أسلحة بأيدي جَهَلة .. ولا قانون يردعهم!
رئيس التحرير

أسلحة بأيدي جَهَلة .. ولا قانون يردعهم!

كتب رئيس التحرير: لا يُمكن وصف انتشار السلاح في الأراضي الفلسطينية أنه بالظاهرة الجديدة، فهي ظاهرة قديمة قِدم الاستعمار والاحتلال الإسرائيلي، لكن ما يثير القلق هذه الأيام هو طريقة استخدام هذا السلاح وأهدافه والأيادي التي تحمله.

بات أتفه شجار أو عراك فرصة لإخراج هذا السلاح من مخبئه، كل فرح وتخرُج وزفاف ومأتم أماكن خصبة لوجود هذا السلاح، مع غياب كامل لقوة رادعة من السلطة التنفيذية والقضائية (التشريعية متوفاة إلى حين أن يُنفخ فيها روح جديدة).

لا أمن ولا أمان للناس حتى في منازلهم، بعض ضحايا السلاح العبثي قُتِلوا في منازلهم من رصاص طائش. 

لم تترك الأمثال شيئاً إلا وقالته، وفي هذا السياق، قال أجدادنا: "السلاح بإيد الجاهل بعوّر"، وفعلاً يحدث يومياً ما قاله أجدادنا، فالجهلة الذين يحملون أسلحة بعشرات آلاف الشواقل يقتلون أقربائهم واصدقائهم وخصومهم، حتى البقر في الخليل لم يسلم من حفنة الجهلة الذين يحملون الأسلحة.

يقول علماء السياسة إن الدولة هي التي تحتكر استخدام القوة، لكن في واقعنا يبدو أن لكل جماعة دولة، فالسلاح لم يعد حكراً على الدولة، بل إن الدولة لم تستطع حتى الآن كبح جماح تمدد وانتشار حيازة السلاح غير الشرعي.

يتساءل كثيرون: أين يختفي هذا السلاح عند اقتحام الاحتلال لمنازلنا ومساجدنا وأحيائنا؟ أين يختفي المسلحون حين يُعدم الإسرائيليون بناتنا على الحواجز وأطفالنا وهم في أحضان أمهاتهم؟

بعض المحللين قالوا إن إسرائيل تسمح بدخول هذا السلاح من السوق الإسرائيلية إلى الفلسطينية بهدف الإعداد لحرب أهلية أو لاقتتال داخلي كما حدث في غزة، وهي تعلم علم اليقين من هي الأيادي التي تحمل تلك البنادق وكمية الرصاص، والأرقام المتسلسلة لكل قطعة.

من بين الأسباب التي تدفع إسرائيل لضخ السلاح في قنوات تعرفها وتضمنها هو الإعداد والتحشيد لصراع فلسطيني- فلسطيني في حال غياب الرئيس ابو مازن، حيث يتسلح الطامحون بكميات تحدثت عنها تقارير مختلفة.

زاوية أخرى تثير القلق في هذا الجانب وهو خروج مسلحين بشكل متكرر لإطلاق النار في الهواء في عدة مناسبات تحت أعين أجهزة الأمن الفلسطيني، دون أن يحرك الأمن ساكناً!!

بعض تجار السلاح ومن يملكون الأسلحة يستخدمونها كتجارة، حيث تدار الأمور عبر مافيات مرتبطة بمتنفذين هنا وهناك، علماً ان الأجهزة الأمنية وخلال السنوات السابقة كانت تصادر وفق الناطق باسم الشرطة بين 600 الى 1000 قطعة سلاح دون ان يخفف ذلك من كمية انتشارها، ما يدل على أن جهات قوية تقف خلف الأمر، علماً أن قطعة السلاح الكبيرة تصل لأكثر من 60 ألف شيكل والمسدس لأكثر 30 الف شيكل، والغريب ان هذه الأسلحة تجدها بيد من لا يملكون قوت يومهم.

شخصيات وقيادات وعائلات معروفة تقوم بشكل علني بشراء الأسلحة دون اتخاذ اجراءات رادعة بحقهم، وهذا عمل متراكم في ظل الحكومات المختلفة.

السلطة الوطنية وفِي السابق شكلت لجنة أمنية خاصة بمسألة السلاح، واعتقلت العديد من حملتِه ولم يكن احد يستطيع اخراج أي متهم إلا بقرار من رئيس الوزراء أو الرئيس، ما ساهم بتقليل نسبة انتشار السلاح، لكن هذه النسبة عادت للارتفاع مجدداً، وبشكل أكبر.

ان انتشار هذا السلاح يهدد السلم الأمني وفق تقارير صدرت عن مؤسسات حقوق الإنسان، ويهدد مستقبل الدولة الفلسطينية، كما يدفع لانتشار الثارات بين العائلات.

لا نريد أن يصل حالنا إلى ما وصلت إليه بعض المناطق في الداخل المحتل، والتي ينتشر فيها السلاح والقتل كالأرُز، فمنذ عام 2000، قتل أكثر من 1350 عربيا في أراضي 48، وفي عام 2018 قتل 75 عربيا منهم 14 امرأة.

إن إنهاء هذه الظاهرة واجب ملح ويقع على عاتق الحكومة والقيادة والسياسيين والمجتمع المدني والشعب، من خلال عدة خطوات، منها:
أولا
: تشكيل لجنة من جميع الأجهزة الأمنية مهمتها الوحيدة جمع السلاح وإيقاع عقوبات رادعة بحق من يثبت تورطهم في حيازة سلاح غير مرخص أو إطلاق النار على الأبرياء وترويعهم.
ثانيا: خلق وعي كامل وشامل بين المواطنين والعائلات لمحاربة هذه الظاهرة.
ثالثا: تطبيق أحكام رادعة بحق المدانين بجرائم القتل حتى لا يسمح بأخذ الثائر بشكل فردي.
رابعا: أن لا يكون القانون أو الحكم العشائري في قضايا القتل أو الجرائم الكبرى منعزلاً ومفصولاً عن قانون الدولة.
خامسا: إيقاع عقوبات رادعة بحق مطلقي النار في الأعراس والمناسبات.

مطلوب خوض معركة داخلية مع الوعي، ومكافحة انتشار السلاح و أسباب الجريمة، والضغط باتجاه فكفكة تجار وعصابات الاحتلال حتى تشعر أنها تدفع الثمن، فهم يشعرون حالياً بأن الحكومة واجهزة الأمن لا تملك الإرادة لملاحقتها.

يجب أن لا نسمح لأقلية إجرامية مأجورة جاهلة أن تغرق المجتمع بشلال دم.