عن سردياتٍ إسرائيليةٍ نقيضة للرسمية
مقالات

عن سردياتٍ إسرائيليةٍ نقيضة للرسمية

بالرغم من إصرار المؤسّسة السياسية في إسرائيل على أن الحرب على غزّة تسير في الاتجاه الذي يحقّق غايتها، هناك سطوة لنقيض هذا الإصرار على تحليلات عسكرية إسرائيلية وكذلك سياسية كثيرة. ولم يعد خافياً، بحسب ما ينشر في وسائل إعلام إسرائيلية، أن هناك خلافاتٍ بين المؤسستين، السياسية والعسكرية، تجلّت، على سبيل المثال، في كل ما يتعلق بالتوغّل البرّي الحالي في مدينة غزّة الذي يتغيّا احتلال المدينة. ونوّه بعضها بأن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الجنرال إيال زامير، "تجادل" مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشأن هذا التوغّل حتى اللحظة الأخيرة، واستمرّ في الضغط، عبثاً، من أجل إبرام صفقة تبادل أسرى جديدة.

 

ولدى التركيز على ما يصدر عمّن يوصفون متخصّصين في الشؤون الفلسطينية، فإن نقضهم السردية الإسرائيلية الرسمية لا يتعلق فقط بمجريات الحرب على غزّة وما آلت إليه، بل يتعدّى ذلك إلى استشراف ما سينتج منها، وكذلك ما يمكن أن تتسبّب به الإجراءات التي تلجأ إسرائيل إليها للرد على تواتر اعتراف العالم بالدولة الفلسطينية. وهو ما يستلزم وقفة سريعة.

أولاً، فيما يخصّ آخر التحرّكات العسكرية الإسرائيلية في إطار الحرب على غزّة يؤكد معظم هؤلاء المتخصّصين أن غاية القضاء على حركة حماس ليست واقعية، وأن الصراع معها لا نهاية له. ومثلما كتب أحدهم حرفياً (المستشرق إيال زيسر): لا استسلام من "حماس" سيأتي، ولا راية بيضاء ستُرفع. لا للشعارات الفضفاضة التي لا يمكن تنفيذها، بل المطلوب أهداف واضحة ومحدّدة.

وعلى الصعيد السياسي، تتلخّص مقاربة أغلب هؤلاء المتخصصين، من ناحية جوهرية، في ما يلي: تسبّب هجوم "طوفان الأقصى" بانهيار أهم أساس في المفهوم الذي كانت تتبناه إسرائيل حيال القضية الفلسطينية، وتولى نتنياهو ترسيخه، وهو يستند إلى الاعتقاد بأن هناك إمكانات مفتوحة على وسعها لتحقيق تطبيع مع العالم العربي، من دون تسوية القضية الفلسطينية، باعتبار أن العالم ما عاد مهتماً بالفلسطينيين. ولذا لا ضرورة لاتخاذ قرارات حاسمة، بل تكفي "إدارة الصراع" والسعي إلى "سلام اقتصادي" غايةً قصوى.

وقد ارتأى مستشرق إسرائيلي آخر (ميخائيل ميلشتاين) أن يركّز على ما يجري في الضفة الغربية، مشيراً إلى أن ضمّ الضفة الغربية آخذ بالتحقّق، حتى من دون إعلان رسمي. وفي تقديره، سيشهد تصعيداً مع اعتراف مزيد من الدول بالدولة الفلسطينية. ومن جملة ما كشفه، وبات متداولاً، أن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، وهو وزير ثان في وزارة الأمن ومسؤول عن الاستيطان في الضفة، بات يكرّر القول إن هناك حاجة إلى "تغيير الحمض النووي للضفة الغربية" بغية الوصول إلى ما وصفها "نقطة اللاعودة التي لن تسمح بالفصل بين الشعبين"، بمعنى لن تتيح إمكان إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.

وكشف هذا المستشرق المطلع أنه عُرضت أخيراً خطة عمل مفصّلة لتحقيق هذا التصوّر، تتماشى مع "خطّة الحسم" التي نشرها سموتريتش في 2017، وهي تنصّ على: ضمّ 82% من الضفة الغربية (بما في ذلك قلقيلية وبيت لحم)، وإيجاد جيوب فلسطينية على شاكلة "البانتوستانات" التي أقامها نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا.

ولعل من الأهمية بمكان أن يُشار أخيراً إلى أن السواد الأعظم من هؤلاء المتخصّصين، وإلى جانبهم عدة محللين سياسيين، يعتبرون أن ردّة فعل أكثر صرامة من العالم العربي في مقدورها أن تكون مؤثرة. وإذا لم يكن مثل هذا التأثير متيسراً فيما يتعلّق بنتنياهو، ينبغي توجيه الضغط في اتجاه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي يبدو كأنه الوحيد القادر على وقف الحكومة الإسرائيلية، فهو الذي أجبر على تجميد خطة الضم عام 2020 في مقابل "اتفاقيات أبراهام"، وهو الذي فرض توقيع اتفاق وقف إطلاق النار السابق، وهو الذي يسمح باستمرار الحرب حاليا، ولا توجد مؤشّرات إلى أنه يمارس ضغطاً على إسرائيل لا في غزّة، ولا في الضفة.

 

 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.