لا أحد معني بفناء السلطة الفلسطينية.. لكن!
رئيس التحرير

لا أحد معني بفناء السلطة الفلسطينية.. لكن!

كتب رئيس التحرير: يعيش الشعب الفلسطيني في هذه الأيام أزمة مركبة، سياسية واقتصادية أثرت على كافة مناحي حياته، يرافقها انعدام للأمل والحلول سواء السياسية أو الاقتصادية، حتى بات الحديث جدياً عن "قرب فناء وانتهاء السلطة الفلسطينية".

المواطن الفلسطيني وحتى القادة  الذين يرون ان وجود السلطة لم يَعُد مقدمة لبناء الدولة وتحقيق الاستقلال في ظل وجود حكومات إسرائيلية متعاقبة أغلقت كل الأبواب لحل الدولتين بل أعدمت العملية السياسية، وشنت هجوماً لإنهاء المشروع السياسي برمته من خلال فرض حقائق على الأرض تمنع بشكل مطلق وجود دولة أخرى غير دولة الاحتلال الاسرائيلي، ومحاولة جعل السلطة أداة من أدواتها لتنفيذ مخططاتها وإعفائها من تكاليف الاحتلال وأهمها الملف الأمني الذي يكلف الاحتلال مليارات الدولارات وخسائر بشرية في حال عودة إسرائيل لاحتلال كامل الضفة الغربية.

لم يعد المواطن الفلسطيني يرى ان هناك مبرراً لوجود السلطة الفلسطينية ضمن هكذا واقع وخاصة أنه يرى عدم قدرة السلطة الفلسطينية في معالجة قضايا أساسية بسيطة اقتصادية واجتماعية وأمنية، بل يرى زيادة نسبة الفقر والبطالة وغياب العدالة والشفافية، بل وانتشار أشكال الفساد في مؤسسات الدولة، وغياب مطلق للحياة الديمقراطية ليس فقط الانتخابات التشريعية والرئاسية بل حتى الانتخابات في الاتحادات والنقابات المهنية والعمالية، وعجز السلطة عن إنهاء الانقسام وخلق بيئة وطنية وحدوية سواء بين الفصائل المختلفة أو بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى أن الأمر وصل إلى عدم وجود وحدة داخل الأحزاب الفلسطينية نفسها.

دولة الاحتلال وحكومته الحالية أعلنت جهارا أنها ستعمل على إنهاء وجود السلطة وأنها ستضيف اجراءات غير الحصار المالي والسياسي الذي تفرضه من سنوات، من خلال إعادة النظر في وجود الإدارة المدنية وتحويل تلك الدوائر لإدارات سكان تحت الاحتلال وإعطاء صلاحيات حكم ذاتي للمدن والقرى من خلال تعين رؤساء بلديات أو مجالس محلية تقدم خدمات مدنية صحية وتعليمية وفق أجندات الاحتلال، أي أن تل أبيب تسعى ودون حياء أو عمل سري إلى (فكفكة) السلطة وإنهائها.

انشغالات العالم أبعدته عن فلسطين، ومن أهمها الحرب في اوكرانيا والتي باتت تتصدر الاهتمامات، والصراع بين أمريكا وأوروبا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، والوضع الاقتصادي العالمي،  وانتشار الكوارث والأمراض مثل مرض كورونا الذي شل العالم بأسره والتي لا زالت مخلفاته تعصف بالكثير من الدول، فلم تَعُد القضية الفلسطينية ضمن أولويات الدول، وذهب الاهتمام بالملف الفلسطيني والصراع في الشرق الأوسط لصالح أوكرانيا وغيرها، وغاب الدعم السياسي للسلطة الوطنية حيث لم نعد نرى أي دور جدي لأمريكا أو أوروبا أو حتى العرب لطرح مبادرات سياسية أو دعم مالي كما كان يحصل في السابق، وكأن العالم غير معني بإنقاذ السلطة الفلسطينية من الغرق.

إن تأسيس السلطة الفلسطيني كان هدفه خلق نواة دولة، لذا فإن المطلب الشعبي هو أن تكون السطة قوية سياسياً ومالياً للوصول إلى مرحلة الدولة، وعكس ذلك فإن مشروعنا منذ عام 1994 وتضيحات الشعب في سبيل تحقيق الدولة ستكون في خطر.

إن التلويح بفناء السلطة وإنهائها قد يكون وسيلة ضغط على الاحتلال الإسرائيلي الذي سيتحمل تكاليف احتلاله، ستدفع إسرائيل أثماناً مالية وبشرية، وسيعرف العالم أن اشتعال المنطقة سببه إدارة الظهر عالميا لحق الشعب الفلسطيني.

إن المعايير المزدوجة التي تطغى على المواقف الأمريكية والأوروبية سوف تتحول لقنبلة موقوته تنفجر في وجههم بأشكال مختلفة ليعلموا حقيقة ما قاله الرئيس أبو عمار: "السلام يبدأ من فلسطين والحرب تبدأ من فلسطين".

خلاصة الأمر: تريد تل أبيب سلطة فلسطينية عاجزة وضعيفة ومنزوعة الصلاحيات، وهو موقف لن تختلف فيه مع الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية، يريدون جميعا أن تظل السلطة رجلاً مريضاً، لا يموت وفي نفس الوقت لا يصل إلى مرحلة الدولة، لأن كل هؤلاء يعلمون أن قوة السلطة معناها استحقاقات سياسية، وسير إلى الأمام في طريق الدولة.