لِمَن القدسُ اليوم؟
رئيس التحرير

لِمَن القدسُ اليوم؟

صدى نيوز - كتب رئيس التحرير: الخائفون لا يبنون دولة، ولا حتى يتركون أثراً أو يصنعون تاريخاً، وهكذا هم المتطرفون اليهود، لن يتركوا أثراً ولن يبنوا دولة، ولو بنوها ستظل هيكلاً هشاً.

 تل أبيبُ الخائفة لم تُثبت في مسيرة الأعلام شيئاً إلا أنها لا سيادة لها على القدس، فالسيادة هناك لمن يمشي بصدره العاري دون خوف، لا من يسيرون مرتعبين وآلاف عناصر الشرطة والأمن يلفونهم ويحيطونهم من كل جانب، السيادة في القدس لمن يعرف القدس وتسكنه كما يسكنها، هي للمقدسيين والفلسطينيين الذين يقاتلون اليوم وحدهم.

كُشف عورة الأنظمة الإسلامية والعربية مرة أخرى، وبان وجهها الحقيقي، وزيف شعاراتها وتهديدها، فلا محور المقاومة والممانعة وقف يرد الاعتداء، ولا فعل ذلك محور مبرري التطبيع الذين روجوا لتطبيعهم بأنه لمصلحة أممهم، ليجد الفلسطينيون أنفسهم مرة أخرى وحدهم.

وبانت شجاعة المقدسيين وانتمائهم وبطولتهم مجدداً وهم يحمون أقصاهم ومسراهم بصدورهم العارية، رجالاً ونساء، أطفالاً وشيوخاً خرجوا للشوارع يصدون أذى المتطرفين وعنصريتهم، ليثبتوا أن شوارع القدس حتى لو تغيرت أسماؤها إلى العبرية إلا أنها لا تزال تنطق بالعربية، والعربية فقط.

مرّت مسيرة الأعلام، بعنصريتها واعتداءاتها وسبها للنبي صلى الله عليه وسلم ولحرقهم للعلم الفلسطيني دون أن تنفذ الفصائل الفلسطينية وعدها ووعيدها، وهذا الخطأ الذي وقعت فيه المقاومة بكافة تشكيلاتها وفصائلها، فقد كان الأجدر بها ان لا ترفع سقف الآمال والتوقعات، وأن لا تدغدغ عواطف الجمهور بتصريحات نارية لم يُنفذ منها شيء، وهو أمر إن تكرر فإن مصداقية تلك الفصائل وأجنحتها العسكرية ستتراجع كثيراً.

كذلك عجزت الدبلوماسية الفلسطينية عن حشد رأي عام عالمي، أو تحريك المجتمع الدولي لما جرى في القدس من انتهاك للقوانين والقرارات الدولية، وعجز السياسيون عن إقناع الجمهور بخطابهم الضعيف جداً.

في الطرف المقابل، كانت حكومة اليمين العنصرية تستعرض قوتها في الشارع الإسرائيلي، رغم هزالتها وضعفها من الداخل، وهي المهددة بالانهيار في كل لحظة، فحاول نفتالي بينيت أن يظهر بمظهر القوي، والأشد تطرفاً من سلفه نتنياهو، وهو ما اقتنع به المتطرفون اليهود، أو معظمهم، في حين أن الحقيقة تقول إن بينيت كان مكرها على مسيرة الأعلام، وأن أقصى اليمين هو من جره جراً للموافقة على ذلك حتى لا تتبخر حكومته، فكان "مُجبراً عدوّك لا بطل". 

إذن، فقد خرجت مسيرة الأعلام وانتهت، وعاد المتطرفون إلى منازلهم يشعرون بنصر زائف، إلا أنهم وفي صباح اليوم التالي اكتشفوا الحقيقة "المرة" بنظرهم، اكتشفوا أن القدس لم تكن موحدة، وأن الشوارع لم تخلو من الفلسطينيين، وأن الأقصى ظل مكانه، وقبة الصخرة والمصلى القبلي كما هو، اكتشفوا أن الصراع مع الفلسطينيين لم ينتهِ، وأن الرابح الوحيد في مسيرة الأعلام كان مصنع القماش الذي اشتروا منه الأعلام الإسرائيلية.

خرج الفلسطينيون من يوم الأحد بشعور كبير بالاشمئزاز والقهر والغضب، وهو ما قالت عنه أجهزة الأمن الإسرائيلية إنه خطر محدق، فقد يتحول هذا الغضب إلى عمليات وردات فعل غير محسوبة.

خرج المقدسيون من يوم الاحد ومسيرة الأعلام بتعلق أكبر بقبلتهم الأولى ومسجدهم المبارك، ومبايعة جديدة بأن يظلوا سدنة وحراس مسرى الرسول.

انتهت مسيرة الأعلام ولم تطلق من غزة الصواريخ، وهو تقدير للمقاومة لا يزاود عليه أحد، بل بالعكس، فقد تنفس الفلسطينيون الصعداء بأن غزة لم تُدك بالطائرات والبوارج والمدفعيات، فصاروخ واحد من القطاع في ذلك اليوم يعني دم أطفال وأبرياء سيسفك في القطاع الحبيب، لذا فقد كانت المسيرة العنصرية درساً بأن تُنوع المقاومة أساليب ردها، وأن تحافظ في كل خططها على الدم الفلسطيني، فهو الأغلى والأقدس من كل شيء.

انتهت مسيرة الأعلام، واستخلص الكل دروسهم، إلا السياسيون في بلادنا الذين عميت عيونهم عن الكارثة الكبرى التي فرّخت كل هذه الكوارث، لا يزالون يتعامون عن أن السبب في هذا الانهزام والانهيار والتراجع هو الانقسام الذي شق الصف والكلمة والموقف والقوة، فهل من المعقول أن تتوحد أحزاب العدو المختلفة حدّ العظم وأن نفترق نحن الذين يجمعنا الدم والعروبة والدين والوطن والهواء والنسب؟!

لمن القدس اليوم؟ هي للفلسطينيين خالصة من دون الناس، إلا من عاد لصوابه من العرب  والمسلمين وقال إني معكم.