لماذا حددّ مشروع القانون المقترح سقف استخدام النقد بـ20 ألف شيقل؟
أهم الأخبار

لماذا حددّ مشروع القانون المقترح سقف استخدام النقد بـ20 ألف شيقل؟

خاص صدى نيوز- منذ أن أعلنت سلطة النقد الفلسطينية الشهر الماضي عن طرح مشروع قانون يحظر الدفع النقدي في المعاملات التي تتجاوز قيمتها بأي حال من الأحوال عن 20 ألف شيقل، أو ما يعادلها بالعملات المتداولة في فلسطين، والانتقادات لهذا المشروع لم تتوقف خاصة من قبل أصحاب محطات الوقود والغاز الذين عبروا عن انتقاداتهم علناً لبنود هذا القانون الذي يرون فيه تهديدا لمصالحهم.

من أبرز تلك الانتقادات للقانون المقترح هو أنه لم يخضع للدراسة، وأن تحديد رقم الـ20 ألف شيقل كسقف للاستخدام النقدي لم يكن  مبنياً على واقع السوق.

نائب محافظ سلطة النقد محمد مناصرة يوضح لـ"صدى نيوز" أن تحديد هذا السقف لم يكن خطوة ارتجالية، وإنما أخذ بعين الاعتبار طبيعة الاقتصاد الفلسطيني وارتباطه بتعاملات تجارية ومالية مع الجانب الإسرائيلي، منوهاً إلى أن "اسرائيل" حينما طبقت قانون الحد من الاستخدامات النقدية، وضعت قيمة الـ11 ألف شيقل في الخطوة الأولى عند تطبيق القانون قبل أن تقلص هذا السقف إلى 6 آلاف شيقل لاحقا.

ويضيف أن هامش الـ 20 ألف شيقل عمليا هو ضعف المبلغ الذي حددته إسرائيل عند البدء بالحد من استخدام النقد، ما يعطي هامشاً أوسع للقطاعات الاقتصادية المختلفة لملاءمة نفسها مع هذا السقف.

علماً أن الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل وصل في العام 2024 إلى نحو (540) مليار دولار، بينما يصل الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين إلى نحو (15) مليار دولار، أي أن الاقتصاد الاسرائيلي أكبر من الاقتصاد الفلسطيني بنحو (36) ضعفاً .

وكانت بيانات صادرة عن سلطة النقد أظهرت أن 96% من الايداعات النقدية بعملة الشيقل في البنوك تقل عن 20 ألف شيقل، بينما لا تزيد نسبة الايداعات التي هي أكثر من 20 ألف شيقل عن 4% فقط. بينما حوالي 81% من الايداعات أقل من 5 آلاف شيقل.

والقانون المقترح الدفع النقدي في المعاملات التي تتجاوز قيمتها بأي حال من الأحوال عن (20) الف شيقل أو ما يعادلها بالعملات المتداولة في فلسطينن لكنه يجيز تعديل السقف النقدي المنصوص عليه بقرار من سلطة النقد بالتنسيق مع وزارة المالية والجهات ذات العلاقة.

وكانت نقابتا أصحاب محطات الوقود وأصحاب شركات تعبئة الغاز اعتبرتا في بيان صحفي لهما القانون المقترح انتكاسة حقيقية ومؤثرة على كافة القطاعات الاقتصادية في فلسطين لا سيما قطاعي المحروقات والغاز.

وحذر البيان أن هذه القوانين المستحدثة و"غير المدروسة"، ستؤدي لانهيار قطاعي المحروقات والغاز، إضافة لتداعيات خطيرة على الاقتصاد الفلسطيني برمته.

بدوره، يقول الخبير الاقتصادي د. ثابت أبو الروس لـ"صدى نيوز" إن هناك عدة اعتبارات تدعم تحديد سقف الـ(20) ألف شيقل من قبل سلطة النقد، وأول هذه الاعتبارات هو أن 96% من الايداعات بعملة الشيقل دون الـ20 ألف شيقل، وثانيها أن مشكلة فائض الشيقل التي تعاني منها البنوك تدفع سلط النقد كاستحقاق لمعالجة هذه المشكلة من خلال الحدّ من استخدام النقد، وثالثها أن الجانب الاسرائيلي قلل سقف استخدام الشيقل إلى(6) آلاف شيقل في الصفقة التجارية الواحدة وهذا ما يدفع سلطة النقد تسعى إلى ضبط الحركة النقدية داخل السوق الفلسطيني.

أما الخبير الاقتصادي د. سعيد صبري فيرى بأنه رغم وجود العديد من الإشكالات في مسودة القانون المقترح غير أنه لا يمكن تجاهل النية الإصلاحية الواضحة في القانون، فهو يسعى إلى تعزيز الشفافية، ومكافحة التهرب الضريبي، والحد من غسل الأموال، إضافة إلى إدخال مزيد من الفاعلين في دائرة الشمول المالي. 

ويعتقد صبري أن الأرقام تقدم مؤشراً مقلقاً: فبحسب تقارير سلطة النقد، لا يتجاوز من يمتلكون حسابات مصرفية في فلسطين 50% من السكان البالغين، بينما لا يستخدم خدمات الدفع الإلكتروني سوى نحو 30% فقط. أي أن نصف المجتمع تقريبًا لا يزال خارج النظام المالي الرسمي، ما يجعل أي تشريع يقيد "الكاش" سابقًا للبنية الاجتماعية والتقنية القائمة.

ويلفت إلى أن فرض سقف نقدي دون تهيئة البنية المالية قد يؤدي إلى نتائج عكسية، أبرزها نشوء سوق رمادية تتداول النقد خارج النظام المصرفي، أو لجوء الناس إلى عملات بديلة كالشيكل النقدي غير المسجل أو حتى الدولار والدينار. وهنا تتحول الفكرة الإصلاحية إلى عبء تنظيمي يزيد من تعقيد الأزمة بدل حلّها. فالقوانين المالية (كما التجارب الدولية) لا تُقاس بنصوصها، بل بمدى ملاءمتها لواقع السوق وثقافة الناس.

وكان محافظ سلطة النقد، يحيى شنار لفت في لقاء مع الصحفيين إلى أن سلطة النقد ستعقد قريباً ورشة عمل تشاورية تتيح فيها المجال لأوسع مشاركة لمختلف القطاعات الاقتصادية بهدف الاستماع إلى ملاحظاتهم بخصوص مسودة القانون المقترح، مشيراً إلى أن سلطة النقد عرضت على المسودة المقترحة على موقعها الإلكتروني وفتحت المجال امام الجميع لإبداء الملاحظات.

ورغم إيمان محافظ سلطة النقد بأهمية القانون وتطبيقه، غير أنه لم يقفل الباب أمام مراجعات بخصوصه، قائلا: "لدينا مشكلة كبيرة تتعلق بتكدس الشيقل في البنوك، والتي وصلت مؤخراً إلى نحو 15 مليار شيقل، ومن يريد وقف القانون عليه معالجة هذه المشكلة أولاً".