سوء استخدام مصطلح "إرهاب" في أوقات النزاع المسلح
مقالات

سوء استخدام مصطلح "إرهاب" في أوقات النزاع المسلح

صدى نيوز - منذ السابع من أكتوبر هذا العام والخطوط العريضة والانباء حول العالم تكاد تحرص على استخدام مصطلح الإرهاب ضد حركة حماس الفلسطينية في غزة آو ضد كيان إسرائيل حسب ما يعكسه موقف الدول في المجتمع الدولي.  ولكن قبل الخوض في تفاصيل هذا المقال التحليلي يجب التعرف أولا على معنى كلمة الإرهاب في سياق النزاع المسلح.

 لقد عرّف القاضي العدلي والرئيس الأول للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بجمهورية يوغوسلافيا السابقة انتونيو كايسيس والذي يعرف دوليا كخبير قضائي في القانون الجنائي الدولي، بآنه "في أوقات النزاع المسلح، يتم تجريم الارهاب اذا كان الفعل العدائي يتضمن ١) اعتداء ضد المدنيين او أي شخص ليس مشترك او فاعل في العمل المسلح، ٢) ان يكون الهدف الرئيسي من هذا العمل هو خلق حاله من الهلع لدى المدنيين."  لنرى الان هذا التعريف في سياق الحرب على غزة.  في هذا الإطار تحديدا تم اساءة استخدام مصطلح الإرهاب بصورة مكثفة من اجل توسيع ارض النزاع المسلح ليشمل منطقة الشرق الأوسط ككل فتصبح حرب إقليمية دولية بدلا من كونها حرب غير دولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.  

 
لنتمعن أولا في الأطر الدولية لحل النزاعات حيث يكاد يجمع الخبراء والباحثين الدوليين والأكاديميين على ان حل الصراعات يتكون من مراحل واضحة يتم فيها المفاوضات والمباحثات السلمية لكن هناك مرحلة مهمة تؤدي الى نهاية مميته للحلول السلمية وهي اذا قام احد اطراف النزاع بتجريد الطرف الخصم من انسانيته (أي تحقيره واعتباره غير انسان) وبالتالي يؤدي هذا الامر الى تصعيد النزاع المسلح وإعلان حرب.

 والاهم من ذلك فآن منهج اسلوب التجريد من الإنسانية للطرف الخصم يترجم على انه نهاية الصراع ستكون وفقا لمعادلة خاسر كليا- ورابح كليا.  فعندما ادعت إسرائيل "حقها في الدفاع عن النفس" مع كونها في الطرف المعتدي من البداية وعلى مدى عقود من الزمن، قامت خلال هذه الاحداث المتسارعة بتجريد الشعب الفلسطيني من انسانيته من خلال استخدام تعبير "حيوانات" ووصم حركة المقاومة حماس بالإرهاب ومقارنتهم بتنظيم داعش في العرق وسوريا.  ومن خلال دراسات مستفيضة عن تنظيم داعش فان هذا النوع من المقارنة ليس له أساس ولا يستند الى أي حقيقة وفق القوانين الدولية.  فحركة حماس وتنظيم داعش لهما ايديولوجيات، واجندات واهداف مختلفة تماما عن بعض. وتوضيح ذلك بشكل مبسط، فآن تنظيم داعش تأسس على نظرية وهمية في كتب دينية حسب فهم متطرف وهي انشاء دولة إسلامية في العراق وسوريا، وانه يجب عليهم ضم وحشد المسلمين من حول العالم للحاق بهم للعيش تحت راية الدولة الإسلامية، وعليهم أيضا حمل السلاح واستخدام الترهيب والهلع بين المدنيين في قراهم ومدنهم لإخضاعهم او تهجيرهم قسريا من خلال القوة المسلحة والقصف بالأسلحة الثقيلة والخفيفة مما أدى الى قتل المدنيين دون تمييز بضمنهم النساء والأطفال. كذلك كان من أساليب تنظيم داعش تجريد المكونات الأقلية من انسانيتهم كما في حالة المكون الايزيدي واستباحتهم واغتصاب نسائهم وبناتهم وبيعهم كعبيد.  ليس هذا فقط بل كان لدى تنظيم داعش الإرهابي طموح إقليمي في الأراضي المجاورة قدر استطاعتهم ليسيطروا ويحكموا في الأرض. و مما سوغ لهم ذلك هو اعتبار كل من لا يمتثل لعقيدتهم من السكان الأصليين في العراق وسوريا فهو "كافر" و عدو للدولة الإسلامية ويجب القضاء عليهم دفاعا عن النفس والدولة الإسلامية من هؤلاء الأعداء مهما كان الثمن.  ولذلك فان المجتمع الدولي افاق على حالة من الصدمة لما راه من تلك الممارسات وهذه الظاهرة التي تنتهك بكل تفاصيلها وجوهرها القوانين الدولية لحقوق الانسان، والقانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي الذي يتوافق بتعريفه للارهاب في أوقات النزاع المسلح على ما ارتكبه تنظيم داعش من جرائم. وعليه فان الحرب على داعش كانت بالفعل حربا على الإرهاب.  ومما يؤكد ذلك هو ان جهود التحقيقات الدولية التي تبنتها بعثة الأمم المتحدة (يونيتاد) بالتنسيق مع الحكومة العراقية اثمرت عن جمع ادلة قاطعة لما ارتكبه تنظيم داعش من جرائم حرب و إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وفقا للقانون الدولي والقانون الجنائي الدولي و قوانين حقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني اثناء النزاع المسلح.  


فآذا كان لابد من القارنة بين الحرب على داعش وبين الحرب على فلسطين من قبل إسرائيل وفقا لتصريحات الكيان فان المقارنة واردة ولكن بشكل معاكس.  فالشعب الفلسطيني عاش على ارضه منذ قرون طويلة وبكل مكوناته من المسلمين والمسيحيين واليهود والأقليات الأخرى وقد واجهوا معا تحديات أيام العهد العثماني في التاريخ الحديث وفي اعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية خلال فترة الاستعمار البريطاني الى ان قررت الولايات المتحدة وبريطانيا ان يلعبوا لعبة الشطرنج في الشرق الأوسط لبدء حرب النفط الامنتهيه، ناهيك عن الأهمية السياسية والجغرافيه للمنطقة في الحرب الباردة وما تلاها.  لذلك فان زرع إسرائيل في المنطقة كان ضرورة لدول الغرب وأميركا ولانقاذ يهود اوربا من طائلة المانيا مما ارتكبوه من إبادة جماعية.  وللقيام بدولة جديدة لإسرائيل فقد بدآت عمليات التطهير العرقي والابادة الجماعية ضد الفلسطينيين أيام النكبة عام ١٩٤٨ ناهيك عن حملات الاعتقال العشوائي والتغييب القسري والتهجير القسري للمدنيين والمجازر التي تبعتها حتى في مخيمات اللاجئين في الدول العربية المجاورة.  وفي مثل هذه الظروف فقد وضع المجتمع الدولي سقف توقعات للشعب الفلسطيني بعدم استخدام حق الدفاع عن انفسهم وارضهم ووجودهم ضد القوى الاستعمارية المحتله.  واذا سولت لهم انفسهم باستخدام حق الدفاع فان المجتمع الدولي والغرب يدينهم ويصنفهم بالإرهاب ويجردهم من انسانيتهم وينعتهم بالهمجيه والوحشية.  


ان حق الدفاع عن النفس وفق القانون الدولثي وكل المعايير الدولية اصبح حق لطرف واحد من الصراع يمكن استخدامه من قبل دول الغرب وليس لبقية دول العالم.  كذلك الاعلام والصحافة وحرية التعبير أصبحت أدوات حرب يستخدمها طرف واحد من الصراع لتمرير قصة نمطية واحدة يتم سردها مرارا وتكرارا الى ان تتحول الى حقيقة راسخة في ذهن الشعوب وليس كأداة لتقصي الحقائق وتحقيق العدالة واحترام المبادئ والمعايير المهنية للصحافة واحترام الشعوب وحقهم المشروع لمعرفة الحقيقة.  بل هناك الأسوأ من ذلك، فقد كان عدد كبير من الشخصيات الإعلامية التي تهتم بزيادة عدد مشاهديها اكثر من الاهتمام بصدق محتواها الإعلامي والاخباري في ضوء تسارع احداث الحرب في غزة، حيث اتسم نشر الخبر والتعليق عليه بانفعالات شخصية انحيازية لطرف واحد من الصراع وبمنهجية الكره والعدائية لشعب فلسطين والعرب بصورة عامة من خلال ادانة الاف المتظاهرين المحتجين على سياسة العقاب الجماعي والابادة الجماعية للناس في غزة وقتل النساء والأطفال والقصف الوحشي بالطائرات على المواقع المدنية من قبل حكومة إسرائيل، ووصف هؤلاء المحتجين باعداء اميركا  واعداء اليهودية ولذلك كانت هناك دعوات صريحة للقضاء على الفلسطينيين بشكل كامل.  ان مثل هذه السردية الإعلامية المقيتة تسللت الى ضعاف النفوس ليؤدي أحدهم جريمة بشعة قتل فيها طفل اميريكي من أصل فلسطيني في الولايات المتحدة على أساس الكره للعرب ولفلسطين.  ان الاعلام الغربي والأميركي لا يفرق بين او لا يريد ان يميز بين ادانة جرائم حرب وابادة جماعية يرتكبها الكيان الإسرائيلي ضد المدنيين في غزة وبين التعايش السلمي مع اليهود في أي مكان في العالم وفي فلسطين.   نفسها.  لذلك فان وسم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب فقط لاختيارهم حق الدفاع ان ارضهم ومنازلهم وأنفسهم ضد سياسات القمع والقتل والتهجير من قبل كيان لا يلتزم بالقوانين الدولية والمعاهدات والاتفاقيات التي هي وقع عليها مسبقا كدولة معترف بها في الأمم المتحدة بل ينتهكها قولا وفعلا، هو امر جلل ولن يؤدي الى إمكانية مفاوضات سلمية بل يثبت ان النية مبيته للتصعيد واتساع الحرب في المنطقة.  على الشعوب التي تؤمن بالديمقراطية والمدنية والتحضر ان تتوخى شديد الحذر لان هكذا سياسة بمعايير مزدوجة ستكون هي الأداة لأسقاط الحرية والسلام في العالم وانهيار المجتمع الدولي بقوانينه اجمع.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.