
القطاع المصرفي: عندما تتجاوز الحلول المؤقتة طاقتها.. ما الأثر الخفي من تأجيل الأقساط؟
تقرير اقتصاد صدى - في خضم الأزمات الكبرى، غالبا ما تُتخذ قرارات استثنائية. وبالأغلب تُكلل هذه القرارات بالنجاح عندما تُطبق في التوقيت المناسب، وتُنفذ كحلول مؤقتة تضع الاعتبارات الإنسانية فوق الحسابات المالية، لكن ماذا لو طال أمد هذه الفترة، وتحولت هذه الحلول المؤقتة إلى واقع دائم؟ هنا تبدأ التداعيات الخفية بالظهور، وتنكشف التحديات التي لم تكن متوقعة.
منذ بداية الحرب على قطاع غزة قبل عامين تقريبا والحصار على محافظات الضفة ومن منطلق المسؤولية المجتمعية قام القطاع المصرفي الفلسطيني بتدخل إغاثي وإنساني مباشر بعشرات ملايين الدولارات. وكل ذلك جاء بالتعاون مع سلطة النقد الفلسطينية، بالإضافة إلى تأجيل خصم الأقساط المستحقة على الموظفين في قطاع غزة. كل هذا جاء استجابة للتعليمات الرسمية من جهة، وإدراك القطاع المصرفي لحجم المعاناة التي يمر بها المواطنون الفلسطينيون من جهة أخرى، ورغم أن هذا الإجراء المتمثل في خصم الأقساط حرم البنوك العاملة في فلسطين من الإيرادات الشهرية، إلا أن الأولوية كانت للاعتبارات الإنسانية على حساب المكاسب المادية.
لكن مع تكرار هذه القرارات المتعلقة بتأجيل خصم الأقساط لأربع مرات متتالية، وآخرها التمديد حتى نهاية عام 2025، بدأت ملامح أزمة حقيقية تتشكل بصمت داخل القطاع المصرفي الفلسطيني، لم تكن واضحة في بداياتها، لكنها اليوم باتت عبئا متراكما، يتطلب تفكيرا مغايرا.
وهنا نتحدث بكل صراحة عن عجز القيادة السياسية والحكومية في فلسطين بإيجاد حلول لهذه الأزمات ونحن نعي تماما أن جزءا من عدم قدرتهم على إيجاد الحلول هو نتيجة لحصار مالي إسرائيلي وفي بعض الأحيان عربي. ولكن في النتيجة لا نعفي مسؤوليتهم بصفتهم المسؤولين بالصفة القانونية والرسمية عن الاقتصاد الفلسطيني والوضع السياسي.
ومن أولى هذه التداعيات هي التراكم غير المسبوق للأقساط، ما سيجعل بعض العملاء يواجهون لاحقا أعباء مضاعفة تفوق قدرتهم الفعلية على السداد، وما يُعد لهم اليوم راحة مؤقتة، قد يتحول لاحقًا إلى عبء ثقيل يحاصرهم نفسيًا وماليا، وقد يؤدي إلى انتشار واسع لحالات تعثر المقترضين وبالتالي كارثة اقتصادية ستطال الجميع.
أما على صعيد البنوك، فالصورة أكثر تعقيدا، فقرار التأجيل يعني تجميد السيولة، وارتفاع حجم القروض المؤجلة، واتساع نطاق الحسابات الجارية المدينة، ما يؤثر بشكل مباشر على قدرة البنك على الإقراض، وعلى استدامته المالية.
وقد دفعت هذه الظروف بعض البنوك بتطبيق تعليمات سلطة النقد الفلسطينية لمنح "قروض الإزاحة" أو التورق، أو فتح حسابات جارية مدينة مؤقتة، كحلول تكتيكية مؤقتة لسد الفجوة، لكنها في الواقع ليست سوى تأجيل للأزمة دون حل حقيقي ملموس.
وكل هذا يحدث في الوقت الذي تظل فيه البنوك مطالبة بالوفاء بالتزاماتها تجاه المودعين، وإدارة تكاليفها التشغيلية، والحفاظ على نسب السيولة والملاءة المالية التي تضمن استقرارها، وتحول دون أي اهتزاز في ثقة الجمهور بها. بالإضافة إلى منح قروض للحكومة الفلسطينية وجاري مدين بل واعتماد الحكومة بشكل مستمر على الاقتراض من القطاع المصرفي وأحيانا الضغط على البنوك لمنح الحكومة قروضا عند كل أزمة مالية تمر فيها السلطة الفلسطينية كما هذه الأيام.
البنوك تمر بأزمة تهدد استقرارها واستمرارها، ما بين خسائرها المباشرة في غزة، والتعثر الحتمي لأغلبية المستفيدين من تسهيلاتها، وتبخر مُقدرات وأصول القطاع الخاص بشكل كامل في قطاع غزة، وجزئي في محافظات الضفة الغربية، والمستقبل الغامض في سداد التسهيلات من زبائنها في شقي الوطن، وحجم مديونية الحكومة لديها، وأزمة تكدس الشيكل، فإنه من غير العدل أن يواجه القطاع المصرفي هذه التحديات منفردا.
فعجز الحكومة والمستوى السياسي الفلسطيني الرسمي على المستوى المالي والاقتصادي يُرحل إلى القطاع المصرفي بالدرجة الأولى والقطاع الخاص بالدرجة الثانية، وهذا غير منطقي.
البنوك العاملة في فلسطين تمر بأزمة معقدة في هذه الأيام تهدد استقرارها واستمرارها. فبين خسائرها المباشرة في قطاع غزة التي تقدر بمئات ملايين الدولارات سواء خسائر مالية من الأبنية والممتلكات والأموال النقدية أو خسائر كبيرة نتيجة تجنيب مخصصات ائتمانية وتشغيلية لتغطية مخاطر التسهيلات الائتمانية الممنوحة في قطاع غزة، والتعثر لأغلبية المستفيدين من تسهيلاتها لمشاريعهم في القطاع، واندثار مقدرات القطاع الخاص بالكامل في قطاع غزة، وجزئيا في الضفة، وغموض مستقبل سداد التسهيلات من عملائها في شطري "الوطن"، وحجم مديونية السلطة لديها، وأزمة تكدس الشيكل، فإنه من غير العدل أن يواجه القطاع المصرفي هذه التحديات بمفرده.
الأزمة وطنية والحل يجب أن يكون وطنيًا. ومفتاح الحل يكمن في إدارة حكيمة من خلال برنامج متكامل يُصاغ بالتشاور بين الجهات المعنية، ويعالج جذور الأزمة لا مجرد مظاهرها، متضمنًا آليات واضحة لتفكيك هذه التحديات، فالبنوك ليست مجرد مؤسسات مالية، بل هي شريان الاقتصاد الفلسطيني، وإذا أُنهك هذا الشريان، فلن يبقى الجسد الاقتصادي سليم.

الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات جديدة على روسيا

الصين تتهم أجهزة أجنبية «بسرقة» معادن نادرة

أسعار صرف العملات مقابل الشيكل الجمعة (18 تموز)

"صدى نيوز" تابعت الملف منذ بدايته.. اتحاد المقاولين ينفي تورط شركات مسجلة لديه في تنفيذ مش...

وسيم الجعبري لصدى نيوز: "بيان وزارة المالية جاء استجابةً سريعة لمطالبات القطاع الخاص"

عبده إدريس لصدى نيوز: "فصل الغرف التجارية الصناعية يُبطل وجود مجالس الإدارة التي تم انتخاب...

تصل إلى 15%.. ترامب يتوعد بفرض رسوم جمركية على أكثر من 150 دولة
