هل ينصف القانون الفلسطيني العاملين عبر المنصات الرقمية وخدمات التوصيل؟ وزارة العمل تجيب لصدى نيوز
اقتصاد محلي

هل ينصف القانون الفلسطيني العاملين عبر المنصات الرقمية وخدمات التوصيل؟ وزارة العمل تجيب لصدى نيوز

خاص صدى نيوز- في ظل تصاعد معدلات البطالة وتنامي الاعتماد على المنصات الرقمية وخدمات التوصيل كمصدر دخل بديل، يواجه آلاف الفلسطينيين العاملين في السوق الرقمي واقعا قانونيا هشا يفتقر إلى الحماية والتنظيم، وبين غياب العقود الرسمية، وانعدام الأمان الوظيفي، تبرز الحاجة الملحة إلى تدخل تشريعي يعيد الاعتبار لهذه الفئة المتنامية من العمال. 

"صدى نيوز" فتحت الملف مع وزارة العمل الفلسطينية، وخرجت بتفاصيل تكشف عن توجهات جديدة نحو تنظيم هذا القطاع الحيوي، وسط تأكيد رسمي بأن العاملين عبر المنصات الرقمية ليسوا خارج إطار القانون، لكن التساؤلات تبقى قائمة: هل تكفي هذه الحماية؟ وهل يواكب القانون تطورات سوق العمل الرقمي؟

في السنوات الأخيرة، ازداد الإقبال على العمل في تطبيقات النقل الذكي بشكل ملحوظ، حيث باتت هذه المنصات توفر فرصا بديلة للشباب العاطلين عن العمل أو الباحثين عن تحسين أوضاعهم المعيشية، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة ومتطلبات الإنفاق على الحاجات الأساسية.

وتتنوع الوظائف الرقمية في الضفة الغربية بين خدمات توصيل الطعام والبضائع، والعمل عبر تطبيقات النقل الذكي، إلى جانب أعمال تقنية وإبداعية تُنجز عن بُعد، مثل البرمجة، التصميم، الترجمة، والتسويق الإلكتروني. ورغم أن هذه الوظائف تمثل مصدر دخل أساسي لآلاف الشباب، إلا أن غياب العقود الرسمية وعدم شمولهم ضمن قانون العمل الفلسطيني يجعلهم عرضة للفصل التعسفي وفقدان مصدر رزقهم دون أي إنذار أو تعويض.

وتشير تقارير حقوقية إلى أن آلاف العاملين في الضفة الغربية ينشطون في أعمال رقمية دون أي ضمانات قانونية أو اجتماعية، مثل التأمين الصحي أو الحماية من الفصل التعسفي. كما يفتقر هؤلاء العاملون لأي مظلة تنظيمية مهنية أو نقابية تدافع عن حقوقهم أو تمثلهم في التفاوض، ما يزيد من هشاشتهم مقارنة بالعاملين في القطاعات التقليدية.

ثغرات قانونية في التشريعات الحالية

بحثت "صدى نيوز" في قانون العمل الفلسطيني الحالي، وتبيّن أنه لا يتضمن أي تعريف أو تنظيم خاص للعمل عبر المنصات الرقمية. بمعنى آخر، لا يوجد نص قانوني يحدد بشكل صريح حقوق وواجبات العمال الذين يعملون عبر منصات رقمية، أو ينظم علاقات العمل في هذا النوع من الوظائف.

ويغطي القانون الحالي الجوانب التقليدية للعمل مثل العقود، ساعات العمل، الإجازات، والحد الأدنى للأجور، لكنه لا يواكب التطورات السريعة في سوق العمل الرقمي، ما يخلق فجوة قانونية كبيرة في حماية حقوق العاملين في هذا القطاع.

وفي ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة الملحة لتعديل قانون العمل الفلسطيني أو إصدار تشريعات خاصة تنظم العمل عبر المنصات الرقمية، بما يضمن حقوق العاملين، ويحدد مسؤوليات أصحاب المنصات، ويوفر لهم الحماية القانونية والاجتماعية اللازمة في حال نشوب أي نزاعات.

خطوات وزارة العمل نحو تنظيم العمل الرقمي في فلسطين

في تصريح خاص لـ"صدى نيوز"، أجابت وزارة العمل الفلسطينية عن سؤال يتعلق بعدم إدراج العمال الرقميين ضمن قانون العمل الحالي، وما إذا كانت هناك نية لتعديله قريباً. وأوضحت الوزارة أنها شرعت في مراجعة شاملة لقانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000، الذي لم يشهد أي تحديث منذ إقراره، وهو ما يفسر غياب المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بسوق العمل الرقمي عن نصوصه الحالية.

وأضافت أن التعديلات المقترحة شملت مختلف بنود القانون، وجاءت بناءً على ملاحظات ومقترحات مقدّمة من أطراف الإنتاج، ومنظمة العمل الدولية، ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة. وقد تم أخذ أنماط العمل غير التقليدية بعين الاعتبار، خاصة تلك التي برزت بشكل واضح خلال جائحة كورونا، بما في ذلك العمل عبر المنصات الرقمية.

وأكدت الوزارة أن هناك توجها مشتركا بينها وبين الشركاء، بإجراء عملية مراجعة لنصوص قانون العمل والتعديل عليها بمساندة منظمة العمل الدولية، ومن ثم سيتم توفير الحماية القانونية للعمال الرقميين.

وفي إطار الجهود الرامية إلى تنظيم واقع العاملين عبر المنصات الذكية، خاصة في مجالات خدمات التوصيل والعمل الحر في قطاعات تكنولوجيا المعلومات والتصميم، أوضحت وزارة العمل الفلسطينية أن عدم تضمين العمال الرقميين في قانون العمل الحالي يعود إلى سببين رئيسيين، أولاً: يخضع قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000 حاليا لعملية تعديل شاملة ضمن إطار الحوار الاجتماعي مع أطراف الإنتاج، وقد تناولت التعديلات المقترحة أنماط العمل غير التقليدية، كما أُشير إليه سابقا.

وثانياً: يُصنّف هذا النوع من العمل ضمن مفهوم "العمل عن بُعد"، وهو مصطلح أوسع من "العمل الرقمي"، ويشمل الإنترنت كأحد أبرز أسواق التشغيل الحديثة.

وقالت وزارة العمل: "في خطوة أولى نحو تأطير الالتزامات الوطنية تجاه هذه الفئة، رفعت دولة فلسطين في أواخر عام 2024 توصية إلى منظمة العمل العربية بشأن تنظيم العمل عن بُعد والعمل الرقمي. وتنتظر الوزارة حاليًا مصادقة مجلس الوزراء على هذه التوصية، تمهيدًا لتحويلها إلى سياسات أو تشريعات قابلة للتنفيذ".

وفي سياق توجه الحكومة لمراجعة قانون العمل، تعمل الوزارة على دراسة إدراج تعريفات واضحة وتنظيم قانوني للعمل الرقمي، بما يشمل العمل عبر المنصات، والعمل الحر، والعمل عن بُعد. وتشمل هذه الدراسة أيضًا سبل توفير الحماية الاجتماعية للعاملين، وتحديد الحد الأدنى للأجور، وضمان الالتزام بمعايير السلامة والصحة المهنية.

وتعمل الوزارة حاليا على مقترحات أولية لتعديل قانون العمل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2000وستضمن هذه المقترحات ما يتعلق بالعاملين الرقميين، وذلك استنادا إلى أفضل الممارسات الدولية (مثل اتفاقية العمل رقم 177) والتوصية رقم 198 لمنظمة العمل الدولية وتوصية منظمة العمل العربية.

وزارة العمل: الاعتقاد السائد بأن هؤلاء العاملين غير مشمولين في القانون هو غير صحيح

قالت وزارة العمل إن "قانون العمل النافذ يسري على جميع العاملين والمشمولين بأحكامه طالما لم يشملهم الاستثناء الوارد في المادة (3) من القانون، وهذا يعني أن العمال الذين يعملون في مجال التكنولوجيا والبرمجيات وعن بعد يخضعون لقانون العمل النافذ وهم مشمولين بالحماية القانونية كأي عامل آخر وفق الصورة النمطية للعامل، ومعيار تحقق علاقة العمل لإخضاعها لقانون العمل هو (وجود عنصر التبعية والإشراف) وتحقق هذا العنصر هو الذي يشمل العامل بأحكام قانون العمل، وغياب هذا العنصر يخضع الشخص لتشريعات أخرى وليس لقانون العمل، وبالتالي الاعتقاد السائد بأن هؤلاء العاملين غير مشمولين في القانون هو غير صحيح".

وأضافت لصدى نيوز: "غياب الحماية الاجتماعية ليس مسلما به كواقع يجب القبول به بل تعتبره مشكلة يجب وضع حلول لها عبر أدوات قانونية ومؤسسية وتشغيلية، فوزارة العمل ملتزمة في توفير الحماية لجميع العاملين في سوق العمل بمن فيهم العاملون الرقميين".

دعم التنظيم النقابي للعاملين عبر المنصات الرقمية

أكدت وزارة العمل الفلسطينية أنها تؤمن بأهمية تنظيم القطاعات غير الرسمية، وفي مقدمتها قطاع العمل عبر المنصات الرقمية، من خلال تشكيل أجسام نقابية أو اتحادات مهنية تمثل العاملين فيه. وترى الوزارة أن تجميع العاملين ضمن أطر جماعية فاعلة يُعد خطوة أساسية نحو تمكينهم من التعبير عن مصالحهم، والمشاركة في التفاوض الجماعي، والمساهمة في صياغة السياسات والتشريعات ذات الصلة.

وتنسجم هذه الرؤية مع أحكام القانون الأساسي الفلسطيني الذي يكفل الحرية النقابية، ومع قانون العمل الذي يدعم تأسيس التنظيمات المهنية. ومع ذلك، أوضحت الوزارة أن العمل الحر، في حال عدم انطباق معايير علاقة العمل عليه، لا يُعد خاضعًا لقانون العمل الفلسطيني، ما يستدعي التفكير في آليات تنظيمية جديدة تضمن تمثيل هذه الفئة وحمايتها ضمن إطار قانوني مناسب.

بيانات العاملين في اقتصاد المنصات الرقمية

فيما يتعلق بحجم العاملين في اقتصاد المنصات الرقمية، بينت وزارة العمل لصدى نيوز أنها لا تمتلك حتى الآن أرقاما دقيقة، لكنها تعمل حاليا على تطوير قاعدة بيانات وطنية تشمل العاملين في السوق المحلي، بما في ذلك أولئك المنخرطين في العمل الرقمي.

وتسعى الوزارة إلى تحقيق ذلك من خلال توقيع مذكرات تفاهم مع الجامعات الفلسطينية، بهدف الحصول على بيانات الخريجين وتحديثها بشكل مستمر، وتُستخدم هذه البيانات في ربط الخريجين ببرامج التدريب والتشغيل، وتوجيههم نحو فرص العمل المناسبة.

وقد أدرجت الوزارة العمل الرقمي ضمن أولويات السياسات الوطنية للتشغيل، انسجاما مع رؤيتها للتحول الرقمي الشامل، الذي يُعد ركيزة أساسية في تطوير سوق العمل الفلسطيني وتعزيز فرص التشغيل المستدام.

في هذا السياق، أكدت الوزارة أنها لا تنظر إلى العاملين الرقميين كظاهرة عابرة بل كجزء من المكون الأساسي للتحول الرقمي الوطني بدلالة ما يجري من تطوير مقترح وطني شامل لتنظيم العمل عن بعد استنادا إلى توجه منظمة العمل العربية الموقع عليها في أواخر 2024. 

كما تعمل الوزارة على دعم تشكيل لجان ونقابات واتحادات للعاملين الرقميين كمدخل رئيسي لتنظيم هذا القطاع، وكذلك تعمل بالشراكة مع الجامعات لبناء قاعدة بيانات وطنية للعاملين عبر المنصات.

وفي حديثها مع صدى نيوز، قالت وزارة العمل: "ندرك أن إنشاء منصات رقمية محلية تحترم معايير العمل اللائق هو الطريقة الوحيدة لتنظيم هذا القطاع، ونسعى جاهدين بوزارة العمل على توفير البيئة القانونية والمؤسسية والمالية المناسبة من أجل تنظيم هذا القطاع وذلك بالتنسيق مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص وصندوق التشغيل الفلسطيني".

ما التحديات التي تواجه إصدار تشريع خاص بالعمل الرقمي؟

قالت وزارة العمل الفلسطينية في ردها على سؤال صدى نيوز إن إصدار تشريع خاص بالعمل الرقمي يواجه عدداً من التحديات منها صعوبة التفتيش والرقابة، وعدم وجود بيانات صحيحة ودقيقة للعاملين في هذا القطاع، وكذلك الكثير منهم يعملون مع قطاع غير رسمي، والأهم من كل ذلك أن العلاقة العقدية بين الطرفين ينتابها الضبابية، لأن قانون العمل حتى يطبق يجب أن تتوافر الشروط التالية: أجر، عمل، علاقة التبعية، بمعنى أن يكون العامل تحت إشراف ومتابعة صاحب العمل وهنا تكمن المعضلة (كيف يتوافر عنصر التبعية وما هي حدودها في العمل عن بعد)، كل هذا سيتم مناقشته من خلال الفريق الذي سيتم تشكيله لتعديل نصوص قانون العمل.

شهادات من الميدان: مستقبل غامض

يقول "م.م" (30 عاما)، وهو عامل توصيل عبر أحد التطبيقات الشهيرة: أغلب العاملين في هذا المجال هم من طلبة الجامعات الذين يشترون سياراتهم بالأقساط، ويخشون من الفصل المفاجئ، خاصة من الشركات غير المرخصة."

ويضيف أحد خريجي كلية الهندسة الإلكترونية، الذي يعمل في البرمجة عبر الإنترنت: أعمل منذ أكثر من عامين دون أي عقد رسمي أو جهة تضمن استمرارية عملي، المهام مؤقتة، ويمكن إنهاء التعاون في أي لحظة دون إنذار أو تعويض، ما يجعلني أشعر بانعدام الأمان الوظيفي."

خلاصة

رغم أن العمل عبر المنصات الرقمية يمثل متنفسا اقتصاديا مهما لآلاف الفلسطينيين، إلا أن غياب الأطر القانونية والتنظيمية يهدد استدامة هذا القطاع ويعمّق من أزمات الاقتصاد غير المنظم، ويُرسّخ غياب العدالة الاجتماعية الرقمية، إن مواكبة هذا التحول تتطلب تدخلا تشريعيا عاجلا يضمن حقوق العاملين ويعزز من استقرار سوق العمل الفلسطيني.