
تقدير موقف: التحولات السياسية والعوامل المؤثرة في محدودية المشاركة الشعبية بالشأن العام
صدى نيوز: أصدر مركز ثبات للبحوث واستطلاعات الرأي تقدير الموقف رقم 3 لسنة 2025 حول "التحولات السياسية والعوامل المؤثرة في محدودية المشاركة الشعبية بالشأن العام" ضمن سلسلة تقدير الموقف التي يصدرها المركز للعام 2025.
______________
جهاد حرب..
تثور تساؤلات متعددة في أروقة مؤسسات الحكم والفصائل الفلسطينية والحراكات الاجتماعية، وفي الجلسات الاجتماعية عن ضعف التضامن الشعبي مع قطاع غزة على مدار الحرب الإسرائيلية منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والصوت الخافت في شوارع مدن الضفة الغربية مقابل تضامن واسع في عواصم الدول الأوروبية ومدنها وجنبات الدول الأخرى. كما يهمس البعض بحجم التراجع الحاصل على المشاركة الشعبية في قضايا الشأن العام "العمل السياسي والمجتمعي" كمعضلة جديدة في عملية التحول في المجتمع الفلسطيني سواء كان ذلك من خلال العزوف عن المشاركة السياسية كالانضمام إلى الفصائل السياسية، أو المشاركة المجتمعية كالعمل التطوعي وفي الاحتجاجات الاجتماعية الاخرى.
بالرغم من تأثر المشاركة الشعبية بمتغيرات ايجابية كالثورة المعلوماتية في الحشد والمناصرة والتعبير عن الرأي إلا أنّ المتغيرات الفلسطينية أدّت إلى عزوف المواطنين عن المشاركة وبخاصة الفئات الشبابية منهم؛ فيعاني المجتمع الفلسطيني من أزمة تتمثل في ضعف قدرته على بناء جسر ثقافي يسهل ويهيئ التواصل والتفاعل ما بين أدوات العمل السياسي؛ كضعف أدوات عمل الفصائل الفلسطينية التي كرست الفكر الأبوي "الزعيم" والمركزية في اتخاذ القرارات في أنظمتها الداخلية بدمج الشباب في العمل السياسي. كما أنّ هناك عوامل تتعلق ببنية النظام السياسي القائم والتحولات في اتجاهات المواطنين السياسية، وغياب القدوة والنموذج في العمل الوطني والسياسي.
يبدو أنّ التحولات السياسية على بينة التأييد الحزبي للفلسطينيين أثرت بشكل كبير على اعتقادات المواطنين أو أغلبية المواطنين خاصة بعد ازياد التأييد لحركة حماس التي لا ترى بالعمل الشعبي أو المقاومة الشعبية وسيلة ناجعة في مواجهة الاحتلال أو تحقيق الأهداف الآنية والمجتمعية بقدر ما ترى أنّ الكفاح المسلح هو الوسيلة الأنجع مقابل تراجع القوى التي طورت أدوات المقاومة الشعبية قُبيل الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة" وفيها.
تسعى هذه الورقة إلى فهم تأثير التحولات السياسية على سلوك المواطنين فيما يتعلق بالمشاركة الشعبية في الشأن العام الفلسطيني بشقيه الخاص بالمقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال والمشاركة في الفضاءات المدنية بغية الاشتراك في صنع وتنفيذ القرار السياسي والرقابة عليه، والنظر في مواقف المواطنين وأسباب ضعف المشاركة الشعبية في السنوات الأخيرة، وعوامل تراجع قوة الشباب في المجال العام، وعدم نجاح الحراكات الاحتجاجية في فلسطين.
تهدف هذه الورقة إلى تطوير مسارات عمل تعزز المشاركة الشعبية في الحياة العامة من خلال الأدوات التأطيرية كالأحزاب والحراكات الاجتماعية كفاعلين سياسيين ومجتمعيين، وتقديم عدد من التوصيات التفصيلية لتفعيل هذه المشاركة الشعبية.
(1) ضعف التأييد للمقاومة الشعبية والعوامل التي تحول دون المشاركة فيها
يستعرض هذا القسم عدداً من العوامل والتحولات السياسية التي أدّت أو ساهمت في ضعف المشاركة الشعبية بالمقاومة الشعبية غير المسلحة.
• التحول الذي جرى على تأييد المسار السياسي التفاوضي
تظهر نتائج استطلاعات الرأي العام أنّ المسار السياسي المتمثل باتفاق أوسلو قد فَقَدَ تأييد المجتمع الفلسطيني بعد أكثر من ثلاثة عقود على توقيعه؛ فقد أيد حوالي ثلثي المجتمع الفلسطيني (65%) اتفاق أوسلو في استطلاع للرأي العام أجراه مركز البحوث والدراسات الفلسطينية في شهر أيلول/ سبتمبر 1993، فيما أيد حوالي ثلاث أربع المجتمع الفلسطيني (72%) اتفاق طابا (أوسلو 2) في تشرين أول/ أكتوبر العام 1995. في المقابل أيد ثلثي المجتمع الفلسطيني (63%) قيام السلطة الفلسطينية بالتخلي عن اتفاق أوسلو، وترى نسبة عالية (71%) أنَّه كان من الخطأ قيام منظمة التحرير الفلسطينية بالتوقيع على اتفاق أوسلو، وتقول أغلبية تبلغ 68% أنَّ اتفاق أوسلو قد أضر بالمصلحة الفلسطينية وفقاً لنتائج استطلاع الرأي العام أجراه المركز للبحوث السياسية والمسحية أيلول 2023.
فيما أظهرت آراء المواطنين آنذاك احتمالية الوصول إلى حالة من الإحباط خاصة أنَّ مسألة الخلافات الداخلية لم تكن بين القوى السياسية فقط إنّما أعمق من ذلك في أوساط الجمهور الفلسطيني؛ فوفقاً لنتائج استطلاع الرأي الذي أجراه مركز البحوث والدراسات الفلسطينية عام 1993 فإنَّ 45% من المواطنين اعتقدوا أنَّ الاتفاق سيؤدي لقيام دولة فلسطينية وتحقيق الحقوق الفلسطينية مقابل 34% اعتقدوا أنَّه لن يؤدي لإقامة دولة فلسطينية واعتقد 20% من المواطنين أنَّهم غير متأكدين من ذلك. وانقسم المواطنون حول وقف الانتفاضة من أجل مشروع الاتفاق الفلسطيني-الإسرائيلي (47% مؤيد لوقف الانتفاضة مقابل 43% معارض لوقفها).
• التحولات السياسية في تأييد الطريقة الأنجع لتحقيق الأهداف الفلسطينية
تظهر استطلاعات الرأي العام أنّ أغلبية المواطنين يؤيدون الطرق الأقل حدة في عملية المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي أو خيارات كسر الجمود القائم في العملية السياسية، يشير الشكل أدناه إلى أن التأييد الشعبي الأعلى لانضمام دولة فلسطين لمزيد من المنظمات الدولية ومن ثم المقاومة الشعبية غير المسلحة، فيما ارتفع التأييد للكفاح المسلح في السنة الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة بشكل استثنائي.
تقول أغلبية الفلسطينيين أنّ الكفاح المسلح هو الطريقة الأنجع لتحقيق الأهداف الفلسطينية بإنهاء الاحتلال واقامة دولة مستقلة، حيث يرى أكثر من 40% في السنوات الأخيرة، باستثناء السنة الأولى من الحرب على قطاع غزة، فيما يعود الارتفاع لاعتبار المفاوضات والمقاومة الشعبية غير المسلحة في الاستطلاعات الأخيرة للتشابه مع نسبة التأييد قبل السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023.
• التحولات التي جرت على التأييد الشعبي للقوى السياسية
يعود تراجع التأييد للمقاومة الشعبية غير المسلحة في بعض الأوجه إلى التحولات التي جرت على التأييد الشعبي للقوى السياسية وخاصة القوى التي قادت العمل الشعبي قبيل وأثناء الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة". تُبين استطلاعات الرأي العام أنّ الفصائل والتنظيمات السياسية كانت تحظى مع نهاية عام 1995 على تأييد "انتماء حزبي" يقدر بـ 75% من الجمهور. فيما تراجع هذا التأييد إلى حوالي 60% في بداية العام 1996 إثر إجراء الانتخابات العامة "التشريعية والرئاسية"، واستمر هذا التراجع طوال السنوات الماضية حيث وصل إلى حوالي 56% مقابل 44% لا يؤيدون الفصائل الفلسطينية في السنوات ما بعد عام 2000. بينما تحسن التأييد قليلاً بعد السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023.
تشير نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في شهر أيار/ مايو 2025 إلى اختلاف جوهري في تفكير مؤيدي الفصائل الفلسطينية حول الطريقة الأفضل لتحقيق الأهداف الفلسطينية بإنهاء الاحتلال واقامة دولة مستقلة، ففي الوقت الذي فضل 69% من مؤيدي حركة فتح المفاوضات كطريقة أفضل أو أنجع فإنّ 16% من مؤيدي حركة حماس يؤيدونها. وينخفض تأييد مؤيدي حركة حماس إلى 11% للمقاومة الشعبية مقابل 71% لتأييد الكفاح المسلح باعتباره الطريقة الأنجع لتحقيق الأهداف الفلسطينية. إنّ ارتفاع التأييد الشعبي لحركة حماس التي لا تفضل بالمقاومة الشعبية وفقاً لمؤديها، وارتفاع التأييد لدى مؤيدي حركة فتح للمفاوضات أدّيا إلى تراجع المشاركة الشعبية في العمل الشعبي وتحوصله.
• تغيير المزاج الشعبي بسبب ازدياد وتيرة اعتداءات المستوطنين
أدّى تعميق التواجد الاستيطاني في الضفة الغربية وارتفاع وتيرة الهجمات المنظمة للمستوطنين على البلدات والقرى الفلسطينية إلى تغيير المزاج الشعبي لطرق حماية المواطنين وممتلكاتهم من اعتداءات المستوطنين. فقد أشارت نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في حزيران/ يونيو 2024 إلى أنّ النسبة الأكبر (45٪) من سكان الضفة الغربية ترى أنّ الوسائل الأكثر فاعلية والأكثر واقعية في الوقت ذاته لمكافحة إرهاب المستوطنين تتمثل بتشكيل مجموعات مسلحة من قبل سكان المناطق المستهدفة، فيما اختار 27٪ نشر قوات الشرطة الفلسطينية في المناطق المستهدفة، وقالت نسبة من 19٪ أنّها مع المطالبة باتخاذ الجيش الإسرائيلي إجراءات فاعلة لمنع إرهاب المستوطنين، واختار 6٪ فقط تشكيل مجموعات غير مسلحة من قبل سكان المناطق المستهدفة. في المقابل أشارت نتائج استطلاع خاص بقضايا الأمن أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في شهر حزيران/ يونيو 2016 إلى أنّ 29٪ يرغبون بتشكيل لجان دفاع محلية غير مسلحة من سكان القرى والبلدات، و44٪ نشر قوات من الأمن الفلسطيني في القرى والبلدات المستهدفة، و23٪ العودة لانتفاضة مسلحة.
• الأسباب التي تحول دون المشاركة الشعبية في المقاومة الشعبية حسب رأي المواطنين
إنّ تفسير عدم تفضيل المقاومة الشعبية غير المسلحة باعتبارها وسيلة ناجعة من قبل المواطنين الفلسطينيين تعود في أحد أسبابها إلى عدم الثقة في القيادة والأحزاب السياسية، حيث يقول 44% من المواطنين أنّ السبب الذي يحول دون مشاركة شعبية واسعة في مواجهات المقاومة الشعبية السلمية هو عدم الثقة بالقيادة والأحزاب، وفقا لنتائج استطلاع الرأي العام رقم 82 الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في كانون الأول/ ديسمبر 2021 ، ويقول 38% إنّ السبب هو الانشغال بهموم الحياة اليومية، ويقول 19% فقط إنّ السبب هو فقدان الشعب الفلسطيني لإرادة القتال.
• ضعف نسبة المشاركين في النشاطات العامة
تشير نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجراه عن المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في آذار/ مارس 2022 إلى أنّ نسبة ضئيلة من الجمهور الفلسطيني شاركت في نشاطات تعبر عن المشاركة في العمل العام الفلسطيني كالانضمام لحراك سياسي تصل إلى (3%) أو المشاركة في احتجاج شعبي غير عنفي تصل إلى حوالي (5%) من المواطنين. فيما ترتفع نسبة المشاركة في قطاع غزة مقارنة بالضفة الغربية في كلا الأمرين.
• الأسباب التي تحول دون المشاركة في النشاطات السياسية حسب رأي المواطنين
وحول السبب الرئيسي الذي يدفع لعدم المشاركة في النشاطات السياسية كاحتجاج شعبي غير عنفي، ترى أغلبية المواطنين (55%) أنّهم غير معنيين بالمشاركة في احتجاج شعبي غير عنفي، فيما أشار 21% إلى أنّها غير فعالة، وتقول نسبة من 12% أنّهم ليس لديهم الوقت للمشاركة، فيما أشار 8% منهم أنّ هذه النشطات خطرة.
في المقابل فإنّ السبب الأكثر أهمية الذي يدفع للمشاركة في هذه النشاطات مثل احتجاج شعبي غير عنفي؛ تعتقد أغلبية المشاركين في هذه النشاطات (52%) أنّه من الأصح القيام بذلك، و22% لكسب احترام المجتمع، فيما قال 19% لأنّ أصدقائهم أو أفراد عائلاتهم شاركوا في هذه النشاطات.
عوامل تراجع قوة الشباب في المجال العام
يشكل الشباب في الضفة الغربية وقطاع غزة حوالي 22% من مجموع السكان وفقا لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء نهاية العام 2023 ، كما يشكل الشباب المسجلين لدى لجنة الانتخابات المركزية، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 30 عاماً، حوالي 39% من مجمل الناخبين المسجلين في السجل الانتخابي.
يظهر مسح الشباب الذي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام 2015 أنّ حوالي 20% من الشباب شاركوا في أعمال تطوعية. فيما أظهر المسح ضعف المشاركة المجتمعية للشباب؛ فقد أشار حوالي 6% من الشباب أنّهم منتمون لأندية ومراكز رياضية، و3% ملتحقون بجمعيات أهلية أو ثقافية، و2% منتمون للاتحادات والنقابات، و1.5% منتمون لأحزاب وحراكات سياسية.
يشير استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة حملة (المركز العربي لتطوير الإعلام الرقمي) حول النشاط الرقمي للشباب الفلسطيني وتحديداً طلاب وطالبات الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية إلى أنّ نسبة ضئيلة (حوالي 5%) منهم شاركوا في حملات مناصرة رقمية مقابل حوالي 95% لم يشاركوا في حملات رقمية لمناصر قضايا سياسية أو اجتماعية.
يشير الشكلان أدناه إلى ضعف مشاركة الشباب (الفئة العمرية 18-29 سنة) في العمل العام الفلسطيني؛ كالانضمام لحراك سياسي تصل إلى (6%) فيما المشاركة في احتجاج شعبي غير عنفي تصل إلى حوالي (9%) من المواطنين. ترتفع نسبة المشاركة في قطاع غزة لذات الفئة مقارنة بالضفة الغربية (11% في قطاع غزة مقابل 6% في الضفة الغربية). بالرغم من أنّ النتائج تشير إلى أنّ الشباب أكثر تفاعلاً مع فعاليات الاحتجاج مقارنة بكبار السن إلا أنّ تلك النشبة ما زالت ضعيفة.
كما يعود انخفاض نسبة مشاركة الشباب في الحياة العامة إلى مجموعة من العوامل منها؛
•تحول العمل السياسي الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية، خاصة بعد إجراء الانتخابات العامة عام 1996، حيث كان يعتمد العمل جماهيري بالأساس على الشباب وإبداعاتهم، لكن التوجه إلى العمل في مؤسسات السلطة أبقى العمل السياسي حكراً على النخب والقيادات العليا مما حد من مشاركة الشباب وأدّى إلى انحصار مشاركتهم في العمل السياسي.
• غياب الانتخابات الدورية وارتفاع سن الترشح للانتخابات التشريعية إلى سن 28 عاماً حد من مشاركة الشباب في الانتخابات كمرشحين بينما يقتصر دورهم على المشاركة في الاقتراع.
• أثر الانقسام السياسي الفلسطيني في العام 2007 وما تبعة سلباً في انخراط المواطنين بالعمل السياسي والمجتمعي بشكل عام، وعلى المشاركة الشبابية بشكل خاص.
• غياب الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية الفلسطينية من خلال تباعد عقد المؤتمرات والانتخابات للأطر القيادية فيها، وتمسك القيادات "التاريخية" بالاستمرار في القيادة بشكل بيروقراطي، واقتناع أغلبية الشباب بعدم الجدوى من العمل الحزبي لما يرونه من ممارسات غير مسؤولة وانتهازية لبعض القيادات الحزبية.
•عدم الاهتمام الحزبي بفئة الشباب حيث لا يتوفر خطاب وبرامج للأحزاب والفصائل تشكل عوامل جذب للشباب، وعدم مواكبة متطلبات الشباب العصرية واحتياجاتها الراهنة، حيث تتعاطى بعض الأحزاب مع الشباب بطريقة استخداميه للمصالح الحزبية والفئوية الضيقة التي تقيد حركتهم وتغلق أمامهم فرص المبادرة والإبداع والمشاركة. فيما تنحصر مشاركتهم بكونهم حشود انتخابية لا يشاركون في وضع الرؤية السياسية ولا وضع الأهداف العامة للمجتمع ولا يشاركون ايضاً في آليات تنفيذ الأهداف العامة المعدة أصلاً بعيداً عنهم.
•الاستهداف المباشر للحراكات الاجتماعية وبخاصة فئة الشباب المشاركة فيها من قبل الأجهزة الأمنية حيث يتعرض الشباب لمزيد من الضغط وتحمل الأعباء بسبب التدخل العنيف من قبل السلطة الفلسطينية. تفصح احصائيات الشكاوى التي تلقتها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في الفترة 2016 - 2014 عن أنّ الشباب الفئة الأكثر تعرضاً للاعتداء واستهدافاً عند ممارستهم لحق التجمع. فقد تعرض 115 شاباً من أصل 325 مواطناً لنوع أو أكثر من الانتهاكات أي حوالي 34%، تليها الفئة العمرية (30- 39 عاماً) بـ78 شكوى أي 24%، ثم الفئة العمرية (أكثر من 50 عاماً) بـ 70 شكوى أي 22%.
تظهر احصائيات الشكاوى والشهادات التي تلقتها الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون أنّ الشباب هي الفئة الأكثر تعرضاً للاعتداء والاعتقال عند ممارستهم لحق التجمع. فقد تعرض 28 شخصاً ممن هم أقل من 35 عاماً للاعتقال والملاحقة القضائية من أصل 45 ممن شملتهم الدراسة.
لماذا لم تنجح الحراكات الاحتجاجية في فلسطين؟
ترافقت نشأة حراكات الاحتجاج الاجتماعي والسياسي أو المجموعات المختلفة في فلسطين على مدار السنوات الماضية مع متغيرات مشجعة للمشاركة السياسية مثل؛ الثورة التقنية وتكنولوجيا المعلومات بما فيها ثورة وسائل الاتصال وانتشار الانترنت التي تُمَكّنْ المواطنين من الاطلاع على تفاصيل القضايا الوطنية والإنسانية، والاتصال بالعالم والقدرة على التأثير بالأحداث، وثورات الربيع العربي التي أشارت إلى قدرة المواطنين على التغيير في العمل الجمعي عبر وحدة الحراكات الاجتماعية المختلفة وتحول الشباب إلى محرك وقادة هذه الثورات.
عادة تتكون حراكات الاحتجاج لظرف محدد لكن توسعها يأتي في إطار تراكم فشل أداء مكونات النظام السياسي في الاستجابات لاحتياجات المواطنين الأساسية. تكونت في فلسطين العديد من الحراكات السياسية والاجتماعية في السنوات الخمسة عشرة الماضية مثل حراك إنهاء الانقسام، وحراكات اجتماعية مثل الضمان الاجتماعي، وحماية حرية التعبير، بالإضافة إلى تجمعات سياسية لقوى اجتماعية وحزبية للاحتجاج على وضع له تأثير سياسي.
لكن هذه الحراكات والمجموعات الشبابية ما زالت في الضفة الغربية تحديداً هي مجموعات هلامية؛ تظهر في بعض الأحيان كتحالف بين أفراد أو منتمين لأحزاب سياسية أو ذوي خلفيات سياسية في لحظات/ أوقات الأزمات الداخلية أو الاحتجاجات كما حدث في عام 2021 بعد مقتل الناشط نزار بنات، أو عام 2017 بسبب قطع رواتب الموظفين في قطاع غزة ووقف بعض أوجه الانفاق على قضايا حياتية فيه، وعام 2018 في الاحتجاجات على قانون الضمان الاجتماعي. لكن سرعان ما تنتهي أو تذوب بعد هذا الاحتجاج أو ذاك كما جرى مع القيادات الشبابية في العام 2011 الذي هدف لإنهاء الانقسام أو حراك 2017 وحراك 2021 حيث أنّ القيادات التي برزت في الحراكين الأخيرين هي إما من القيادات السياسية للأحزاب والفصائل الفلسطينية أو شخصيات عامة اجتماعية أو سياسية.
يعود عدم نجاح الحراكات الاجتماعية والتجمعات الشبابية إلى؛ ضبابية الأهداف والغايات من هذه الاحتجاجات لدى الأطراف المشاركة بالخلط بين معارضة الحكومة في سياساتها ومعارضة النظام السياسي بمجملة، وأحياناً الخلط بين التناقض الرئيسي المتمثل بالاحتلال والتناقض الثانوي لدى بعض المنظمين والمشاركين باستخدام شعارات لا يحملها جميع المشاركين في هذه الاحتجاجات، وضعف التنسيق بين التوجهات المختلفة، والاستعجال في الوصول إلى غايات سياسية (حرق مراحل الاحتجاج)، وغياب التفهم لمصالح الشركاء المختلفة للمنخرطين في الاحتجاج وقدرتهم على التحمل، وضعف المشاركة الشعبية في هذه الاحتجاجات وتركزها في مدينة رام الله "مركز القرار السياسي والإداري". هذا بالإضافة إلى تنامي التضيق على ممارسة الحق بالتجمع من قبل السلطات الحاكمة في الضفة والقطاع في السنوات الماضية، حيث أشارت التقارير السنوية الهيئة المستقلة لحقوق للأعوام 2016- 2024، إلى وقوع انتهاكات متكررة للحقّ في التجمع السلميّ وحرية التعبير؛ كمنع التجمعات والتضييق على الناشطين والحراكات الاجتماعية المعارضة، انظر الجدول التالي:
نحو مسارات عمل تعزز المشاركة الشعبية في الحياة العامة
من نافل القول، إنّ الأدوات التأطيرية كالأحزاب والمنظمات المجتمعية لديها عوامل قادرة على إنضاج الظرف الذاتي وفهم الظرف الموضوعي بما فيه طبيعة التحالفات مع القوى الإقليمية والعالمية والقدرة على المساعدة والمساندة والمشاركة من جهة، وإحداث التأثير في المجتمع من جهة ثانية، وتوسيع المشاركة الشعبية في العملية الكفاحية من جهة ثالثة، وتوحيد الأدوات التأطيرية في تطوير المشاركة في رسم السياسات العامة والرقابة على تنفيذها من جهة رابعة.
وبهذا المعنى فإن قدرة الأحزاب والتنظيمات السياسية أو المجتمعية؛ كأدوات تأطير وتنظيم وقيادة للشعب أو الفئات الثورية أو الطبقات المناضلة، على اختيار الأشكال والوسائل النضالية المتناسبة مع القدرة الشعبية وتحملها وفهم التحالفات الداخلية والخارجية، والقدرة على التفريق بين التناقض الرئيسي والثانوي في مراحل العمل تشكل قضايا رئيسية لتعميق المشاركة الشعبية. كما أنّ اختيار أيّ شكل أو أشكال نضالية ينبغي أنْ تنطلق من قاعدة ذات ثلاثية الأبعاد تتمثل بـ (1) توسيع قاعدة المشاركة الشعبية الأمر الذي يتطلب استخدام أشكال "قليلة التكلفة" البشرية والمادية كي تكون جاذبة للشرائح المجتمعية المختلفة، و(2) زيادة التكلفة على الطرف الآخر وهي ليست بالضرورة تكلفة مادية بقدر التكلفة الأخلاقية، و(3) توسيع دائرة التضامن العالمي وتحويله إلى آليات ضغط على حكومات بلدانهم. هذه القاعدة تنطبق أيضاً على العمل الشعبي في مواجهة الانتهاكات الداخلية ومنعها، وفي تفعيل المشاركة في رسم السياسات العامة والرقابة على أداء الحكومة ومؤسساتها.
إنّ الأدوات التأطيرية الحكيمة تنظر بعناية لمسألة تبني وسائل وطرق تتناسب مع قوة الدفع للشعب الفلسطيني بهدف تطوير المسارات المتوازية التي ترتكز بالأساس على؛ أولاً: تطوير أدوات استعادة الوحدة الوطنية بما يضمن مشاركة واسعة في صنع القرارات السياسية والاجتماعية وعدم تهميش أيّ من الأدوات التأطيرية أو المجموعات الشعبية. وثانياً: تعزيز صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه في أرضه، وتفعيل وتكثيف المقاومة الشعبية للتصدي لسياسات سلطات الاحتلال الاسرائيلي وممارساته واعتداءات المستوطنين بهدف تعظيم التضامن الدولي. بالتوازي مع تطوير استخدام أدوات هيئة الأمم المتحدة، وتعزيز حملة مقاطعة الاستثمار في إسرائيل BDS وعزلها، ودعم الملاحقة القانونية لأعضاء الحكومة الاسرائيلية وقادة جيش الاحتلال أمام المحاكم المحلية للدول التي يتيح نظامها القانوني وأمام المحكمة الجنائية الدولية، ناهيك عن تفعيل الدبلوماسية الشعبية سواء لتطوير أشكال الدعم الشعبي على المستويات المختلفة العربية والاسلامية والدولية وزيادة عدد المتضامنين الأجانب في أشكال المقاومة الشعبية من ناحية، والتأثير على قرارات البرلمانات والحكومات وسياستها اتجاه القضية الفلسطينية في بلدانهم من ثانية.
التوصيات:
إنّ توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في العمل العام يعزز من مبدأ المواطنة بشقيها الحقوق والواجبات، ويعزز من مبدأ الانتماء لمصلحة الوطن، ويمنح الفئات الاجتماعية مكانة هامة في المجتمع على طريق إحداث تغييرات جوهرية بما يشمل الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية من أجل تحقيق الأهداف الوطنية وإحداث التنمية المستدامة بتوظيف طاقات وجهود جميع الفئات بما فيها الشباب. هذا الأمر يطلب خطوات تتمثل بما يلي:
• تبني سياسة واضحة لمفهوم المقاومة الشعبية وتوفير الأطر التأطيرية لتفعيل المقاومة الشعبية لحماية المواطنين وممتلكاتهم، وتفعيل أدوات المقاومة الشعبية بما يتناسب مع طبيعة ظروف كل منطقة بما يعزز المشاركة الشعبية في مجالات العمل العام ويعزز صمودهم وبقائهم في مناطقهم.
• تطوير التشريعات المتعلقة بالمشاركة السياسية بما يضمن إتاحة الفضاء المدني لأشكال العمل الشعبي، وحرية التعبير بما يشمل الحق بالتجمع والاحتجاج على السياسيات، والمساهمة المنظمة في رسم السياسات العامة.
• تعزيز التنسيق بين التوجهات المختلفة المشاركة في حركة الاحتجاج عبر حوار يأخذ بعين الاعتبار مصالح الأطراف المختلفة وتفهم درجات مساهمتهم في الحراكات الاجتماعية والسياسية.
• إعادة صياغة العلاقة بين الأحزاب والفصائل وما بين الأطر الشبابية والطلابية عبر تمكينهم من مخاطبة القاعدة الشبابية والطلابية ببرامج عمل تستطيع جذب الشباب/ات وتحاكي اهتماماتهم وتدافع عن حقوقهم ومصالحهم بما يشمل؛
تعزيز المناخات الديمقراطية داخل الأطر التنظيمية للأحزاب وهياكلها بما يوفر للشباب مجالات الحوار والمناقشة وإبداء الرأي.
الاهتمام بالشباب وإعطاءهم مساحة للممارسة الشباب/ات دورهم الطبيعي كفاعلين ومؤثرين في المجتمع الفلسطيني.
تطوير أدوات الفصائل وآليات عملها وبرامجها بما ينسجم مع تطور وسائل الاتصال وثورة المعلومات، وبما يضمن إشراك الشباب في العمل السياسي.
تفعيل دور الأطر الطلابية كالاتحاد العام لطلبة فلسطين والاتحاد العام للشباب، وعقد انتخابات مجالس الطلبة للجامعات والاتحاد بشكل دوري لتنمية مهارات القيادة لدى الشباب.
تطوير التشريعات المتعلقة بالعمل السياسي كخفض سن الترشح للانتخابات التشريعية إلى سن 23 بدلا من 28 سنة في القانون الحالي على سبيل المثال.

وسط رفض شعبي.. المنسق الأمريكي للشؤون الأمنية بالضفة يزور نور شمس

11 شهيدا بينهم 6 أسرى محررين برصاص وقصف الاحتلال في خان يونس ورفح

الاحتلال يقتحم مخيم الجلزون شمال رام الله ويطلق الرصاص الحي بكثافة

إحباط محاولة سرقة شركة صرافة بمدينة دورا جنوب الخليل

بعد عملية بيت حانون.. أبو عبيدة يتوعد جيش الاحتلال بمزيد من الخسائر في غزة

بن غفير يطالب باستعادة فريق التفاوض الإسرائيلي من الدوحة

التهديد الأول.. العبوات الناسفة تقتل 70% من جنود الاحتلال في غزة
