مخططان لتقسيم الأمة: نافو وينون والواقع العربي اليوم
مقالات

مخططان لتقسيم الأمة: نافو وينون والواقع العربي اليوم

منذ قيام الكيان الإسرائيلي الغاصب لم يتوقف العقل الاستراتيجي هناك عن رسم خرائطه بعناية لضمان التفوق والاستمرار على حساب شعوب المنطقة  منذ خمسينيات القرن الماضي ظهر ما يُعرف في التحليلات العربية بـ”مخطط نافو” ثم جاءت الثمانينيات لتكشف رؤية أكثر عمقاً وخطورة سُميت بمخطط ينون واليوم حين ننظر لواقعنا العربي ندرك أن تلك الأوراق لم تبقَ حبراً على ورق بل تحولت إلى وقائع نعيشها يومياً .

يغال نافو مسؤول استراتيجي إسرائيلي في خمسينيات القرن الماضي ركّز على الاحتلال المباشر بالقوة والسيطرة على أراض استراتيجية مثل سيناء ،الضفة الغربية، الجولان، وجنوب لبنان، مع تهجير السكان الأصليين واستبدالهم بالمستوطنين هدفه الأساسي كان تأمين التفوق العسكري والسيطرة الإقليمية المباشرة لإسرائيل.

الدبلوماسي الإسرائيلي عوديد ينون كتب مخططه عام 1982 وكان أعمق وأكثر استراتيجية من نافو ركّز على تفكيك الدول العربية داخلياً من خلال استغلال الانقسامات الطائفية والعرقية وتحويل الدول الكبرى إلى دويلات ضعيفة متناحرة بحيث تصبح المنطقة سهلة الإدارة والسيطرة دون الحاجة للاحتلال المباشر هدفه كان إدارة الفوضى والحفاظ على الهيمنة الإسرائيلية طويلة المدى

مخطط نافو كان يقوم على الاحتلال المباشر بالقوة بالسيطرة على سيناء والضفة الغربية والجولان وامتداداً إلى جنوب لبنان مع تهجير السكان الأصليين واستبدالهم بمستوطنين وقد تحقق بعض هذا المخطط: ضم الجولان وتوسيع الاستيطان في الضفة والسيطرة على جنوب لبنان لفترة من الزمن بينما كانت سيناء الاستثناء نتيجة الاتفاقيات الدولية التي أجبرت الاحتلال على الانسحاب.

أما مخطط ينون فكان أعمق وأكثر خبثاً لم يعد الهدف مجرد السيطرة العسكرية بل تفتيت الدول العربية الكبرى من الداخل و تحويلها إلى دويلات ضعيفة متناحرة لا قدرة لها على مواجهة إسرائيل العراق قُسّم إلى مناطق كردية وشيعية وسنية وسوريا ولبنان تتقاسمها الدويلات الطائفية والعرقية ومصر أُضعفت داخلياً بينما أصبح الأردن هدفاً و جعله وطناً بديلاً  للفلسطينيين هنا لم يعد الاحتلال المباشر هو الهدف بل إدارة الفوضى وإبقاء المنطقة مشتعلة بالانقسامات .

وإذا نظرنا إلى واقع اليوم نرى هذه المخططات تتجلى أمام أعيننا: في سوريا الجنوب مشتعِل بالصراعات المحلية الشمال الشرقي شبه مستقل كردياً والساحل وجبل الشيخ يشهدان تدخلات إسرائيلية مباشرة و لبنان يعاني أزمة اقتصادية خانقة وضغوطاً سياسية و ابتزاز من الامريكيين و أدواتهم مع محاولات لإشعال الفتنة الطائفية التي بدات مظاهرها من خلال قرارات نزع السلاح ليصبح أرضاً سهلة للاختراق و العراق مقسّم فعلياً بين مكوناته وليبيا غارقة  في صراعات طويلة الأمد و اليمن يتم تدميره و تفتيته أيضا بصراع طائفي و تعزز الانقسام بين الشمال والجنوب والشرق والغرب.

إن المقارنة بين المخططين واضحة: نافو يساوي الاحتلال المباشر بالقوة و ينون يعني التفكيك الداخلي والصراعات الطائفية و الهدف في الحالتين واحد: ضمان التفوق الإسرائيلي واستغلال ضعف الأمة العربية وصولا للمشروع الصهيوني و تحقيق حلمهم بإسرائيل الكبرى و ما تحقق من نافو في الجولان والضفة وجنوب لبنان يقابله اليوم تطبيق واضح لأسس ينون في سوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا.

ما نراه اليوم ليس صدفة ولا أحداثاً عابرة بل حلقات من مشروع استراتيجي قديم–جديد يعمل على تفتيت الأمة وتمزيقها و سوريا مهددة بالتحول إلى كيانات متفرقة و لبنان على شفير الانفجار و العراق واليمن وليبيا غارقة في الانقسامات و الفقر و الحروب الداخلية وبقية الوطن العربي لا يزال معرضاً لخطر الاستغلال والانقسام.

الوعي بهذه المخططات هو سلاحنا الأول فمعرفة التاريخ وفهم أدوات التفكيك وتمييز القوى المستغلة لأزماتنا الداخلية هي الخطوة الأولى لإفشال هذه المشاريع.

ولأن مواجهة هذه المخططات تتطلب أكثر من مجرد وعي يجب على الأمة العربية أن تعزز وحدتها الداخلية وتقوي مؤسساتها وتطور قوانينها لتكون الدولة صامدة أمام أي محاولات للتفتيت و الابتزاز و عليها أيضاً أن تنسّق جهودها عربياً سياسياً واقتصادياً وتمكّن الشباب والمجتمع المدني ليكونوا قوة فاعلة ضد الانقسامات وأن تراقب المخططات الخارجية بعين يقظة لتتمكن من حماية أرضها وشعبها واستعادة قوتها وكرامتها.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.