عرين الأسود وكتيبة جنين.. هل تسحب الخلايا المسلحة البساط من تحت الفصائل؟
رئيس التحرير

عرين الأسود وكتيبة جنين.. هل تسحب الخلايا المسلحة البساط من تحت الفصائل؟

كتب رئيس التحرير: تمر الأراضي الفلسطينية، وبالتحديد شمال الضفة الغربية في مخاض من نوع غريب، قد لا تكون فلسطين شهدته على الأقل خلال العقدين الماضيين.

في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على المحافظات الفلسطينية، بدأت تنمو ظاهرة الخلايا المسلحة، التي حملت أسماء عدة مثل عرين الأسود وكتيبة جنين، تقوم باشتباكات مع الاحتلال وتنفيذ عمليات ضده، فيما شهدت هذه الحالة التفافاً شعبياً كبيراً حولها، بل تحولت شخصيات قادت أو تقود تلك الخلايا إلى أبطال وطنيين، ونماذج يُحاول شبان فلسطينيون تقليدها، وهو ما يقلق تل أبيب بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

هذه الظاهرة الجديدة من الشبان الذين لا ينتمون إلى فصيل سياسي بعينه غيرت المشهد الفلسطيني، وشكل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، فالمواجهة اليوم بين شبان لا يصطفون تحت راية فصيل بعينه، وليست لهم قيادة عسكرية أو سياسية عليا، وهو ما يعني صعوبة تفكيك تلك الخلايا التي إن خسرت أحد عناصرها وجدت آخرين متلهفين للانخراط فيها.

تتوسع تلك الخلايا وتنمو في شمال الضفة الغربية، وبات بينها تعاون وتمازج مثل عرين الأسود وكتيبة جنين، وهو ما دفع تل أبيب للتلويح بعملية مشابهة للسور الواقي إبان الانتفاضة الثانية، لكن محللين إسرائيليين كثر يرون أن لا فائدة تُرجى من هكذا عمليات، فتلك الخلايا لا قواعد لها ولا رأس، بالتالي فإن أي عملية هي نزول في مستنقع، إضافة إلى احتمالية أن تقود عملية عسكرية إسرائيلية لاجتثاث الخلايا المسلحة لانخراط شبان إضافيين فيها.

وسط هذا المشهد الفلسطيني الجديد، تقف الفصائل التقليدية صامتة متفرجة على ما يجري، فالشارع الفلسطيني الذي فقد ثقته فيها ها هو يجد البديل ولو كان مؤقتاً، والقيادات الوطنية التقليدية التي كانت نماذج وعناوين للشارع ها هي تُطمس رويداً رويدا لصالح شبان في مقتبل العمر، تركوا الدنيا وراحتهم، وحملوا السلاح لمواجهة الاحتلال الذي دمر مستقبلهم وأحلامهم وحبسهم في مخيمات أو مدن دون أفق أو أمل.

كذلك تفعل الأجهزة الأمنية التي تقف عاجزة عن فعل شيء في ظل الاقتحامات الإسرائيلية المتتالية للمدن والمخيمات الفلسطينية، والتي نأت بنفسها أن تكون "أداة تنظيف" بيد تل أبيب، حيث يريد الاحتلال أن يقتل المقاومين ليلاً، وأن يعتقل الأمن الفلسطيني المسلحين نهاراً، وهو ما أعلنت قيادة السلطة بشكل رسمي رفضها له.

 فتح التي تقود السلطة موقفها الرسمي يتبع لموقف القيادة وتقف عاجزة عن فعل شيء، مع أن جزءاً كبيراً من المنضمين تحت راية الخلايا المسلحة هم عناصر ينتمون لها بالأصل، ووجدوا في تلك الخلايا متنفساً وتفريغاً للكبت الذي يعيشونه وللحالة الثورية التي يحملونها.

الجهاد الاسلامي تشارك بشكل رسمي في تلك المواجهة ومن خلالها هناك تمويل وتسليح لا يستثني أحداً بشرط استخدامه ضد الاحتلال، فيما تشير التقديرات إلى أن التمويل الذي تحصل عليه سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد مصدره إيران وحزب الله.

حماس تلتزم باتفاقيات نتيجتها عدم مشاركتها عمليات ضد الاحتلال في الضفة وغزة، بل إنها تبحث عن دور سياسي تحافظ من خلاله على تقدير أمريكا وأوروبا والإقليم، وهو ما ظهر جلياً بالتزامها بعدم المشاركة في صد العدوان الأخير على غزة، والتي تم حصره بمواجهة الجهاد الاسلامي، واستمر الوضع بالتزام حماس بالابتعاد عن الدخول في أي مواجهة سواء في غزة أو حتى بما يحدث في الضفة الغربية، إلا أن عناصر حمساوية تشارك بشكل فردي في الخلايا المسلحة.

وسط هذا الحال، هناك متغير جديد يُطبخ في الجزائر الشقيقة لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وهو ما تشير إلى فشله وقائع وأحداث كثيرة يشهدها الشارع الفلسطيني والمستوى السياسي، إلا أن "خجل" الفصائل من مكانة الجزائر ودعمها لفلسطين دفعتهم لقبول المقترح، والعمل به، لكن ماذا ستكون النتائج؟ ولا يغيب عن ذهن أي محلل أو مراقب لما يجري في الجزائر حال حركة فتح المفكك، حيث تشهد الحركة خلافات داخلية جوهرية وصلت إلى الحلقة الأولى لأطرها القيادية، كذلك تشهد تفسخاً مستمرا وانعداما لوحدة التنظيم.

ربما تكون الجزائر قارب نجاة للفصائل الفلسطينية والسلطة في خضم التحديات التي تعصف بالشارع الفلسطيني، فاستعادة الوحدة الوطنية والاتفاق على برنامج سياسي ونضالي موحد يحظى بإجماع شعبي هو منجاة تلك الفصائل من ابتعاد الشارع عنها، كذلك مكافحة السلطة للفساد وإعادة الحياة الديمقراطية واجراء الانتخابات التشريعية، وتحسين الوضع الاقتصادي هي أمور مسلّم بها لعودة الالتفاف الشعبي حول الفصائل، وهي أمور تسبب غيابها في ظهور الخلايا المسلحة التي لم تتشكل لولا فقدان الأمل.