هل يحمل أيلول القادم بدايات التغيير والنهوض، أم ستتواصل الكارثة؟‎‎
مقالات

هل يحمل أيلول القادم بدايات التغيير والنهوض، أم ستتواصل الكارثة؟‎‎

طالما حمل شهر أيلول للفلسطينيين أحداثًا معظمها حزينة، فيكفي أنه شهد أيلول الأسود في العام 1970، ومجزرة صبرا وشاتيلا في العام 1982، وتوقيع اتفاق أوسلو المشؤوم في العام 1993.

ومن المتوقع أن يشهد أيلول القادم تطورات كبرى ستؤثر فيما يجري في المنطقة ومستقبلها، أهمها أن مصير الاتفاق النووي الإيراني سيتحدد، وهل سيتم التوقيع عليه أم لا؟ وكذلك المباحثات اللبنانية الإسرائيلية حول ترسيم الحدود البحرية، وهل ستصل إلى نهاية سعيدة أم حزينة؟ كما سيلقي الرئيس محمود عباس في شهر أيلول القادم خطابه السنوي في الأمم المتحدة، وهل سينفذ تهديده أم لا؟

الاتفاقُ النوويُ محتملٌ، ولكنه لن ينهي الصراع ولا التنافس

إذا تم التوقيع على الاتفاق النووي كما هو متوقع؛ حيث ارتفع احتمال التوقيع عليه بعد الجولة الأخيرة من المفاوضات، وإن لم يصل إلى درجة مضمونة تمامًا، فهذا يعني أن منسوب التوتر العالي في المنطقة سينخفض، واحتمال الحرب سيتراجع، فالاتفاق النووي لن يضمن إنهاء الصراع بين المحاور الإقليمية الأساسية، كونه لم يشمل البرنامج الصاروخي الإيراني، ولا تزايد الدور الإقليمي لطهران، بسبب رفض إيران ذلك. كما لن يوقف التنافس فيما بينها، وإنما سيقلل من احتمالات الحرب العسكرية، وإذا اندلعت لن تتحول إلى حرب كبرى، وهذا الاتفاق، إن وقّع، سيؤثر في العالم كله، بما في ذلك على الحرب الأوكرانية وتداعياتها، فتوقيعه سيفتح الطريق لعودة النفط الإيراني بأكثر من مليوني برميل يوميًا؛ ما سيخفف من حدة أزمة الطاقة والغذاء التي تجتاح العالم، وسيقدم ما قد يعدّ إلى طوق نجاة لأوروبا المُقْدمة على شتاء صعب جدًا.

لقد ازداد احتمال التوصل إلى اتفاق؛ لأن التحفظات المتبقية قابلة للحل، وهي مطلبان لإيران: الأول، ألّا تقوم وكالة الطاقة الذرية بمواصلة التحقيقات حول أنشطة نووية إيرانية قديمة؛ كون هذا الملف أغلق سابقًا بتوقيع الاتفاق في المرة الأولى العام 2015. والثاني، تقديم ضمانات لإيران في حال خروج الرئيس الأميركي القادم من الاتفاق، كما فعل دونالد ترامب سابقًا، وهذان المطلبان وجدتهما أوروبا معقولَيْن، بينما رفضتهما الإدارة الأميركية.

وتبقى العقبة الكبيرة المتمثلة بالموقف الإسرائيلي المعارض لتوقيع الاتفاق، ولكن جزءًا من هذه المعارضة مصطنع ومبالغ فيه؛ لأن النخبة الحاكمة في إسرائيل تدرك أنّ خيار الحرب الإسرائيلية على إيران منعدمٌ من دون مشاركة أميركية، إلّا إذا كانت حربًا محدودة جدًا.

كما أن المعارضة الإسرائيلية تستهدف تحسين شروط المفاوض الأميركي، والاحتفاظ بهامش الحركة والمناورة ضد الاتفاق، خصوصًا مع الأطراف العربية المعارضة للاتفاق، وإنْ تراجعت معارضتها عما كانت عليه في السابق؛ لأن الدول العربية أدركت خطأ الرهان على واشنطن وتل أبيب أكثر من اللزوم، وبدأت البحث عن رهانات أخرى مع روسيا والصين وغيرهما لا تلغي العلاقات مع واشنطن، ولكنها تحدث نوعًا من التوازن.

كما تستهدف المعارضة الإسرائيلية الحصول على أصوات انتخابية في الانتخابات القريبة، لحزبي رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد، ووزير الحرب بيني غانتس، وأكبر مؤشر على أن المعارضة مبالغ فيها، أنها ظهرت فجأة بحدة في الأيام الأخيرة، التي سبقتها أحاديث إسرائيلية عديدة عن أن إلغاء الاتفاق على يد دونالد ترامب بدفع من بنيامين نتنياهو كان خطأ، وأدى إلى تسريع التقدم الإيراني نحو إنتاج القنبلة النووية لا العكس، لدرجة سمعنا أصواتًا إسرائيلية ذات شأن، حتى من أوساط الجيش والأمن، ترى أن توقيع اتفاق سيئ أقل سوءًا من عدم توقيع أي اتفاق.

وإذا تم توقيع الاتفاق سيحدث هذا انفراجًا سينعكس على المنطقة والعالم من دون وقف الصراع والتنافس؛ حيث ستتم تهدئة النقاط المشتعلة، والسيطرة على لهيبها، ومنعها من التحول إلى حروب كبيرة، خصوصًا في لبنان وفلسطين واليمن، فلا ينقص العالم حربًا إيرانية إسرائيلية جديدة ستترتب عليها أثمان كبيرة جدًا، وممكن أن تتحول إلى حرب عالمية في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا.

ويأتي ذلك مع توتر العلاقات الأميركية الصينية ما بعد زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، إلى تايوان، التي أدت إلى ردة فعل صينية كبيرة، مع أنها لم تدفع الأمور نحو الحرب، ولكنها جعلت المنطقة والعلاقات الأميركية الصينية أقرب إلى الحرب مما كانت عليها قبل الزيارة.

حربٌ لبنانيةٌ إسرائيليةٌ أم اتفاقٌ متوازنٌ أم البقاء على حافة الحرب؟

ستتضح في الشهر القادم، وتحديدًا في نهايته، مسألة الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية، فإذا فشلت المباحثات في التوصل إلى اتفاق، ونفذت إسرائيل مخططاتها باستخراج الغاز من حقل كاريش المختلف عليه، فستكون المنطقة أمام احتمال كبير بتنفيذ تهديد حسن نصر الله، زعيم حزب الله، بمنع إسرائيل من استخراج الغاز من دون اتفاق يحفظ حصة لبنان.

ومن الملاحظ أن هناك تهديداتٍ متبادلةً بين الطرفين، والأهم أن الاستعدادات العسكرية للحرب جارية على قدم وساق، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق وقامت إسرائيل باستخراج الغاز، ويمكن أن يهدف كل ذلك إلى تحسين شروط كل طرف في الاتفاق.

على الرغم من ذلك، فإنّ من المحتمل التوصل إلى اتفاق متوازن، وهذا الاحتمال يزيد، خصوصًا إذا تم توقيع الاتفاق النووي الإيراني. وفي حال عدم توقيع الاتفاق النووي سيزداد التوتر على خلفية الخلاف حول الحدود المائية، وحتى لو لم يتم الاتفاق، فإنّ هناك احتمالًا بألا تنفذ إسرائيل ما عزمت على تنفيذه لإعطاء فرصة جديدة للمفاوضات، وإذا قامت باستخراج الغاز فلا مفر أمام حزب الله سوى تنفيذ تهديده ومحاولة منع ذلك بالقوة؛ لأنه إذا لم يفعل ذلك سيفقد مصداقيته.

وإذا اندلعت الحرب، فليس الاحتمال الوحيد أو الأكبر أن تكون حربًا كبيرة، بل يمكن أن تكون حربًا محدودة تستمر ليوم أو أيام عدة لا أكثر؛ لأن لا لبنان ولا إسرائيل ولا المنطقة ولا العالم يحتمل حربًا كبيرة قد تتحول إلى إقليمية، وربما عالمية، وهذا احتمال (الحرب المحدودة) سيقل بصورة أكبر إذا تم توقيع الاتفاق النووي الإيراني، هذا إذا لم يؤد إلى تراجع هذا الاحتمال بشكل كبير.

يبقى احتمال التوصل إلى اتفاق قائمًا؛ لأنه يصب في مصلحة الطرفين وأطراف دولية أهمها أوروبا، وإذا جاء فسيكون متوازنًا يحقق فيه كل طرف جزءًا من مطالبه.

هل سينفذ الرئيس تهديده هذه المرة؟

في شهر أيلول القادم ستنتهي المهلة التي حددها الرئيس محمود عباس في خطابه في أيلول الماضي؛ حيث أعطى العالم عامًا كاملًا إذا لم يتم فيه التوصل إلى اتفاق حول إقامة دولة فلسطينية، فسيقوم بتنفيذ قرارات الإجماع الوطني المتخذة في دورة المجلس المركزي في آذار 2015، حول إعادة النظر في العلاقات والاتفاقات والالتزامات السياسية والاقتصادية والأمنية مع إسرائيل، التي أعاد المجلسان المركزي والوطني التأكيد عليها مرات عدة، كما تم التأكيد على ضرورة تنفيذ مقررات اجتماع الأمناء العامين في العام 2020.

ومن غير المتوقع تنفيذ تهديد الرئيس للأسباب الآتية:

أولاً: لأن مثل هذا التهديد أُطْلق عددًا لا يحصى من المرات من دون تنفيذ، خشية من أن يقود إلى مجابهة مع دولة الاحتلال وحليفتها الكبرى الولايات المتحدة الأميركية، وهي مجابهة لا تريدها القيادة الفلسطينية الرسمية، ولا تقدر عليها بوضعها الراهن، ولا تريد أن توفر مستلزماتها (وأهمها الوحدة)، مع العلم أن تهديد الرئيس بدأ بعد وصول ما يسمى "عملية السلام" إلى طريق مسدود، وتحديدًا منذ العام 2010؛ إذ تحدث الرئيس في قمة سرت الليبية عن الخيارات السبعة التي ستنفذ تباعًا ولم تنفذ؛ بما في ذلك تسليم مفاتيح السلطة للاحتلال؛ لأنها سلطة بلا سلطة، ولم تعد إسرائيل ملتزمة باتفاق أوسلو والتزاماته، وتواصل تعميق الانقسام بين الضفة والقطاع.

واكتفى الرئيس بدلًا من تغيير المسار باللجوء إلى خطوات تكتيكية تهدف إلى العودة إلى مسار لم يعد قائمًا، مثل: التهديد بالوحدة الوطنية والمقاومة الشعبية، والانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من الوكالات الدولية، وتوقيع عدد من الاتفاقيات الدولية، وتقديم طلب للحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في مجلس الأمن في العام 2011، وأجهض كما كان متوقعًا بالفيتو الأميركي، لدرجة فسر الكثير هذا الطلب بالحرص على كسب المزيد من الوقت، وتجنب المواجهة، ولتبرير عدم تنفيذ التهديدات اللفظية، فقد نصح الخبراء المتميزون والسياسيون المخلصون، حينها، بالتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على العضوية المراقبة، كما حصل في العام 2012، وبعد ذلك يتم اللجوء إلى مجلس الأمن وخيارات أخرى عديدة.

ثانيًا: بعد أن أطلق الرئيس تهديده حصلت تدخلات أميركية وإسرائيلية أقنعت الرئيس بالإقلاع عن تهديده، وإعطاء إدارة جو بايدن فرصة لتنفيذ وعودها، لذلك لم نعد نسمع عن هذا التهديد، على الرغم من استمرار الدعم الأميركي للحكومات الإسرائيلية مع أنها اعتمدت سياسات وإجراءات أكثر تطرفًا، وعدم تنفيذ الوعود الأميركية بفتح القنصلية الأميركية في القدس، وفتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، واستئناف المساعدات الأميركية للسلطة.

لقد اتّضح أن إدارة بايدن لا تملك سوى السعي للحفاظ على الوضع الراهن من دون عملية سياسية ولا ضغط على إسرائيل، وهذا لم يؤد إلى الحفاظ عليه، وإنما إلى تدهوره باستمرار، كما يظهر في استمرار التوسع الاستعماري الاستيطاني، وتهويد القدس والأقصى، واستفحال التمييز العنصري ضد الفلسطينيين، وتصاعد العدوان متعدد الأشكال، لا سيما العسكري، في عموم الأرض الفلسطينية المحتلة، خصوصًا ضد غزة وجنين ونابلس، لدرجة ارتقاء حوالي 140 شهيدًا منذ بداية هذا العام، معظمهم في الضفة، ومعظمهم من الأطفال والنساء والرجال من غير المقاومين، الذين قتلوا كلهم بدم بارد، مثلما حصل مع أيقونة الصحافة شيرين أبو عاقلة، من دون معاقبة المجرمين الذين يرتكبون جرائمهم أمام العالم كله، ومن دون أن يخشون العقاب.

ويلاحظ أن الرئيس استبدل تهديده بتغيير المسار بالحديث عن الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين، وعن عقد مؤتمر دولي لمنع تقويض حل الدولتين، من دون الإشارة إلى تهديده السابق، مع أن الحديث عن هذا وذاك في هذ الوقت أضغاث أحلام.

ثالثًا: ما يعزز من احتمال استمرار إستراتيجية البقاء والانتظار استمرار إغلاق ملف الوحدة الوطنية على الرغم من تصاعد التهديدات والعدوان، وما يستدعي وحدة الشعب والساحات، وبدلًا من ذلك ترسخت سياسة التعايش والتعامل مع خطة "السلام الاقتصادي" التي تتعامل مع الفلسطينيين بوصفهم أفرادًا وليسوا شعبًا تحت الاحتلال وله حقوق وطنية، ويتم استغلالهم بكل الأشكال لصالح دولة الاحتلال، مقابل إبقائهم على قيد الحياة، أو الأصح ما بين الموت والحياة، بينما تتواصل السياسة الإسرائيلية الرامية إلى حسم الصراع وليس تقليصه كما يدّعون لصالح فرض الحل الإسرائيلي على الفلسطينيين.

رابعًا: يعزز ما سبق أن النخبة الحاكمة في السلطة والمنظمة، مشغولة بتأمين مصالحها ونفوذها، وترتيب البيت الفتحاوي والفلسطيني، ومسألة الخلافة، بما يضمن استكمال تجويف مؤسسات منظمة التحرير واستبدالها بمؤسسات السلطة، حتى من دون تنفيذ التهديد بتحويلها إلى دولة تحت الاحتلال، كما يظهر في غياب المؤسسات، والانفراد في عقد مجلس مركزي بصورة غير قانونية عمقت الانقسام في مؤسسات المنظمة، وبتحويل صلاحيات المجلس الوطني إلى المركزي، وتفويضه أيضًا بصلاحيات المجلس التشريعي؛ حتى يقوم المركزي بحل مسألة انتقال السلطة في ظل وجود الرئيس وبعد رحيله.

مثلما يقول المثل "لو بدها تشتي غيمت"، لو هناك إرادة بتنفيذ مقررات الإجماع الوطني لتم إعطاء الأولوية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، ولوُضِعت الخطط ونفذت للتخلص من الالتزامات المترتبة على اتفاق أوسلو؛ لأن تنفيذها سيقود حتمًا إلى مجابهة مع الاحتلال تتطلب وحدة الشعب ومختلف قواه.

وفي هذا السياق، لن يقف الاحتلال مكتوف اليدين إذا قرر الفلسطينيون تغيير المسار أو المسارات التي أدت إلى الكارثة التي يعيشونها الآن، ويهدد استمرارها بمخاطر وجودية عل القضية والأرض والشعب. فالمشروع الصهيوني لا يزال مفتوحًا ولا يقبل أي تسوية، ولم يغلق، ويهدف إلى استكمال تحقيق أهدافه بتهويد الأرض واستيطانها، وطرد المزيد من أصحابها الأصلانيين، وتجميع من تبقى منهم في معازل آهلة بالسكان ومفصولة عن بعضها البعض ضمن صيغة حكم ذاتي محدود ضمن سلطة أو سلطتين أو سلطات محلية متنازعة ضمن السيادة الإسرائيلية.

لا بديل من تغيير المسار جوهريًا، وهذا يتطلب تغييرًا عميقًا في فكر النظام الفلسطيني ومؤسساته وسياساته وممارساته وتكوينه ودوره، سواء في السلطة أو المنظمة، وهذا لن يكون من دون رؤية شاملة جديدة تنبثق عنها إستراتيجيات جديدة وقيادة موحدة ذات إرادة، تعمل على إحياء المشروع الوطني والمؤسسة الوطنية الجامعة، وهذا بحاجة حتى يتحقق إلى تغيير الوضع، ونشوء قيادات وحركات وحراك وأحزاب تكون في مستوى التحدي، وتفرض إجراء التغيير من خلال التوافق الوطني بوصفه مدخلًا لحل وطني شامل، والأهم من خلال الاحتكام إلى الشعب عبر صناديق الانتخابات المحلية والعامة، وعلى كل المستويات والقطاعات.

وهذا صعب الآن، ولكنه ليس مستحيلًا، بدليل أن القضية ما زالت حية، والشعب صامد على أرض وطنه، ومصمم على الدفاع عن أرضه وحقوقه ومواصلة المقاومة مهما طال الزمن وغلت التضحيات، وهناك إرهاصات ومبادرات وحراكات كثيرة تقاوم الاحتلال وتدعو إلى التغيير المطلوب، ولكنها تفتقد إلى الرؤية الواحدة والعمل الواحد أو المشترك، فهل هذا مستحيل التوصل إليه، أم أن الحاجة كما يقال أم الاختراع؟ وهناك حاجة فلسطينية ملحة جدًا جدا للتغيير، ولا بد أن يستجاب لها بأسرع وقت ممكن وقبل فوات الأوان، وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل. 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.