في أجهزتهم الأصلية حسب قانون الخدمة في قوى الأمن. 2. ضم جميع الأجهزة العسكرية في جهاز الأمن الوطني بما في ذلك جهاز الاستخبارات العسكرية وجهاز الحرس الرئاسي والهيئات العسكرية الأخرى.
ثانيا: إعادة النظر في الهيكلية الخاصة بالأجهزة الأمنية وتثبيت الدرجة الوظيفية "الرتبة العسكرية" مع الوصف الوظيفي في كل جهاز وهيئة عسكرية بعد عملية الدمج بما ينظم عملية وجود الراتب السامية في الأجهزة الأمنية ويحدد عددها لكل جهاز وهيئة بحيث تصبح ثابتة لا تزداد.
ثالثاً: 1. إعادة النظر في آليات التعيين في المؤسسة الأمنية والعسكرية بتحديد الأعداد المرغوبة سنوياً من خريجي الكليات العسكرية والشرطية سواء جامعة الاستقلال أو الكليات بالخارج. 2. تغيير فئات الرتب عند البدء بالتعيين لخريجي الكليات بحيث تبدأ من رتبة مساعد بما يحقق القدرة على الاستفادة من الملتحقين بالأجهزة الأمنية في العمل الميداني مع تبني واعتماد نظاما ومستحقات مالية يمنحهم رواتب أو معاشاً موازياً لرتبة الملازم في النظام المالي القديم. 3. إعمال نصوص القانون المتعلقة بالترقيات في الرتب السامية وفقا لأحكام المواد 39 و40 و41 بالنسبة للعقيد والعميد ونص المادة 42 من القانون الأصلي 42 المتعلقة برتبة اللواء لمنع تفاقم أعداد الرتب العسكرية وبما ينسجم مع هيكلية كل جهاز وهيئة وحاجاتها. 4. ضرورة ربط ترقية الضباط من رتبة مقدم وحتى لواء بالاختيار بتوافر شروط "المؤهل والشاغر ". 5. اعتماد معايير المهنية والكفاءة في اختيار منتسبي الأجهزة الأمنية، وعدم تدخل منتسبيها أو مسؤوليها في السياسة.
رابعاً: 1. ضرورة إنشاء لجنة نزاهة التعيينات في قطاع الأمن مستقلة عن الجهاز التنفيذي ومن شخصيات وازنة برئاسة رئيس أو قاضي محكمة العليا وعدد آخر مشهود لهم بالنزاهة والمهنية يتم تعيينهم لفترة زمنية محددة للنظر في الترشيحات لنيل المناصب لرؤساء أو مدراء عامين في الأجهزة الأمنية والعسكرية 2. وجوب "مراعاة" تعيين رؤساء الأجهزة والهيئات الأمنية والعسكرية من منتسبي الجهاز والهيئة لتعزيز التنافسية بين الضباط في ذات الجهاز، وبذل الجهود من قبل الضباط من أجل نيل الاختيار على رأس الجهاز أو الهيئة.
خامساً: ضرورة الالتزام بالمدد المحددة في قانون الخدمة المدنية لقوى الأمن والقوانين الخاصة للأجهزة الأمنية وأحكام المادة 42 من القانون رقم 8 لسنة 2005 بشأن الخدمة في قوى الأمن، وإلغاء التعديل الذي جرى بموجب القرار بقانون رقم 7 لسنة 2024 بشأن تعديل قانون الخدمة في قوى الأمن.
(4) المرجعية السياسية "المرجعية المدنية لقطاع الأمن"
تعني المرجعية السياسية أن تكون الحكومة مسؤولة عن السياسة الأمنية ومرجعيتها وفقا للفلسفة القائمة على أنْ الجهات السياسية هي بالأساس ممثلة للشعب باعتبارها منتخبة مباشرة أو مصادق عليها من قبل الجهة المنتخبة التي تمثل إرادة المواطنين أو مفوضة نيابة عنهم، وأنْ تكون المؤسسة الأمنية خاضعة لإمرة السلطة السياسية بغض النظر عن اللون السياسي للحكومة، وتقوم بتنفيذ تعليماتها (لا تتدخل الأجهزة الأمنية في القرار السياسي، ولا يتولى رؤساء الأجهزة الأمنية مهام سياسية أو حزبية)، ويكون ولاء المؤسسة الأمنية ومنتسبيها للدستور، وتحافظ على النظام الديموقراطي، وتخدم مصلحة المواطنين.
هذا الأمر يعني أنْ وزير الداخلية ووزير الأمن الوطني هو أو هما المسؤولان عن أعمال المؤسسة الأمنية وفقاً لإرادة المشرع الفلسطيني في قانون الخدمة لقوى الأمن. فيما مفهوم القائد الأعلى لقوى الأمن الفلسطيني كما جاء في أحكام المادة 39 من القانون الأساسي المعدل للسلطة الفلسطينية يعني سياقين؛ الأول: أنّه رئيس الدولة بغض النظر إنْ كانت له تجربة عسكرية أم لا، والثاني: أنّه صاحب الاختصاص في إعلان الحرب والسلم كما هو في السياق العالمي الذي أخذت منه هذه الصفة، حيث تشير إلى أنّ الجيش يتبع وزير الدفاع المسؤول أمام البرلمان أو يحصل على ثقة البرلمان، وكذلك تلك الأجهزة الأمنية المدنية مثل الشرطة والدفاع المدني، فيما المخابرات العامة تتبع إما للرئيس أو رئيس الحكومة الذي يكون على رأس السلطة التنفيذية المسؤول عن إعلان حالة الحرب والسلم وفقاً لطبيعة النظام السياسي. لكن التعديل الذي جرى بموجب القرار بقانون رقم 7 لسنة 2024 بشأن تعديل قانون الخدمة في قوى الأمن منح القائد الأعلى صلاحيات تنفيذية هي من اختصاص الوزير/ الوزراء المسؤولين أمام البرلمان، وهي تخالف أيضا مفهوم النص الوارد في المادة 39 من القانون الأساسي المعدل لعام 2003.
التوصيات: 1. ضرورة إلغاء النصوص المتعلقة بالمرجعية للقائد الأعلى المنصوص عليها في القرار بقانون رقم 7 لسنة 2024 بشأن تعديل قانون الخدمة في قوى الأمن رقم 8 لسنة 2005.
2. إعادة مرجعية كافة المؤسسات الأمنية والهيئات العسكرية باستثناء جهاز المخابرات العامة للحكومة الفلسطينية عبر وزير / وزيري الداخلية والأمن الوطني.
(5) الرقابة البرلمانية والإدارية
تواجه فلسطين إشكالية عدم وجود المجلس التشريعي "البرلمان" الذي يفترض أنْ يراقب عمل الحكومة ومؤسسات الدولة. فيما امتناع المجلس المركزي عن القيام بواجباته وفقاً لقراره في دورته الحادية والثلاثين المنعقدة في بتاريخ 6-8 شباط/ فبراير 2022 بـ" بضرورة ممارسة المجلس المركزي صلاحياته الدستورية وولايته الرقابية على الجهات التنفيذية في المنظمة وأجهزتها ومؤسساتها، وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية وعمل الاتحادات والنقابات والجمعيات وفق القوانين التي تنظم عملها.
في المقابل قطع ديوان الرقابة المالية والإدارية شوطاً مهماً في تطبيق أحكام المادة 31 من قانون ديوان الرقابة المالية والإدارية وتعديلاته التي تنص على خضوع الأجهزة الأمنية كافة لرقابة ديوان الرقابة المالية والإدارية. أما فيما يتعلق ببعض القضايا الاستثنائية المتسقة مع طبيعة المهام الخاصة للجهاز الأمني، فعلى الرغم من أنّها لا تخضع لرقابة الأجهزة المشار إليها في هذا البند، فإنّها تخضع لنوع خاص من الرقابة يحدد القانون طبيعته والآليات الخاصة بها.
التوصية: 1. ضرورة إجراء الانتخابات العامة وبشكل خاص الانتخابات التشريعية أو تفعيل المجلس المركزي للرقابة على الحكومة بما فيها المؤسسات الأمنية بما يعزز من الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة وقطاع الأمن. 2. تطوير دور ديوان الرقابة المالية والإدارية في الرقابة على قطاع الأمن.
(6) تعزيز ثقافة حماية الديمقراطية لدى عناصر المؤسسة الأمنية
تشير المادة 89 من قانون الخدمة في قوى الأمن الفلسطيني إلى مفهوم المصلحة العامة "الوظيفة العامة في أية قوة من قوى الأمن تكليف للقائمين بها، هدفها خدمة الوطن والمواطنين تحقيقاً للمصلحة العامة وفقاً للقوانين واللوائح والقرارات والتعليمات، وعلى الضابط مراعاة أحكام هذا القانون واللوائح والقرارات والتعليمات الصادرة بمقتضاه"، كما نصت ذات المادة على الضابط أنْ ينفذ ما يصدر إليه من أوامر بدقة وأمانة وذلك في حدود القوانين واللوائح والتعليمات المعمول بها، ويتحمل كل ضابط مسئولية الأوامر التي تصدر منه، وهو المسئول عن حسن سير العمل في حدود اختصاصه". كما أنّ حماية الديمقراطية تعني أنّ سياسة التعبئة والتوجيه المعنوي داخل الأجهزة الأمنية تتبنى مفهوم التزام سيادة القانون وحقوق الإنسان الفلسطيني وكرامته، ومنع مظاهر التحزب أو التسييس لأفراد الأمن إعمالاً لأحكام المادتين 90، و169 من قانون الخدمة لقوى الأمن وحظر الاشتغال بالسياسة أو إبداء الآراء السياسية أو الانتماء إلى الأحزاب أو الجمعيات ذات الأهداف السياسية.
بالرغم من بذل جهد كبير من قبل وزارة الداخلية والأجهزة والهيئات الأمنية والعسكرية في التدريب على قواعد مدونة السلوك للأجهزة الأمنية والعسكرية وقضايا النزاهة. لكن من غير الواضح أنّ جهداً بذل في تعزيز ثقافة المصلحة العامة القاضية بحماية الديمقراطية خاصة أنّ الكثير من الخطابات والفيديوهات التي نشرت في الآونة الأخيرة تشير إلى ضعف هذه الثقافة لدى عدد من الضباط والعناصر في الأجهزة الأمنية.
التوصية: 1. ضرورة إعادة النظر في آليات التدريب والتثقيف داخل مؤسسات قطاع الأمن بما يعزز من ثقافة حماية الديمقراطية لدى عناصر المؤسسة الأمنية بما في ذلك احترام قواعد القانون العام وحماية الحريات العامة، بما في ذلك تعديل القوانين المتعلقة بعمل الأجهزة والهيئات الأمنية والعسكرية. 2. منع اشتراك ضباط وأفراد الأجهزة الأمنية في العمل الحزبي ومنع اشتراك رؤساء الأجهزة الأمنية في المؤسسات السياسية الحزبية والرسمية.

اليمن والكويت بين الكلمة الصادقة والفعل الثوري.. ولا عزاء للمتخاذلين

ابـتـسـامـة الأسـتـاذ

عن دروز سورية: عودة إلى ما قاله فرو في كتابه...

غزة: كارثة إنسانية بين المجاعة والإبادة

بين الحضارة والهمجية...

المطلوب لتحصين السلطة الفلسطينية

إغلاق الجزيرة: بين القرار السياسي وغياب العدسة… هل تخسر فلسطين نوافذها الإعلامية؟
