إصدار بحثي جديد من "ماس": خارطة طريق اقتصادية لفلسطين ما بعد الحرب
اقتصاد محلي

إصدار بحثي جديد من "ماس": خارطة طريق اقتصادية لفلسطين ما بعد الحرب

صدى نيوز - أصدر معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) اليوم سلسلة من أربع دراسات بحثية متكاملة، تتناول التداعيات الاقتصادية الإستراتيجية لحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة، وانعكاساتها الأوسع على مجمل الواقع الفلسطيني، لا سيما مشروع الدولة الفلسطينية. وقد جرى إعداد هذه السلسلة ضمن إطار مفاهيمي تم تطويره في المراحل الأولى من العدوان، تحت العنوان العام "المسار الاقتصادي نحو الاستقلال والسلام"، وبتنسيق وثيق مع دائرة الشؤون الاقتصادية في منظمة التحرير الفلسطينية. تسعى هذه الدراسات الأصيلة إلى المساهمة في الاستعداد الوطني لمواجهة التحديات السياساتية والاقتصادية لمرحلة ما بعد الحرب، مع التركيز على بلورة رؤية فلسطينية مستقلة للعلاقات الاقتصادية المستقبلية، على المستويين الداخلي والإقليمي. وقد تمكن المعهد من إنجاز هذه المهمة بفضل منحة قدمها الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، مكّنته من تنفيذ المشروع البحثي وفق أعلى المعايير العلمية. 

تقوم هذه السلسلة على فرضية انبعاث مسار لبناء الدولة الفلسطينية من تحت أنقاض الحرب على غزة، استناداً إلى ما وعد به المجتمع الدولي في مستهل هذه المرحلة التاريخية، ولا يزال يردده حتى اليوم. غير أن تحقق هذا المسار يستوجب توفر شريك سياسي حقيقي، قادر ومستعد للانخراط في عملية سياسية تفضي إلى تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره ضمن دولة مستقلة ذات سيادة. وهو أمر يبدو، في ظل الواقع الراهن، أكثر بعدا بعد ثلاثين عاماً من اتفاق أوسلو، وسنتين من حرب شاملة ومدمرة. رغم أن فريقاً من أبرز الباحثين الاقتصاديين الفلسطينيين عمل على إعداد هذه الدراسات خلال العام 2024، إلا أن معهد "ماس" ارتأى تأجيل نشرها إلى وقت سياسي أكثر ملاءمة، يتيح إبراز أهميتها لصنّاع القرار والمؤسسات الوطنية. وقد استشرف المؤلفون في أبحاثهم ملامح مستقبل بلا يقين، وسط أحلك مراحل الإبادة الجماعية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، واضعين نصب أعينهم مسؤولية التخطيط لما بعد الكارثة، بروح من التحدي والأمل والتصميم على استعادة السيادة وبناء الدولة. 
رئيس الوزراء يرحب "بالجهد الوطني النوعي"

في رسالة وجهها رئيس الوزراء، الدكتور محمد مصطفى، الى مدير عام المعهد بمناسبة هذا الإصدار، أعرب عن بالغ تقديره للمعهد وفريقه البحثي على هذا الجهد الوطني النوعي، الذي يواكب متطلبات المرحلة ويستشرف تحدياتها. وأكد رئيس الوزراء "أن هذه الدراسات، بما تتضمنه من رؤى استشرافية وتحليلات علمية دقيقة، تمثل مساهمة استراتيجية في تعزيز الجاهزية الفلسطينية لمواجهة استحقاقات ما بعد الحرب، وتوفر أرضية صلبة لصياغة سياسات اقتصادية وطنية متماسكة، تستند إلى مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه، وتحدّد ملامح العلاقة الاقتصادية المستقبلية مع دول الجوار والمحيط الإقليمي والعالمي، من منظور فلسطيني مستقل وفاعل". وأضاف رئيس الوزراء: "رغم فداحة التحديات الإنسانية والسياسية والاقتصادية التي تعصف بشعبنا، فإن حكومة دولة فلسطين، بكل مؤسساتها الوطنية، مستعدة لتحمل مسؤولياتها الكاملة في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية، وفي مقدمتها قطاع غزة، الذي تتمتع فيه الحكومة بالولاية القانونية والاعتراف الدولي. وأضاف، إننا نعمل بكل ما أوتينا من إرادة وإمكانات على تعزيز قدرة مؤسساتنا في الاستجابة لمتطلبات المرحلة المقبلة، بما يشمل جهود الإغاثة، وإعادة الإعمار، والنهوض الاقتصادي، استناداً إلى رؤية وطنية شاملة تنبع من حقنا الطبيعي في تقرير المصير وإقامة دولتنا المستقلة". 

وشدد رئيس الوزراء في رسالته على "أن تجسيد الدولة الفلسطينية لا يمكن أن يتحقق دون إعادة توحيد الجغرافيا والمؤسسات والاقتصاد الوطني تحت إدارة فلسطينية خالصة، مؤكداً أن غزة جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين الواحدة، الموحدة، ذات السيادة، وأن المسؤولية الوطنية تجاه إعادة إعماره والنهوض به تُشكّل اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة الفلسطينية على إدارة شؤونها بالكامل، بروح الوحدة والالتزام الوطني". وأضاف: "إن هذا الإصدار من معهد ماس، بما يحمله من رؤية متكاملة، يُشكّل مساهمة نوعية في الإعداد العلمي والمؤسسي لتوحيد منظومة الحكم والاقتصاد في جميع أنحاء الوطن، بما يُمكّن الدولة الفلسطينية من الوقوف على أسس صلبة، في غزة كما في الضفة الغربية والقدس، وفي سياق متكامل لا يقبل التجزئة أو الوصاية أو البدائل المؤقتة".

الخالدي: تصور اقتصادي مسبق لملامح دولة فلسطين، وفق رؤيتنا نحن الفلسطينيين لمستقبلنا

وفي الوقت الذي يرى فيه هذا الإصدار النور، لا تزال الحرب الوحشية الدائرة منذ عامين على غزة وفلسطين بأسرها، في أوجّها. وقد أدت هذه الحرب إلى تفشي المجاعات الجماعية، وارتكاب أعمال قتل وتدمير ممنهج ترقى إلى مستوى التطهير العرقي، وسط صمت دولي مخزٍ وتراخٍ واضح في فرض المساءلة. وفي هذا الصدد يقول مدير عام ماس رجا الخالدي: "لا تزال الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تُمسك بزمام السلطة، منفلتة تماماً من أي محاسبة دولية، في ظل غياب ردود فعل رادعة من المجتمع الدولي. ومع ذلك، فإن التطورات السياسية التي شهدها منتصف عام 2025، وعلى رأسها إعلان نيويورك في تموز بشأن حل الدولتين، وما تبعه من موجة اعترافات من قِبل دول كبرى بحق دولة فلسطين، تؤكد أن قراءة هذه الدراسات باتت ضرورة ملحّة لكل من يؤمن بوجوب إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة".


تنطلق الدراسات الأربع من إطار تحليلي وتسلسلي منطقي، يستند إلى الهدف الوطني الثابت: إقامة دولة فلسطين على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، دون تجزئة أو مقايضة، ودون مسارات منفصلة لغزة عن بقية الوطن، سواء على المستوى الحوكمي أو الاقتصادي. وتتوزع محاور السلسلة على النحو التالي: 

•    المجلد الأول: يتناول المتطلبات الاقتصادية لمرحلة "تأسيس الدولة"، وهي مرحلة انتقالية (تمتد من عامين إلى ثلاثة أعوام) يُعاد فيها بناء أسس العلاقة الاقتصادية الطبيعية مع المحيط الإقليمي، تمهيداً للوضع الدائم.

•    المجلد الثاني: يقترح نموذجاً لاتفاق اقتصادي دائم، يضمن الحقوق الاقتصادية السيادية للشعب الفلسطيني، ويؤسس لعلاقة متوازنة مع الطرف الإسرائيلي، مستفيداً من التجارب السابقة، ومن المبادرات الاقتصادية الدولية منذ عام 1947 وحتى اليوم.

•    المجلد الثالث: يتعمق في الأسس النظرية والتطبيقية، والسياسات العامة المطلوبة، لإعادة توحيد الاقتصاد الفلسطيني الذي عانى من التجزئة القسرية لعقود.

•    المجلد الرابع: يسلط الضوء على المبادئ والآليات العملية، والتجارب الدولية المقارنة، في مجال إعادة الإعمار ما بعد الحرب، بما يلائم السياق الفلسطيني الخاص.

وأضاف الخالدي: "يفخر معهد ماس بتكليفه بهذه المهمة الوطنية في لحظة مفصلية من تاريخ فلسطين. لقد سعينا في هذه الدراسات إلى تقديم تصور اقتصادي مسبق لملامح دولة فلسطين، وفق رؤيتنا نحن الفلسطينيين لمستقبلنا. من هنا، ينبغي أن تستند أي مفاوضات مستقبلية بشأن تأسيس الدولة، وإعادة إعمار غزة، وإدارته، واستراتيجيات التنمية الوطنية الشاملة، إلى ما تقدمه هذه السلسلة من رؤى ومقترحات، تنطلق من وحدة الاقتصاد الوطني الفلسطيني واستقلاله."