
روسيا وأمريكا: صراع القوى في الشرق الأوسط وتداعياته على المستقبل
في العقود الأخيرة، كانت الولايات المتحدة القوة العظمى المهيمنة في الشرق الأوسط، حيث استخدمت قوتها العسكرية والاقتصادية لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، وعلى رأسها السيطرة على النفط والموارد الطبيعية، وضمان تفوق إسرائيل ، لكن المشهد اليوم يشهد تحولات جوهرية، حيث تصاعد نفوذ قوى دولية مثل روسيا والصين، مما جعل الهيمنة الأمريكية تواجه تحديات غير مسبوقة، خاصة في ظل عودة دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة.
الانسحاب الروسي من سوريا: فخ أم إعادة تموضع؟
منذ اندلاع الأزمة السورية، لعبت روسيا دورًا حاسماً في دعم النظام السوري عسكرياً وسياسياً ، لكن في اللحظات الأخيرة من الحرب، لم تقدم موسكو دعمً حاسماً للنظام، وبدأت في سحب قواتها بشكل تدريجي ، هذا الانسحاب ترك واشنطن وحيدة في المستنقع السوري، حيث باتت مسؤولة بشكل مباشر عن مواجهة تعقيدات المشهد، من التنظيمات المسلحة إلى النفوذ الإيراني والتركي.
السؤال هنا: هل كان هذا الانسحاب الروسي خطوة طبيعية، أم أنه فخ ذكي نصبته موسكو لواشنطن؟ التاريخ يشير إلى أن روسيا تتبنى استراتيجيات طويلة المدى، وتعرف متى تتدخل ومتى تنسحب، مما يجعل احتمالية نصبها فخاً استراتيجياً للولايات المتحدة واردة جدا .
غزة والعراق ولبنان: شراكة أمريكا وإسرائيل في جرائم الحرب
لم يعد دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يقتصر على الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل، بل أصبح تدخلاً مباشراً في الجرائم التي ترتكبها تل أبيب ، في غزة، لم تكن أمريكا مجرد داعم لإسرائيل، بل شريكاً في الحرب والإبادة الجماعية، حيث زوّدت الاحتلال بالسلاح والتمويل المباشر.
أما في لبنان، فقد وقفت واشنطن خلف العدوان الإسرائيلي على بيروت في عامي 2006 و2023، مما أسفر عن مجازر جماعية بحق المدنيين ، وفي العراق، لا تزال تداعيات الغزو الأمريكي عام 2003 تمزق البلاد، حيث دعمت واشنطن ميليشيات وكيانات أدت إلى تفتيت العراق وزيادة الصراعات الطائفية و تكررها في سوريا .
الولايات المتحدة وسوريا: حرب إبادة طائفية جديدة
لم تقتصر الكوارث الأمريكية على فلسطين ولبنان، بل امتدت إلى سوريا، حيث لعبت دوراً رئيسياً في تفكيك الدولة السورية ،اليوم تتحمل واشنطن مسؤولية دعم قوى داخلية ارتكبت جرائم إبادة بحق السوريين ، ضمن مخطط لتفتيت سوريا على أسس طائفية وعرقية، وهو ما يضاف إلى سجلها الأسود في المنطقة.
الولايات المتحدة والقضية الفلسطينية: زوال وهم “الوسيط النزيه”
لم يعد هناك شك في أن أمريكا لم تكن يوماً وسيطا نزيهاً في القضية الفلسطينية، بل كانت شريكاً كاملاً لإسرائيل في ترسيخ الاحتلال وارتكاب الجرائم ، من استخدام الفيتو ضد الاعتراف بدولة فلسطين، إلى تمويل الاستيطان، وفرض مشاريع وهمية مثل “صفقة القرن”، بات واضحاً أن واشنطن لا تسعى لأي حل عادل، بل تعمل على تصفية القضية الفلسطينية بالكامل.
الإرهاب: صناعة أمريكية لتمزيق الشرق الأوسط
لم يعد سرًا أن الولايات المتحدة لعبت دوراً مركزياً في صناعة التنظيمات الإرهابية. بل إن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب اعترف علنًا في ولايته السابقة بأن إدارة أوباما شكلت ومولت داعش ، علاوة على ذلك، فإن العديد من قادة الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق كانوا على صلة مباشرة بالولايات المتحدة، التي استخدمتهم كأداة لإضعاف دول المنطقة وتمزيقها.
النفط الخليجي: حماية زائفة وهيمنة اقتصادية
لطالما زعمت واشنطن أنها تحمي دول الخليج من التهديدات الخارجية، لكن الحقيقة أن هذه الحماية لم تكن سوى غطاء لنهب الثروات ، فرضت أمريكا على الدول الخليجية شراء الأسلحة بمليارات الدولارات، رغم أن هذه الأسلحة لم تمنع أي تهديد حقيقي ضد اسرائيل و غيرها ومع تصاعد الوعي الشعبي في الخليج، تتزايد الأصوات التي تطالب بالتخلص من الهيمنة الأمريكية، وهو ما قد يؤدي إلى تحولات مستقبلية كبيرة.
بلاد الشام: مقبرة الغزاة عبر التاريخ
التاريخ يُثبت أن القوى الأجنبية التي حاولت السيطرة على الشرق الأوسط دائماً ما فشلت ، منذ معركة حطين ضد الصليبيين، وعين جالوت ضد المغول، وصولاً إلى المقاومة الفلسطينية وحركات التحرر في العراق ولبنان، لم تتمكن أي قوة خارجية من فرض هيمنتها بشكل دائم ، اليوم مع تصاعد المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي، يبدو أن واشنطن تسير نحو هزيمة أخرى في المنطقة.
الولايات المتحدة في سوريا: تكرار أخطاء فيتنام وأفغانستان
تدخل أمريكا في سوريا يشبه إلى حد كبير تجربتي فيتنام وأفغانستان ، ففي كلا الحالتين دخلت واشنطن الحرب باعتقاد أنها ستنتصر بسرعة، لكنها انتهت بكارثة عسكرية وسياسية ، في أفغانستان بعد 20 عاماً من الاحتلال، اضطرت أمريكا إلى الانسحاب المهين، وفي فيتنام، لم تنجح في القضاء على المقاومة، مما أدى إلى هزيمتها وسحب قواتها بشكل مذل ، واليوم يبدو أن واشنطن على وشك تكرار نفس الأخطاء في سوريا.
المواطن الأمريكي: وعي متزايد ضد الحروب الخارجية
مع تصاعد الأزمات الاقتصادية في الولايات المتحدة، بات المواطن الأمريكي أكثر وعياً بأن بلاده تهدر تريليونات الدولارات في حروب لا تخدم مصالحه ، الشركات العسكرية والمجمع الصناعي الحربي هم المستفيدون الحقيقيون، بينما يعاني الأمريكي العادي من التضخم والبطالة ، هذا الوعي المتزايد بدأ يؤدي إلى ضغط سياسي متزايد لوقف التدخلات العسكرية الخارجية، مما قد يُسرع بانسحاب أمريكا من الشرق الأوسط.
أمريكا على طريق الانسحاب من الشرق الأوسط
مع تصاعد المقاومة الشعبية في فلسطين وسوريا والعراق، وتراجع النفوذ الأمريكي عالمياً ، أصبح من الواضح أن واشنطن لن تستطيع الحفاظ على هيمنتها العسكرية في المنطقة ، في المقابل تتبنى روسيا والصين استراتيجيات أقل تكلفة وأكثر ذكاء، مما يجعلهما أكثر قدرة على تعزيز نفوذهما دون استنزاف موارد ضخمة.
إن التحولات الحالية تشير إلى أن زمن الهيمنة الأمريكية المطلقة على الشرق الأوسط قد انتهى، وأن مستقبل المنطقة سيكون خالياً من الاحتلال والتدخلات العسكرية الأجنبية، مع استمرار تصاعد المقاومة وتغير التوازنات الدولية.