إتق شر من أحسنت إليه  
مقالات

إتق شر من أحسنت إليه  

كان الرجل يجلس على الأرض مساء ويضع   كومة صغيرة من  السكر   وفجأة يصل النمل في طابور زاحفا نحو السكر وأستمر الحال طويلا الى ان نفذ السكر ولم يعد النمل يأتي زاحفا اليه.أذكر هذا  كملخص لقصة  قصيرة    وردت في زاوية من عدة عدة فقرات كنا ننشرها لكتاب على الصفحة الأخيرة في القبس الكويتية في الثمانينات   . اعدت قراءة الفقرة النملية  المكتوبة على ورق صغير الحجم أخضر يميل الزرقة او العكس    قبل النشر  عدة مرات حيث كنت أتولى مسؤولية   سكرتير التحرير  في القبس    فالكاتبة هي الدكتورة سعاد   الصباح زوجة الراحل    الشيخ عبد الله المبارك مؤسس المؤسسات الحديثة  ونائب الحاكم في الكويت  ، كرهه الانجليز   بعد ان كان الرجل القوي في   الخمسينات ورفض ان يكون في صراع مع ابناء عمومته على الحكم واكتفى بالإبتعاد وظل وفيا لوطنه وكان شعوره القومي الوحدوي من أسباب كره الإنجليز له فظننت ان الكاتبة    تقصد من كانوا يتحلقون حوله ويضع لهم السكر ولما نفذ ارفضوا من حوله . فترددت كثيرا في نشر الفقرة النملية ثم دفعت بها الى المطبعة وكنت أتوقع أن تثير ضجة ادفع ثمنها وظيفتي  لكنها مرت بسلام. خطرت القصة النملية في خاطري قبل أيام وأنا اتفقد اشجاري حيث لاحظت وجود أوراق ذابلة على شجيرة تين والأغصان تم قضم قشرها من   احد القوارض وبعض الثمار الفجة ايضا اختفى قشرها تعجبت من المشهد  ثم بحثت بين الأغصان لأجد صرصورا سبق ان رأيته ليلا وأنا في ساحة بيتي الخارجية  ،كان كبيرا وليسا كالصرصور الحفار فذاك اسود منقط بالابيض واصغر حجما  بينما الصرصور الجديد رمادي طويل الشاربين    يشبه طائرة مسيرة صغيرة الحجم  اشأ قتله فانا اشفق على الحشرات والحيوانات فأزحته بقدمي بعيدا وبعد دقائق عاد زاحفا فكشفته احدى قططي    التي تنظف حول البيت والحقل من الزواحف والعقارب والأفاعي  واستعدت لمهاجمته فاطلق صوتا كالأزيز يشبه ازيز طائرة الاستطلاع الاحتلالية المسمامة الزنانة  فأربك القطة  فأمسكته ورميته بعيدا وبعد فترة عاد طائرا  وحط امامي فأمسكته واطلقته بعيدا حماية له من القطط. فقلت في نفسي هذا الصرصور الذي اشفقت عليه يتلف شجرتي النادرة المحببة التي انتشلتها من عالم النسيان قبل اربعين سنة واعدت انتاج اشجارمنها  ووزعتها  . كان صحيحا  ما سمعته منذ الطفولة على لسان يوسف العبد وعرسان العشوة وهما رجلان من القرية وكنا صغارا نلهو على البيدر وكنت في حينه في الصف الثالث أوالرابع وكان الرجلان مارين وسمعت يوسف وهو مغترب في المانيا يقول لصاحبه عرسان مثلما قلت لك إتق شر من أحسنت اليه . ظلت هذه العبارة او المثل تدور في مخيلتي طويلا على مدى سنوات حتى مرت كمثل في كتاب اللغة العربية ولكني لم افهمها وكنت اتساءل كيف أحسن الى شخص ثم اتقي شره! كبرنا وأكلتنا الحياة والعمل واكتشفنا أن من تحسن اليه وتشفق عليه هو من يطعنك وعندما تتذكر كثيرا منها تشعر بالعجزوالندم فانت ضحيت احيانا بوظيفتك لمساعدة آخرين  ورغم التجارب المؤسفة         فأنت كحمار تواصل السعي لمن يطلب مساعدتك  وتجتهد في مساعدته وتضحي بالجهد والمال فتجده بعد حين وقد انقلب عدوا لك     ويكيد لك او يسخر منك لأنك ساعدته  . حتى هذه الحشرة التي احسنت اليها وجدتها مثلهم او كالسلاحف الصغيرة التي كنت التقطها في طريق عودتي من رام الله الى القرية يوميا في فصل الربيع خشية ان تدوسها السيارات وهي تقطع الشارع  انقلبت علي فقد كنت أجمعها والقيها في حقلي وعندما صرت أزرع حقلي بالخضار كنت أجد ثمار الخيار الفقوس والخيار والشمام والبندورة  وقد قضمها حيوان ما ومرت سنين على ذلك وأنا أبحث عن السبب والوم الخنازير البرية الصغيرة التي يمكنها التسلل من سياج الحقل وأحيانا الأرنب  الصخري  المسمى الوبر الذي يعيش بين الصخور  اسفل بيتي ، ثم كانت المفاجاة انها السلاحف التي التقطها من الطرق حفاظا عليها تعيد لي  الإحسان بالضرر  وتتلف مزروعاتي فصرت ابحث عنها وابعدهل عن حقلي ، حتى الثعلب البري الذي يأتيني  كل مساء فيأكل بقايا ما تركته قططي ويشرب الماء وعندما اقترب منه لتصويره يهرب  وسردت ذلك على صديق فقال ان الثعلب يأتيه ويقيل  تحت شجرة ولا يهرب فسألته وهل تطعمه! فقال لا فقلت لا تحسن اليه فقد يهجرك لأنه يأتيك على أمل ان تطعمه  كما النمل فقال وما قصة النمل !قلت انها قصة   لن تفهمها. أمسكت بالصرصور فأطلق ازيزه لإخافتي لكني أبيت ان اشفق عليه هذه المرة  وقضيت عليه وقلت في نفسي لن اشفق بعد الآن على احد حان الوقت لأشفق على نفسي فقط  فكل المحن التي ألمت بي لم يشفق فيها علي أحد إلا من يسره الله برحمته   ونعم بالله.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.