اقتصاد العالم يسبح في بحر ديون تتجاوز 300 تريليون دولار!
مال وأعمال

اقتصاد العالم يسبح في بحر ديون تتجاوز 300 تريليون دولار!

اقتصاد صدى - يسبح الاقتصاد العالمي فوق بحر من ديون بلغت قيمتها 305 تريليون دولار بنهاية الربع الأول من العام الجاري، وهي تمثل 3 أمثال الناتج الاجمالي العالمي الذي وصل إلى 101 تريليون دولار بنهاية 2022.

ومع طفو أزمة سقف الدين الأميركي على الساحة العالمية خلال الشهر الأخير وتحذيرات المؤسسات الدولية من احتمالات أزمة ائتمان عالمية في ظل ارتفاع معدلات الديون العالمية وزيادة تكلفة التمويل مع ارتفاع معدلات الفائدة على الدولار لمستويات تاريخية، تزداد حالة عدم اليقين في قدرة الاقتصاد العالمي على تجاوز تلك التحديات.

فنرى أن الولايات المتحدة وهي أكبر اقتصاد في العالم لديها ديون فيدرالية تقدر بنحو 31 تريليون دولار لتمثل 10% من إجمالي ديون العالم، وحينما نرصد معدل زيادة الديون الأميركية سنجد أنها ارتفعت بنحو 50% خلال العقد الأخير فقط، وهنا يظهر التساؤل هل ترتفع ديون الدول الأخرى بنفس الوتيرة وما تداعيات ذلك على الاقتصاد العالمي؟ هذا ما نرصده في السطور التالية:

ماذا يعني الدين العالمي؟ وما مخاطره على الاقتصاد العالمي؟
الدين العالمي هو اقتراض من جانب الحكومات والشركات وحتى الأفراد، وحالياً عند مستويات عالية بشكل خطير، حيث كان قبل وباء كورونا عند 260 تريليون دولار، لكنه تفاقم بعد الجائحة، حيث شهد العالم أكبر قفزة في الديون لمدة عام منذ الحرب العالمية الثانية، وفقاً لقاعدة بيانات صندوق النقد.

ومع استمرار الاضطرابات الاقتصادية التي خلفها الوباء، واصلت كومة الديون الاتجاه الصعودي لتصل إلى 303 تريليونات دولار بنهاية الربع الأخير من 2021، قبل أن تسجل مستوى قياسياً عند 306.3 تريليون دولار بالتزامن مع الحرب الروسية الأوكرانية.

لكن في الأشهر الـ9 الأخيرة من العام الماضي، تراجعت الديون إلى ما دون عتبة 300 تريليون دولار، وهو ما جاء مدفوعاً بتعافي الاقتصاد العالمي وارتفاع معدلات الفائدة لكبح التضخم، ووفق بيانات معهد التمويل فإن كومة ديون العالم عاودت الارتفاع لتصبح الآن 304.9 تريليون دولار.

ويقف الدين العالمي حالياً أعلى بنحو 45 تريليون دولار عن مستواه قبل كورونا، حسب تقرير لمعهد التمويل الدولي، الذي يرى أن عوامل منها شيخوخة السكان والفجوات الكبيرة في التمويل المناخي والتوترات الجيوسياسية المتزايدة وما تتطلبه من زيادة بالإنفاق على الدفاع الوطني، قد تضغط على موازنات الدول، وتعزز حاجة الحكومات للاقتراض رغم المخاوف بشأن أزمة ائتمان محتملة.

ومع ذلك، كانت هذه الزيادة في ديون العالم كافة في غضون 39 شهراً الأخيرة فقط، مقابل ارتفاع بنحو 87 تريليون دولار طوال 10 سنوات منذ بداية الأزمة المالية العالمية وحتى نهاية 2019، بما يعني ارتفاع صاروخي في اقتراض الحكومات.

هل الديون تقتصر على الاقتراض الحكومي فقط؟
الديون الحكومية هي أحد أركان الديون العالمية الأربعة وتُشكل نحو 28% من إجمالي ديون العالم، وذلك جنباً إلى جنب مع ديون الشركات غير المالية التي تبلغ حصتها 30.1%، بينما ديون القطاع المالي بلغت 23% تقريباً من الديون كافة بنهاية الربع المنتهي في مارس الماضي، فيما كانت ديون الأسر تمثل حصة 18.9% فقط.

وتعزى الزيادة في الديون العالمية خلال الربع الأول من 2023، بشكل أساسي إلى ديون الشركات غير المالية وديون الأسر، حسب معهد التمويل، وعلى سبيل المثال، تُعد ديون الأسر في تايلندا بمثابة قنبلة موقوتة أمام الحكومة الجديدة ولطالما شكلت مصدر معاناة أمام البلاد.

أيهما أكثر اقتراضاً.. الدول المتقدمة أم الناشئة؟
لأول مرة على الإطلاق، كسرت ديون الأسواق الناشئة حاجز الـ100 تريليون دولار (ما يعادل 250% من قيمة ناتجها المحلي الإجمالي) بزيادة 25 تريليون دولار عن مستوياتها عام 2019، حسب بيانات معهد التمويل.

تاريخياً، تُعد الاقتصادات الناشئة والنامية، هي الأكثر تضرراً من أزمات الديون السابقة، حسب وصف البنك الدولي، وحالياً يؤكد رئيس البنك، ديفيد مالباس، على أن: "نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات المتقدمة أعلى من أي وقت مضى.. والدول النامية تواجه مشكلة مماثلة، وهذا يعني أن الاقتصاد يجب أن يعمل بجهد أكبر لسداد الأموال التي تم اقتراضها بالفعل".

ماذا عن مخاطر الديون على الاقتصاد العالمي؟
يتفق الجميع على أمر واحد: "مواجهة أزمة الديون ضرورة حتمية"، إذ سبق وحذر صندوق النقد الدولي من أن البلدان بحاجة للعمل معاً لمعالجة تراكم الديون من أجل حماية الاستقرار والرخاء حول العالم مؤكداً أن العالم يمر بمنعطف حرج.

كما شدد البنك الدولي مؤخراً على الحاجة للشفافية في معالجة ارتفاع الديون التي تنعكس سلباً على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الضغط على القطاع المصرفي ومعدل التضخم المرتفع، داعياً لضرورة إعادة هيكلة الديون بأسرع وقت.

في الواقع، يمكن أن تضر أزمة الديون في بلد ما اقتصادات كثيرة أخرى حسب مدى التشابك مع الآخرين، وقد تدفع البنوك محلياً ودولياً لخسائر حادة، فضلاً عن تقويض استقرار الأنظمة المالية في البلدان المتضررة، ما قد يضر في نهاية المطاف بالنمو الاقتصادي ويخلق اضطرابات في الأسواق المالية العالمية، وهو ما حدث بالفعل خلال الأزمة المالية العالمية قبل أكثر من عقد، عندما أدت أزمة الديون في الولايات المتحدة لتداعيات واسعة النطاق وتسببت في ركود الاقتصاد العالمي حينذاك.

كيف تضغط الفائدة المرتفعة على الديون؟
من الناحية التاريخية، فإن ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية -الفائدة الاسمية مطروحاً منها معدل التضخم- يؤدي لزيادة تكاليف خدمة الديون مع ضعف نمو الدخل. ولأكثر من عام مضى، اتبعت البنوك المركزية العالمية سياسة نقدية متشددة، عبر رفع أسعار الفائدة في محاولة لكبح تسارع التضخم، ووصل سعر الفائدة الأميركي لأعلى مستوى منذ أغسطس 2007 عند نطاق يتراوح بين 5 و5.25%.

ومع تشديد الظروف النقدية بأكبر وتيرة منذ الأزمة المالية العالمية، فإن معهد التمويل يعتقد أن حدوث أزمة مصرفية من شأنه أن يرفع معدلات التعثر عن سداد الديون ويخلف ما يُعرف بـ"شركات الزومبي" أو الشركات المثقلة بالديون وتستمر في عملها فقط بدعم حكومي.

وبينما يترجم الانسحاب المبكر لهذه التدابير الحكومية الداعمة إلى قفزة مفاجئة في حالات الإفلاس وموجة جديدة من القروض المتعثرة، ومع ذلك فإن الاعتماد المستمر على الدعم الحكومي يدفع الشركات الأضعف والأكثر مديونية -أي شركات الزومبي- على تحمل المزيد من الديون، ما يُشكل مخاطر قد يمتد أثرها إلى الاقتصاد ككل.

ماذا يحدث عند العجز عن سداد الديون؟
تعثر البلدان -على سبيل المثال- عن سداد ديونها، يمكن أن يتسبب في نشر الذعر بالأسواق المالية ويدفع الاقتصاد للتباطؤ، كما هو الحال حالياً عند الحديث عن الوضع داخل أكبر اقتصاد في العالم -الولايات المتحدة- ما لم يتم التوصل لاتفاق بشأن رفع سقف الدين، فضلاً عن خفض تصنيف ديون الحكومة الأميركية.

وكانت بلدان عديدة قد عانت من أزمات ديون، أشهرها أزمة ديون أميركا اللاتينية في فترة الثمانينيات وأزمة الديون السيادية الأوروبية التي بدأت عام 2009.

هل هناك حلول استباقية قبل التعثر؟
في محاولة أخيرة لتفادي إعلان التعثر عن سداد الديون، تلجأ الشركات والأفراد وحتى البلدان لعملية إعادة هيكلة الديون، مثل التفاوض حول شروط الديون ومنها أسعار فائدة أقل أو تعديل خطة سداد الدين.

غانا، كانت أحدث مثال في هذا الشأن، إذ وافق صندوق النقد على منح الدولة الواقعة غرب أفريقيا قرضاً تبلغ قيمته 3 مليارات دولار، بعد قبول الدائنون بما في ذلك الصين على إعادة هيكلة الديون التي تراكمت طوال الـ15 عاماً الماضية.

وفي حين أن ارتفاع الديون يضغط على الاقتصادات، فإن النمو الاقتصادي الحقيقي -المعدل حسب التضخم- يحد من تراكم الدين، حسب رؤية البنك الدولي.