
هل الوقت مناسب لرفع قيمة الحد الأدنى للأجور؟
بين مؤيد ومعارض تم التوصل في 21/1/2021 إلى مسودة اتفاق ثلاثي بين الحكومة وممثلي القطاع الخاص وممثلي العمال لرفع الحد الأدنى للأجور في فلسطين إلى 1950 شيكلاً شهرياً، 87 شيكلاً لليوم، 12 شيكلاً أجرة الساعة.
ويعرف الحد الأدنى للأجور بأنه أدنى مبلغ من المال يتقاضاه العامل في الساعة، اليوم أو الشهر بحكم القانون، بمعنى أنه أدنى مبلغ يجوز فيه للعامل أن يبيع جهده لرب العمل، ويهدف الحد الأدنى للأجور إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، والحد من معاناة العمال وتأمين متطلبات عيش كريم لهم وتحسين أوضاعهم المعيشية بما يتناسب مع مستويات المعيشة واحتياجاتها الأساسية، وكافة الأطراف ذات العلاقة والممثلة بالحكومة وأصحاب العمل وممثلي العمال على قناعة تامة بأهمية تطبيق نظام الحد الأدنى للأجور.
وكان قد تم إقرار الحد الأدنى للأجور لأول مرة في فلسطين بقرار صادر من مجلس الوزراء برقم (11) لسنة 2012، بهدف اعتماد وتطبيق الحد الأدنى للأجور في جميع مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، وتم في حينه تحديد الحد الأدنى للأجور (1450) شيكلاً شهرياً، أو (65 ) شيكلاً يومياً، أو(8.5 ) شيكل لساعة العمل.
وهنا يثور التساؤل: هل الحد الأدنى للأجور بقيمته القديمة مطبق حتى يتم رفعة بنسبة 33%؟
وهذا على الرغم من عدم تناسب الحد الأدنى للأجور القديم والجديد مع مستوى المعيشة المرتفع في فلسطين، وهو أقل من خط الفقر الوطني في فلسطين الذي يبلغ تقريباً 2470 شيكلاً شهرياً، ويجب أن نقر بأن الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها كل من الضفة الغربية وقطاع غزة صعبة ومأساوية في ظل القيود المفروضة من الجانب الإسرائيلي على حرية حركة البضائع والأفراد وتكاليف النقل المرتفعة، والحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من أربعة عشر عاماً والحروب التي تعرض لها وما خلفته من دمار هائل في المنشآت الاقتصادية، بالإضافة إلى ما يعانيه الاقتصاد الفلسطيني بسبب جائحة كورونا والقيود التي فرضت على كافة الأنشطة الاقتصادية وأدت إلى انخفاض إنتاجيتها.
كل هذا أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة في فلسطين بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني، حيث شهد عام 2020 ارتفاعاً حاداً في معدلات البطالة في فلسطين، حيث وصلت إلى 27%، وبلغ عدد العاطلين عن العمل في فلسطين 321 ألف شخص، منهم حوالي 118 ألف شخص في الضفة الغربية وحوالي 203 آلاف شخص في قطاع غزة، وما يزال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغ المعدل 49% في قطاع غزة مقابل 15% في الضفة الغربية، وبحسب البنك الدولي فإن معدلات البطالة في قطاع غزة تعتبر الأعلى عالمياً، وبلغ معدل البطالة بين الأفراد 20-29 سنة الحاصلين على مؤهل دبلوم متوسط أو بكالوريوس خلال عام 2020 حوالي 53% في فلسطين، بواقع 35% في الضفة الغربية و 72% في قطاع غزة.
وهنا لا بد من التساؤل: هل الحديث مُجدٍ عن رفع قيمة الحد الأدنى للأجور في ظل ما يعانيه الاقتصاد الفلسطيني من أزمات وتراجع حاد؟، في اعتقادي أنه من الأجدر الحديث عن حلول ووضع خطط لتخفيض نسب البطالة المرتفعة من خلال مشاريع مستدامة وفتح الأسواق العربية أمام العمالة الفلسطينية، وبعد ذلك يتم الحديث عن تطبيق الحد الأدنى للأجور.
إن تطبيق الحد الأدنى للأجور في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، سوف يؤثر بالسلب على المنشآت الصغيرة والمتوسطة والتي تشكل ما يزيد على 90% من القطاع الخاص الفلسطيني، حيث إن هذه المنشآت لا يوجد لديها القدرة الفعلية لتطبيق مثل هذه السياسات في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية.
هذا بالإضافة إلى أن تطبيق الحد الأدنى للأجور سوف يؤدي إلى زيادة نسبة البطالة والفقر نتيجة استغناء أصحاب العمل عن بعض العاملين من غير المهرة أو الذين لا يشكلون أهمية في العملية الإنتاجية، كما سوف يؤثر بالسلب على توظيف الخريجين الجدد وفئة الشباب التي تعاني من نسبة بطالة مرتفعة ولن يكونوا قادرين على الحصول على فرص عمل بسهولة.
كما أن تطبيق الحد الأدنى للأجور سوف يؤدي إلى زيادة في تكاليف الإنتاج والخدمات، والتي تشكل أجور العاملين فيها ما نسبته من 20% إلى 30% من التكلفة الكلية للإنتاج، ما سوف يساهم في انخفاض القدرة التنافسية للمنتجات الفلسطينية التي تعاني كثيراً من القيود والإجراءات الإسرائيلية.
ونستخلص من ذلك بأن تطبيق الحد الأدنى للأجور يتطلب عقد العديد من ورش العمل واللقاءات بين كافة الأطراف ذات العلاقة، والممثلة بالحكومة وأصحاب العمل وممثلي العمال لدراسة كافة النواحي الإيجابية والسلبية والتوافق على الآليات المتعلقة بذلك لضمان تطبيق عادل، واستقرار علاقات العمل، وتحقيق الشراكة الاجتماعية والتزام تام من كافة أطراف العلاقة بالتطبيق على أرض الواقع، كما يجب مراعاة التباين في مستوى المعيشة حسب المناطق الجغرافية، والتباين في نمو القطاعات الاقتصادية المختلفة، مع دراسة إمكانية تطبيق الحد الأدنى للأجور على مراحل أو بشكل جزئي، بحيث يبدأ تطبيقه على حسب مهارة وخبرة وسنوات الخدمة الخاصة بالعامل، مع التأكيد على أن فرض حد أدنى للأجور بشكل متوازن ومعقول سوف يساهم في تطبيقه بالشكل المطلوب.

ما وراء حسن النية بين ترامب وحماس؟

الإفراج عن عيدان..هل من انفراجة توقف الإبادة؟

ثلاث سنوات على اغتيال شيرين أبو عاقلة: العدالة غائبة والمعايير المزدوجة فاضحة

الحذر من تجزئة القضية وتعدد مسارات التفاوض

العالم محتل وفلسطين وحدها تقاوم

إصلاح حال بال المراهقين/ المراهقات

تشي جين بينغ… صوت الشرق الهادر يعلنها لا لسرقة النصر ولا لبعث الاستعمار بثياب ناعمة أو بني...
