كم بقي من الوقت لنشاهد إرهابا منظما ضد العرب والمسلمين؟
مقالات

كم بقي من الوقت لنشاهد إرهابا منظما ضد العرب والمسلمين؟

ربما لم يعد أمامنا وقت طويل في انتظار الإرهاب "الأبيض" المنظّم.

في باريس، وبالقرب من برج إيفل، تعرّضت مجموعة من الفرنسيات والأطفال من أصل جزائري لهجوم من قبل سيدتين "بمظهر أوروبي". أولا، أطلقت المهاجمتان كلابهما على النساء العربيات، ثم شرعتا في الهجوم عليهن بالسكاكين، وهما تهتفان "العرب القذرون"، "عودوا لدياركم". النتيجة، أصيبت المرأتان، بما في ذلك جرح مخترق للرئة.

نذكر جميعا العمل الإرهابي، الذي ارتكبه القومي النرويجي والأصولي المسيحي، أندرس بريفيك، في دولة النرويج المزدهرة الهادئة، فتسبب في مقتل 77 شخصا، وإصابة 151 آخرين بجروح.

كذلك نذكر الهجوم الإرهابي في "كرايست تشيرتش" بنيوزيلندا، حينما اقتحم المتعصب الأبيض، برينتون تارانت، مسجدا ومركزا إسلاميا وقتل 51 شخصا، وجرح 49 آخرين.

تحمل الهجمات الثلاث فيما بينهم عاملين مشتركين بالإضافة لكونها موجهة ضد المهاجرين والمسلمين، وهما أن تلك الهجمات قد وقعت أولا في دول غربية مزدهرة ومتسامحة ظاهريا، وتتصدر جميع معايير جودة الحياة، وثانيا أن تلك العمليات الإرهابية نفذت من قبل "ذئاب منفردة"، لا تنتمي لأي تنظيمات أو مجموعات.

علينا أن ندرك أن الهدوء والتسامح العرقي والديني في الغرب مجرد إعلانات وشعارات فارغة من المضمون من نواح كثيرة، وليس سوى واجهة تخفي الاحتكاك المرير والكراهية بين مختلف الجماعات العرقية والدينية تجاه بعضها البعض.

وعلى الرغم من أن الدولة تبذل قصارى جهدها لقمع هذه الكراهية والاحتكاك من أجل الحفاظ على وجودها، ولا تسمح بنشوء منظمات عنصرية علنية، وعلى الرغم من أن الصحفيين والسياسيين يكررون ليل نهار تعويذات التسامح يوميا، وتلقي الدولة بكل ثقلها الدعائي على السكان سعيا لتقليل النزاعات بين الأعراق والأديان، إلا أن كل هذه الجهود غير مجدية. فتزداد شعبية الأحزاب اليمينية في أوروبا، وليس انتخاب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلا نتيجة لذلك.

إن العالم يدخل حقبة تحمل معها ربما أكبر أزمة اقتصادية في تاريخ الحضارة الإنسانية، ومن الواضح أن التدهور الشديد في مستويات المعيشة سيؤدي إلى مزيد من تفاقم الصراع بين المجتمعات المختلفة من أجل مكان تحت الشمس إلى أقصى حدوده.

في الوقت نفسه، يؤدي الانكماش الديموغرافي في مجتمعات الحضارة الأوروبية، والتدفق المستمر للمهاجرين إلى هذه المجتمعات إلى إنقسامها على أسس عرقية ودينية.

والإرهاب هو دائما سلاح الضعيف، الذي يعجز عن ترسيخ إرادته أو الدفاع عن مصالحه بأساليب أكثر تحضرا.

في البلدان الغربية، تجد الحكومات نفسها بين مطرقة التوجهات الديموغرافية الموضوعية، التي تجعل من نمو عنصر "غريب" أمرا لا مفر منه، بل ومحبذ للحفاظ على النمو الاقتصادي، وبين سندان تقليل السخط الناشئ من اعتراض السكان البيض المسنّين على هذه التوجهات.

وإذا كانت الأساليب المستخدمة من الدعاية أو الحظر أو القمع القسري تتعامل مع تلك الظواهر على مستوى المجتمع بأسره، فإن الاحتجاج يمتد ليطال الأفراد القادرين، بحكم إمكانياتهم وقدراتهم العقلية وأيديولوجياتهم، على ارتكاب أعمال إرهابية على غرار ما ذكرناه آنفا.

ماذا بعد؟

أخشى أن الوضع الاقتصادي المتدهور لن يترك أمام المجتمعات الغربية سوى خيارين: فإما صعود اليمين المتطرف إلى السلطة، وما يتبعه من إقامة نظام الفصل العنصري، والهجوم على حقوق غير البيض. أو محاولة الحفاظ على السياسة القائمة على التعددية الثقافية والتسامح، والتي ستتعرض للهجوم بشكل متزايد من جميع الأطراف مع تفاقم الأزمة، برفقة النمو الحتمي لـ "الإرهاب الأبيض".

في أوروبا، وعلى الرغم من كل القصص المرعبة لليمين حول حتمية الخلافة الإسلامية الأوروبية، فإن نسبة البيض لا تزال مرتفعة للغاية، 70-80% أو أكثر. بالإضافة إلى ذلك، تحول الأوروبيون تاريخيا إلى العنصرية والنازية أكثر من مرة، وأعتقد أن احتمالات نتيجة كتلك مرتفعة هذه المرة. يعني ذلك أنه من غير المستبعد لأوروبا الانتقال من التعددية الثقافية إلى العنصرية والنازية من خلال الانتخابات، كما حدث في صعود هتلر. الأمر الذي من شأنه أن يجعل الإرهاب الفردي غير ضروري من وجهة نظر المتطرفين اليمينيين.

لكن الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية مختلف تماما. هناك، انتهى عصر هيمنة البيض، وفي غضون عقدين من الزمان، سيصبح البيض أقلية في الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، فمن بين الأمريكيين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما، يمثل البيض فعليا أقلية في اللحظة الراهنة، وهو الأمر الذي ألقى بظلاله على حركة "حياة السود مهمة" Black Lives Matter. لذلك فربما يصبح ترامب أو بايدن آخر رئيس أمريكي أبيض.

يعني ذلك أيضا أن الوضع ميؤوس منه تماما بالنسبة للبيض في أمريكا، فليس لديهم فرصة للحفاظ على هيمنتهم على المجتمع على المدى الطويل. وإذا خسر ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فسيبدأ الهجوم على الهيمنة البيضاء الآن، أما إذا فاز ترامب، فسيكون مصير الولايات المتحدة الأمريكية أصلا موضع تساؤل، ولن يؤدي ذلك سوى إلى تأجيل فقدان السكان البيض للهيمنة لبضع سنوات لا أكثر.

إن الانقسامات بين الجماعات العرقية في الولايات المتحدة الأمريكية آخذة في الارتفاع بالفعل، ولن يزداد الوضع إلا سوءا. في الوقت نفسه، ومع فقدان البيض للسلطة قريبا، وضعفهم، وكبريائهم الجريح وعجزهم عن تغيير أي شيء على المستوى السياسي وبالأساليب السياسية، أعتقد أن السنوات القادمة سوف تحمل ازدهارا للإرهاب الفردي ضد المهاجرين، وبخاصة المسلمين، في الغرب، وقبل كل شيء في الولايات المتحدة الأمريكية. بل من المحتمل أن يتم إعادة إنشاء "كو كلوكس كلان" Ku Klux Klan (أحد أشهر المجموعات العرقية المتطرفة التي تدعو إلى سيادة البيض وتهاجم الأقليات العرقية)، وستظهر مجتمعات إرهابية منظمة جديدة.

أعيد التذكير بأن الهجوم الإرهابي في نيوزيلندا ارتكبه مواطن استرالي، لذلك أعتقد أنه من غير المرجح أن يحصر الإرهابيون البيض أنفسهم مستقبلا على أراضي بلادهم.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.