الأشـــــــراف 
مقالات

الأشـــــــراف 

تنتشر في أرجاء الوطن العربي، بل العالم المسلم نقابات و جمعيــات الأشراف أو السادة، أو كلاهما معاً .. وهي مؤسسات أهلية تعطي صكوكاً و تعتمد أنساباً (للدوحة الشريفة) بناء على وثائق يقدمها طالب الإنتساب، أهمها (شجرة العائلة) التي تثبت تسلسل الآباء و الأجداد وصولاً إلى (السبط الوحيد) الذي بقي على قيد الحياة بعد معركة كربلاء التي أبيد فيها كل رجال (آل البيت) أي نسل النبي محمد عليه الصلاة و السلام. وبحسب الروايات فإنه لم يبق على قيد الحياة إلا النساء، و طفل صغير إسمه زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، سبطاً للسيدة الطاهرة فاطمة بنت رسول الله عليهم جميعاً الصلاة و السلام. 

والباحث في الأمر يجد أن هذه النقابات والجمعيات منتشرة في المغرب العربي و مصر و الأردن، وهي تعطي شهادات وبطاقات تمكن أصحابها من نيل الجنسية في بعض الدول الحاضنة لها، وتعطي بعض المنافع لحامليها من تخفيض في الأسعار والعلاج وغيره من الخدمات، وهذا أمر غير مستغرب من وجهة نظر (الحكومات) ولا تمييز فيه، فقد دأبت الحكومات أو معظمها على إعطاء بعض التسهيلات والتخفيضات للنقابات والجمعيات عموماً، كالأطباء والمهندسين والعمال والصحفيين وغيرهم الكثير. 

وقد ثارت ثورة الكثير من أبناء قطاع غزة بعد إثارة فكرة إنشاء نقابة أشراف في القطاع، لعائلات الأشراف، وهي ثورة أو إحتجاج فيه الكثير من الحق، والكثير من المزاودة والإنكار، وربما لو ناقشنا الأمر بروية وهدوء نستطيع أن نتفهم أصل الحكاية وفرعها، سلبياتها وإيجابياتها.

أولاً– تاريخياً  لابد من إثبات تاريخي حقيقي لرواية (زين العابدين) وعدم الإكتفاء بما يورده علماء الدين في هذا الشأن، بل لحساسية الأمر وخطورته، لابد من جهود علماء الأنساب والتاريخ والجغرافيا والآثار والطبقات وغيرهم من العلوميين، فنحن هنا نتحدث ليس فقط عن إمكانية (إختلاط النسب)، و ليس أي نسب، نحن نتحدث عن الإنتساب لآل بيت النبي عليه الصلاة و السلام. 

ثانياً– لابد من هوية أو بصمة جينية معرفة DNA (بضم الميم وفتح العين وتشديد كسر الراء)  لآل بيت النبي عليه الصلاة والسلام، تقارن بها بصمات الراغبين في الإنتساب، وأعتقد أن هذا أمر مستحيل.  حيث أن الإستسهال و اللجوء إلى ما تقوم به نقابات وجمعيات الأشراف المنتشرة في بقاع الأرض حالياً، تكتفي كما قلنا بشجرة نسب، كثير منها يمكن أن يزور، بل أن كثير منها فيه (عوار بائن وشائن) بمعني أن أي عائلة، على الإطلاق، في المغرب أو السودان أو العراق أو فلسطين أو الهند أو كوالالامبور، تقول أنها من الأشراف، لابد أن يكون هناك في شجرتهم إلتقاء في جد أو أجداد  قبل "زين العابدين"، وبمراجعني الشخصية فقد إطلعت على كثير من (أشجار العائلات التي تقول أنها من الأشراف) ولم أجد ذلك الإلتقاء وهو أمر عجيب غريب! 

ثالثاً– لغوياً لابد من الإنتباه والتفريق بين أهل البيت وآل البيت. ودينياً لابد من التوقف عن إستخدام نصف الآية الشريفة المسماه (آية التطهير لآل البيت) لأن بقراءة الاية كاملة، وما سبقها وما تلاها يتضح تماماً أنها في حق أمهاتنا المرضيات زوجات النبي عليه الصلاة والسلام وليس لغيرهن. (الآية 33 من سورة الأحزاب، وما سبقها وما تلاها من آيات).

رابعاً– إنشاء عصبة أو جماعة لأي طائفة أو مجموعة من الناس تعني بالضرورة أنها مؤسسة للدفاع عنهم و لتحصيل (حقوق دنيوية) وهنا سؤال يطرح نفسه: ماهي الحقوق الدنيوية لذرية النبي عليه الصلاة والسلام؟ هل جاء في المصحف، أو في السنة أي بلاغ، أمر، توجيه، إشارة إلى حقوق مادية دنيوية لآل البيت؟ الحقيقة لا أعرف –شخصيا- سوى ما فرضته بعض المذاهب الشيعية على الناس من (ضريبة الخُمس) التي تدفع للأشراف و هي في رأيي الخاص المتواضع بدأت في فترة الخلافات بين الهاشميين والأمويين وغيرهم، لتعزيز بقائهم وقوتهم و صمودهم، وهي بذلك تشبه (الموازنة الحزبية) وتخرج بالمعنى من الديني إلى السياسي. فهل (الأشراف) الآن بحاجة إلى (تكريم مادي دنيوي) حتى يتمكنون من رص الصفوف، تمهيدا لمعركة قادمة تهدف إلى الثأر للحسين ممن قتلوه (ثأر الله) كما يسميه إخوننا الشيعة؟  أم أن الأمر لا يتعدى سوى (الفخر والزهو والتعالي) وفي هذا نقع في طائلة (الهاكم التكاثر) والعياذ بالله؟ 

خامساً– إن الإنتماء لآل بيت النبي، في مفهومي وعقيدتي، وأقول كما قال الإمام الشافعي، رأينا صواب يحتمل الخطأ وراي غيرنا خطأ يحتمل الصواب.

أقول إن الإنتماء هو بإتباع نهج الرسول المصطفوي، عليه الصلاة و السلام، و الإبتعاد عن التحزب والتقوقع، والإمتثال لأمر الله تعالى، بالعمل والإعمار والفداء ومكارم الأخلاق، وليس بصك أو شهادة المقصد منها (لقب) يسبق الإسم، ولا بمعاملة (VIP)..فلم نسمع أو نرى ولا قرأنا أن علياً بن أبي طالب كتب قبل إسمه (السيد أو الشريف) ولا أي من أبناءه رضوان الله عليهم جميعاً، إنما وجدنا أنفسنا كلنا كمسلمين ومؤمنين، توقيرا، وحباً وإيمانا نُتبع أسماءهم بالترضي أو التسليم عليهم وعليهن.

سادساً: إن هناك فرقاً بين الشريف والسيد في هذا الموضوع، وبين أبناء الحسين وأبناء الحسن، فهل سنقع في خطوات لاحقة في هذا الجدل أيضاً؟

سابعاً– فلسطينياً، وطنياً، دينيا، إنسانياً  ما جدوى هذا كله؟ ألم يثبت المئات بل الآلاف من عائلات القطاع أنهم (أشراف) من نقابات مغربية ومصرية وأردنية وتركية، ودفعوا كافة التكاليف والمصاريف وحصلوا على كل الأختام؟ إذن ما الحاجة إليها في فلسطين؟

ثامناً– بشكل شخصي، أنا أنتمي لعائلة لقبها الوحيدي، ولكن كما قال لي الوالد شيخ قبائل الترابين وغواليهم الوحيدي رحمه الله، إن الوحيدي لقب والحسيني نسب، ولنا شجرة كان يرفض رحمه الله التباهي بها أو إستخدامها، وشخصياً أيضاً، فإن أخوالي من عائلة الحسيني وهي عائلة معروفة بنسبها. أقصد من هذا، أن الإنتساب لا يعني اللقب، أو شهادة من أحد، أو نقابة تدافع أو تتحصل على مكاسب دنيوية، الإنتماء عمل وأخلاق وإلتزام، حينها يرفعك الناس ويجلوك.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.