جيشُ الإدانات والشجب لن يُخيف عدوّاً ولن يصنع صديقاً!
رئيس التحرير

جيشُ الإدانات والشجب لن يُخيف عدوّاً ولن يصنع صديقاً!

كتب رئيس التحرير: في معادلة العلاقات الدولية، بما تضمه من لاعبين كالدول والمؤسسات وحتى الأفراد لا قيمة للضعفاء، حتى لو زُيّنت عبارات الرؤساء والزعماء بذكرهم وضرورة العمل على إعانتهم، فالنظام الدولي كأي نظام على وجه الأرض فيه البقاء والاستمرار للأقوى، أما الهامش فلن يلتفت إليه أحد.

لنكون واقعيين، فإن الفلسطينيين وجميع دول العرب لا تزال تصنف كدول "هامش"، زعيمتهم دولة ريعية، وفي الذيل دول يموت أطفالها من شدة الفساد وغياب الرعاية الصحية والمجاعات، معنى ذلك أننا لن نطالب أن يقفز العرب والفلسطينيين في يوم وليلة ليصبحوا في مصاف الدول العظمى، أي في المركز، بل ما نطلبه أن يكون عندهم ما يردعون به أعداءهم، عدا عن ذخيرة الإدانات والشجب التي لا تُخيف عدواً، ولا تصنع صديقاً في النظام الدولي، فالدول لا تصادق أو تدعم من يثقل كاهلها.

"على نفسها جنت براقش"، هذا ما فعله الفلسطينيون بأنفسهم عندما عطلوا أهم مؤسسات دولتهم المنتظرة (البرلمان)، فكيف يطالبون بمنع إغلاق مؤسسات أقل أهمية! لن تكون عين الفلسطيني قوية وهو يخاطب دول العالم بردع إسرائيل وإجبارها على التراجع عن قراراتها بتصنيف 6 مؤسسات مجتمع مدني فلسطيني كمؤسسات إرهابية ما يعني إغلاقها عملياً، وهم أغلقوا بأيديهم برلمانهم ومجلسهم التشريعي!

ليس هذا فحسب، بل إن روتين الشجب والإستنكار والإدانات بات روتيناً مملاً مقززاً للداخل الفلسطيني، ومنفراً للمجتمع الدولي الذي لا يرى منا سوى العبارات الفارغة، ولا شيء على الأرض يجبر العدو والصديق أن يرفع الظلم عنا.

بات سقف فصائلنا، الكبرى منها والصغرى، بيانات شجب واستنكار، فهل حقاً يُؤمن كتاب هذه البيانات أن كلماتهم ستقدم أو ستؤخر؟ أم أنها فقط "رفع عتب"؟! فإذا كانت الأولى فهي طامة كبرى، وإذا كانت الثانية فهي طامتان!

إن استهداف مؤسسات المجتمع المدني تأتي ضمن خطة شاملة يقوم بها الاحتلال الاسرائيلي لضرب أي مقومات فلسطينية لمواجهة ممارسات الاحتلال المستمرة، مهما كانت قوتها أو تأثيرها، فمراقبة وتوثيق التجاوزات أصبح مزعجاً لقادة الاحتلال وخاصة ممن ارتكبوا جرائم حرب ضد شعبنا ومنهم وزير حرب الاحتلال غانتس الذي أصدر القرار الأخير بحق المؤسسات الست.

إعلان وزير الحرب الاسرائيلي غانتس 6 مؤسسات مجتمع مدني فلسطيني على أنها مؤسسات إرهابية يندرج في سياق محاول إنهاء وتخويف مؤسسات فلسطينية أخرى، حتى يستمر جيش الاحتلال بجرائمه بلا حسيب ولا رقيب وخاصة مع غياب المؤسسات الفاعلة الفلسطينية وضعف الفصائل واستمرار الانقسام المقيت.

إن قوة الموقف الفلسطيني ينبع من وحدته وتناغم مؤسساته، فما بالكم ومعظم الفصائل لم تتفق فيما بينها على اجراء انتخابات وايجاد برلمان فلسطيني حُر يأخذ دوره وينقل معاناة شعبنا ويتواصل مع برلمانات العالم بل ويغطي على معظم مؤسسات المجتمع المدني ويتكامل معها، فأهمية وجود برلمان فلسطيني منتخب بهذه الأوقات هو التواصل مع برلمانات العالم جميعها للضغط على حكوماتِهم من أجل اتخاذ موقف حازم ضد دولة الاحتلال سواءً بالمقاطعة الاقتصادية أو الدبلوماسية أو الضغط عليها من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن. في هذه الأيام نشعر أكثر من أي وقت مضى بأهمية وجود برلمان منتخب يمثلنا خارجيا ويحمينا داخلياً.

إن " تكلس" الفصائل وقياداتها وتمسك كل طرف بطرحه وبممارساته وتعطل الحياة السياسية داخل تلك الأحزاب، وضعف الأداء الفلسطيني على الساحة الدولية، يجعلنا نطالب وبشدة بإجراء انتخابات شاملة لكل مناحي الحياة بحيث تكون المؤتمرات الانتخابية كفيلة لوضع خطط للاحزاب وليس مؤتمر "للتصويت" فقط، نريد انتخابات تخلق تغييراً جذرياً في حالة الضعف التي نعيشها.

بجميع الأحوال، كشف القرار الإسرائيلي الأخير عن عورتين، عورة في عدونا الذي بات يخاف جداً مؤسسات المجتمع المدني ودورها في فضحه عالمياً، وعورة فلسطينية داخلية، تتلخص في أننا نطالب من العالم أن يلبس أجمل الأثواب ونحن عُراة!