كلمة الرئيس واستحقاقات المرحلة القادمة
مقالات

كلمة الرئيس واستحقاقات المرحلة القادمة

لقد حملت كلمة الأخ الرئيس أبو مازن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة معاني التمسك والتأكيد على ثوابت شعبنا  بالحرية والاستقلال الوطني كما وتعقيدات مراحل مسيرة كفاحة الوطني في مواجهة جرائم احتلال استعماري بشع يسعى الى تنفيذ رؤيته الصهيونية والتلمودية المزعومة في ظل عدم تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته الاخلاقية والسياسية في حماية شعبنا ورفع الظلم التاريخي الذي حل بنا منذ اكثر من سبعة عقود ونيف . 
كلمة تضمنت الوقوف عند مفاصل هذه المسيرة التاريخية منذ وعد بلفور ومرورا بقرار التقسيم وما تبع ذلك من توسع استعماري باشكال مختلفة حتى بات يسيطر اليوم على معظم أرض فلسطين التاريخية أن لم تكن جميعها في واقع الأمر .  

لن استرسل اكثر في تكرار ما جاء في  هذه الكلمة من رسائل مختلفة لحكام دولة الأحتلال وللجهات الدولية والاقليمية كما لأبناء شعبنا وأحرار العالم ، لكن ساحاول الوقوف عند مفاصل تلك الرسائل وما حملته من معاني يفترض البدء الجاد بتنفيذ تفاصيلها بما يتضمن من وضع برامج وخطط وادوات .
 
ان فشل المجتمع الدولي في رفع أشكال الظلم والقهر التي طالت شعبنا وما زالت حتى هذا اليوم بأشكال فاشية جديدة من الجرائم ، قد اثبت عدم مصداقية هذا المجتمع في ظل الهيمنة الأمريكية من الوقوف أمام مسوؤلياته الاخلاقية والسياسية والقانونية في تنفيذ القرارات الاممية ذات الصلة بداء من قرار التقسيم ١٨١ ومرورا بمئات القرارات اللاحقة حتى يومنا هذا . 

أن صدق وواقعية سردية روايتنا الوطنية التي شكلت فحوى الكلمة ، قد اكدت على ادانة الموقف المتوحش المعادي للقانون الدولي للولايات المتحدة وبريطانيا وعدد من الدول الاوروبية ليس فقط في عدم معاقبة دولة الاحتلال وحمايتها من المحاسبة ، بل في تواطئ تلك القوى الدولية مع مشاريع ورؤية الحركة الصهيونية في استدامة الاحتلال الاستيطاني وتصفية قضية شعبنا العادلة خدمة لرؤييتهم الاستعمارية اساسا في مناهضة حقوق الشعوب ، هذا الأمر الذي لن يكون مستداما أمام بدايات التحولات بالنظام العالمي .

لقد تم التأكيد على زيف وخداع حكام إسرائيل بما فيهم لابيد وما جاء على لسانه من تصريحات حول تأييد مبدأ حل الدولتين ، والذي كنت قد تحدثت بتفاصيله في مقالي الصادر قبل يومين ، والحديث بوضوح بشأن غياب اي شريك إسرائيلي لاطلاق اي أفق سياسي بالمرحلة الحالية ، في وقت تُجمع به كافة الأحزاب الصهيونية التي تتنافس على انتخاباتهم القادمة ، على رفض التفاوض وفق مرجعيات القرارات الدولية بما فيها مبداء حق تقرير المصير والقرار ١٩٤ بخصوص اللاجئين ورفض الانسحاب الكامل بما يحمله من معنى رفض إقامة الدولة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية وتفكيك كامل للاستيطان ، الأمر الذي يضع المجتمع الإسرائيلي أمام مسوؤلياته في تحمل أعباء الوضع المتفاقم وانعكاساته على واقعهم بل وعلى المستقبل الوجودي لدولة الاستعمار نفسها في حال الاستمرار برفض السلام العادل والثابت .

ولقد أوضحت الكلمة بشكل لا يقبل اللبس عن نقيض ما حاولت دولة الاحتلال اشاعته زيفا امام العالم عن وجود مسار للسلام ، وما شاركنا نحن أيضا فيه من اعطاء هذا الانطباع انطلاقا من قناعاتنا بضرورات السلام الثابت ، بناء على اتفاقيات تم توقيعها سابقا دون تنفيذها لاحقا من جانبهم والتي ادت الى ما وصلنا نحن عليه اليوم من اوضاع تحدث عنها الاخ الرئيس. 

وبذلك فقد كان من الأهمية بمكان ان وَضع الاخ الرئيس الأمور في نصابها الحقيقي وبما  يجب أن تتسم به العلاقة بين شعبنا الذي الذي يخوض كفاحه التحرري الوطني من اجل انهاء احتلال بشكل كامل وبين محتلٍ غاصب من جهة اخرى ، قاطعا الطريق امام محاولات الالتفاف على حقوقنا الوطنية السياسية والتاريخية من جهة ، وعلى سراب حلول يحاول البعض ايهامنا بها كاشكال السلام الاقتصادي أو تحسين شروط الحياة تحت الأحتلال من جهة اخرى والتي حاول البعض المضي قدما بها والترويج لها .  

لقد كان ذلك الشق يتعلق من وجهة نظري بما له من علاقة برسالة الاخ الرئيس إلى ابناء شعبنا وقواه السياسية ولكل من يتعاطى في شأن السياسة العامة بالوطن . هي دعوة جديدة إلى الجميع من مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والسياسي الحزبي للشراكة في تحمل المسوؤلية الوطنية في مرحلة التحرر الوطني بكل ما لها وعليها من استحقاقات والتي تتطلب المراجعة الصادقة والنقدية لمسيرة كفاحنا فيما أخطأنا واصبنا به ، بما يشمل ضرورة التعالي عن اية مصالح هنا او هنالك لا تتفق والمصلحة الوطنية العليا القائمة على استقلالية قرارنا واجندتنا الوطنية ، الأمر الذي يتطلب اولاً ، انهاء ما نتج من انقسام على أثر الانقلاب المضر في قطاع غزة ، بما يؤدي إلى وحدة الصف الوطني في إطار منظمة التحرير على قاعدة برنامجنا الوطني الذي اقرته الشرعيات الثورية والتمثيلية الفلسطينية وبما يضمن التوافق على القواسم المشتركة بحدها الأدنى ، وكذلك تنفيذ استحقاق الانتخابات التشريعية وإيجاد المخارج اللازمة لمشاركة ابناء القدس فيها . 

قد يكون الوقت الان هو الأنسب للمضي في هذا المسار من الاهتمام بذاتنا الوطني ، نظرا لاولويات الازمات الدولية الناشئة ومخاطرها وانشغال العالم بها ، لترجمة ما جاء بالكلمة من الاهتمام بتنفيذ استحقاقات وطنية أخرى لها علاقة باوضاعنا الداخلية المرتبطة بأهمية بناء وترميم وتمتين بنيان منظمة التحرير ومؤسسات السلطة الوطنية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية من جهة، ومن جهة أخرى العمل الجاد بما يضمن تحقيق اكبر مشاركة وطنية ممكنة في صناعة القرار ، نحو تجسيد واقع وطني ديمقراطي ومهني في تلك المؤسسات لمواجهة التحديات القائمة في طريق تحررنا الوطني اولا ، وبما يؤهل لاستكمال تنفيذ برنامج تحركنا على مستوى علاقاتنا الدولية نحدد به معسكر الأصدقاء من الدول وفق مدى اقترابهم من الوقوف إلى جانب حقوق شعبنا السياسية والموقف العملي الواضح من استمرار الاحتلال والاستيطان بعيدا عن البيانات اللفظية أو ازدواجية المعايير والنفاق السياسي الذي اتبعه البعض حتى اللحظة والذي لم يؤدي إلى تحقيق القرارات الدولية وضمان انهاء الاحتلال ، وبما يحقق الوصول والتواصل مع الشعوب وقواها الديمقراطية والتقدمية، اضافة الى ضرورة ايضاح أدوار مكونات المجتمع الدولي ووضعه أمام مسوؤلياته بجراة اخلاقية وسياسية ودون السماح بالتدخل في شأن قرارنا الوطني باستكمال الانضمام إلى المعاهدات والمواثيق الدولية وتقديم الملفات أمام محكمة الجنايات الدولية بشكل فعلي وعاجل لمعاقبة دولة الإجرام ومجرمي الحرب كجزء من معركتنا ضد الاحتلال ، كما واستكمال عضوية دولة فلسطين في هيئة الأمم ، دون الالتفات إلى ضغوط مقابل وعود زائفة من اي طرف لإعاقة ذلك . هذا إضافة إلى تفعيل المقاومة الشعبية وفق ما اقرته المواثيق الاممية لشعب يكافح ضد الاحتلال وبما يخدم زيادة كلفة هذا الاحتلال على أصحابه بما يتكامل مع رؤيتنا السياسية الواقعية للتحرر والظروف المحيطة حتى نستطيع خلق شروط جديدة على الارض تسمح بفتح افق سياسي واضح لعملية مفاوضات جادة لانهاء الاحتلال خارج المعادلة القديمة التي ما زالت دولة الاحتلال ومن يساندها يحاولون فرضها علينا من خلال سياسات الاستعلاء الاستعماري والفوقية اليهودية والعنصرية والقهر اليومي .
 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.