قانون الدين العام الجديد.. هل تنجح السلطة في كبح تصاعد الديون؟
اقتصاد محلي

قانون الدين العام الجديد.. هل تنجح السلطة في كبح تصاعد الديون؟

خاص صدى نيوز: أكد الخبير الاقتصادي مؤيد عفانة أن إصدار الرئيس محمود عباس قراراً بقانون رقم (20) لسنة 2025، والذي يتضمن تعديلات جوهرية على قانون الدين العام رقم (24) لسنة 2005، يهدف إلى تمكين السلطة الوطنية الفلسطينية من إعادة هيكلة ديونها وتحديد مفهوم جديد وشامل لـ"الدين العام".

وأوضح عفانة في تصريح خاص لـ"صدى نيوز" أن القانون الجديد يحمل في طياته العديد من المزايا الإيجابية، أبرزها إعادة تعريف الدين العام ليشمل كافة المتأخرات المستحقة على الحكومة، بما في ذلك مستحقات الموظفين ومتأخرات القطاع الخاص، بدلاً من اقتصار تعريفه على الاقتراض من القطاع المصرفي فقط كما هو معمول به حالياً.

وأشار إلى أن الحكومة الفلسطينية أبرمت اتفاقاً مع شركة أردنية متخصصة لإعداد آليات تتيح لها إصدار سندات لجدولة سداد ديونها المستحقة للموظفين والقطاع الخاص. وتقوم الشركة حالياً بدراسة الفائدة المترتبة على هذه السندات وأجل استحقاقها، حيث يُطرح خيار أن يكون الأجل لمدة سنة، إلا أن التوجه الأقرب للمنطق هو تحديد أجل الاستحقاق بخمس سنوات.

وبيّن عفانة أن منح الموظفين سندات سيكون اختيارياً وليس إلزامياً، بحيث يُعرض على الموظف خيار الحصول على سندات تتراوح مدتها بين سنة وخمس سنوات مقابل فائدة بنسبة 7% مثلاً، أو الانتظار إلى حين توفر السيولة اللازمة للسداد وفقاً للظروف المالية القائمة، دون أن تكون الحكومة ملزمة بالسداد الفوري.

وأضاف أن هذه السندات تفتح آفاقاً جديدة للموظفين والشركات، إذ يمكنهم بيعها للبنوك، إلا أن الأخيرة لن تقدم على شرائها ما لم يكن "حساب الوفاء" مغذى بالمال.

وفي هذا السياق، كشف عفانة عن وجود اتفاق مع الاتحاد الأوروبي لتمويل "حساب الوفاء"، إلا أن الأوروبيين اشترطوا الحفاظ على استقلالية هذا الحساب، وخضوعه للرقابة والشفافية العالية، وعدم السماح للسلطة الوطنية بالتصرف فيه، على غرار ما حدث سابقاً مع صندوق هيئة التقاعد والمعاشات.

كما أشار إلى أن وزارة المالية أنشأت مؤخراً دائرة جديدة تحت اسم "دائرة ضبط الدين العام"، تتولى معالجة مختلف القضايا المتعلقة بالدين العام وهيكلته.

ورغم أن القانون الجديد لن يؤدي إلى تفكيك الأزمة المالية الحالية بشكل مباشر وسريع، إلا أنه، بحسب عفانة، يفتح آفاقاً مهنية لمعالجة الأزمة على مراحل، أو على الأقل التخفيف من أعبائها المتراكمة.

وأوضح أن القانون المعدل يسمح ببلوغ سقف الدين العام نسبة تصل إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بالقانون السابق الذي حدد السقف عند 40%. وقدّر عفانة أن الدين العام الحالي وصل إلى نحو 86% من الناتج المحلي، وربما تجاوز 100% عند احتساب بعض الديون التي لم تُرصّد حتى وقت قريب.

وأضاف أن القانون الجديد يحدد "سقف الاقتراض السنوي" الذي يضبط حجم الديون المخصصة لتمويل العجز في الموازنة أو إعادة هيكلة الدين القائم، كما ينص على "خطة السداد" التي تنظم آلية ترصيد الأموال وفق مواعيد الاستحقاق. ومن أبرز التعديلات أيضاً استبدال مصطلح "صندوق الوفاء" بـ"حساب الوفاء"، الذي يمثل محوراً مركزياً في القانون الجديد.

وفيما يتعلق بتمويل "حساب الوفاء"، أوضح عفانة أنه من المفترض أن يكون بحجم الدين العام، إلا أن ذلك غير ممكن عملياً نظراً لارتفاع قيمة الدين، لكن يمكن تغذيته وفقاً لقيمة السندات المستحقة للتسديد، مع مراقبة العملية بشكل مستمر واتخاذ قرارات دورية بشأن تغذية الحساب.

وأشار إلى أنه في حال حلول موعد استحقاق السندات للموظفين أو القطاع الخاص وعدم قدرة الحكومة على السداد، يمكنها طلب تأجيل التسديد مقابل فائدة معينة، كما هو معمول به في عدة دول.

ولم يتسن لـ"صدى نيوز" الحصول على تعقيب من وزارة المالية أو أي مصدر حكومي حول هذه المعلومات، لكنها ستقوم بالنشر فور توفر الرد الرسمي.

وتجدر الإشارة إلى أن السلطة الوطنية الفلسطينية تعاني من أزمة مالية خانقة منذ عدة سنوات، حالت دون الوفاء الكامل بالتزاماتها تجاه الموظفين وشركات القطاع الخاص، وقد تفاقمت هذه الأزمة بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، إثر احتجاز سلطات الاحتلال للجزء الأكبر من أموال المقاصة التي تشكل نحو 68% من إجمالي إيرادات السلطة، قبل أن تتوقف عن تحويلها بشكل كامل منذ ستة أشهر. علماً أن موظفي القطاع العام لم يتقاضوا رواتبهم كاملة منذ نوفمبر 2021.

وبحسب بيانات وزارة المالية، بلغ إجمالي الدين العام حتى نهاية مايو 2025 نحو 45.5 مليار شيقل، موزعة على عدة جهات، منها 15.4 مليار شيقل للبنوك (محلياً وخارجياً)، و6.6 مليار شيقل للقطاع الخاص، و5.2 مليار شيقل رواتب مستحقة للموظفين، إضافة إلى ديون أخرى بقيمة 18.3 مليار شيقل.

ويُقدّر مراقبون أن الدين العام ارتفع مؤخراً ليتجاوز 47 مليار شيقل. كما أشارت بيانات حديثة للوزارة إلى أن المستحقات المتراكمة لصالح موظفي القطاع العام بلغت مع نهاية سبتمبر الماضي نحو 6.6 مليار شيقل.

اقرأ أيضاً: تعديل قانون الدين العام في فلسطين وإنشاء "حساب الوفاء" للسندات الحكومية