البرازيل تستضيف قمة "بريكس" 2025 في ظروف استثنائية
مال وأعمال

البرازيل تستضيف قمة "بريكس" 2025 في ظروف استثنائية

صدى نيوز - تستعد البرازيل لاستضافة قمة مجموعة "بريكس" لعام 2025، التي ستُقام في 6 و7 يوليو في ريو دي جانيرو، تحت شعار "تعزيز التعاون بين دول الجنوب العالمي لحوكمة أكثر شمولاً واستدامة"، حيث تنعقد قمة هذا العام في ظل أوضاع استثنائية، مع التوترات التجارية الناتجة عن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب على معظم دول العالم واقتراب انتهاء مهلة تعليقها، والنزاعات الجيوسياسية، مثل دخول حرب روسيا في أوكرانيا عامها الرابع، وتبادل الهجمات بين إسرائيل وإيران -الدولة العضو في المجموعة- التي انتهت بإعلان ترمب وقف إطلاق النار بين الجانبين.

1) من أبرز الغائبين والحاضرين في قمة "بريكس" 2025؟

لأول مرة ستشارك 20 دولة عضوة وشريكة في قمة "بريكس"؛ البرازيل وروسيا والهند والصين، الدول الأربع المُؤسسة قبل انضمام جنوب أفريقيا في 2010، ومصر والإمارات وإثيوبيا وإيران التي انضمت في يناير 2024، وإندونيسيا بعد انضمامها رسمياً إلى المجموعة في يناير الماضي. إلى جانب 10 دول شريكة: بيلاروسيا، وبوليفيا، وكوبا، وكازاخستان، وماليزيا، ونيجيريا، وتايلندا، وأوغندا، وأوزبكستان، وفيتنام، التي أُعلن انضمامها كدولة شريكة الشهر الماضي.

يتغيب عن هذه القمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف في حقه في مارس 2023 بتهم ارتكاب جريمة حرب، على خلفية "ترحيل أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني" من أراضي أوكرانيا إلى روسيا. مع ذلك، سيشارك بوتين في القمة عبر اتصال بالفيديو، ويمثله في الحضور وزير الخارجية سيرجي لافروف، بحسب وكالة "تاس".

وللمرة الأولى، سيتغيب الرئيس الصيني شي جين بينغ عن قمة قادة "بريكس". ونقلت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ ستار"، أول من أورد الخبر، عن أشخاص مطلعين على الأمر أن بكين عزت تغيب شي إلى تضارب في جدول المواعيد، وأضافوا أن الاجتماعات المتكررة بين شي والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دي سيلفا خلال العام الماضي، كانت ضمن العوامل المؤثرة أيضاً. وسيمثل رئيس الوزراء لي تشيانغ الرئيس الصيني في القمة. ثم يقوم بزيارة رسمية إلى مصر تلبيةً لدعوة نظيره المصري مصطفى مدبولي، بحسب وكالة "شينخوا".

بخلاف لافروف ولي، يُتوقع أن يحضر القمة كل من: رئيس البرازيل لولا دا سيلفا، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامفوزا، والرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان، ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، ورئيس إندونيسيا برابوو سوبيانتو، فضلاً عن قادة وزعماء الدول الشريكة في المجموعة، ومن تُوجّه إليهم الدعوة لحضور القمة.

2) ما البنود والموضوعات المتوقع طرحها خلال قمة "بريكس 2025"؟

خلال رئاستها المتناوبة لمجموعة "بريكس" هذا العام، تعطي البرازيل الأولوية لموضوعين: التعاون بين دول الجنوب العالمي، والشراكات بين دول المجموعة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وتقترح البرازيل تركيز الاهتمام السياسي في إطار هذين الموضوعين على 6 مجالات رئيسية:

- التعاون الصحي العالمي: تشجيع مشروعات التعاون الحقيقية بين دول "بريكس" لدعم التنمية المستدامة والشاملة في عدة قطاعات، لا سيما الصحة، وضمان إمكانية الحصول على الأدوية واللقاحات، وإطلاق شراكة دول "بريكس" للقضاء على الأمراض المرتبطة بالعوامل الاجتماعية والأمراض المدارية المهملة.

- التجارة والاستثمار والتمويل: دراسة حوكمة وإصلاح الأسواق المالية، والعملات المحلية، وأدوات الدفع ومنصاته باعتبارها وسائل لزيادة وتنويع تدفقات التجارة والتمويل والاستثمار، وتنفيذ الشراكة للثورة الصناعية الجديدة، وتبني استراتيجية 2030 للشراكة الاقتصادية بين دول "بريكس".

- تغير المناخ: تبني أجندة "بريكس" لريادة العمل المناخي، بما يشمل إعلان إطار عمل القادة بشأن التمويل المناخي الذي يهدف إلى إدارة التغيير الهيكلي في القطاع المالي.

- حوكمة الذكاء الاصطناعي: دعم الحوكمة الدولية الشاملة والمسؤولة للذكاء الاصطناعي لتسخير إمكانات هذه التكنولوجيا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

 هيكل متعدد الأطراف للسلام والأمن: دعم إصلاح عالمي لهيكل نظام السلام والأمن متعدد الأطراف لضمان اتخاذ إجراءات فعالة في التعامل مع الصراعات، ومنع الكوارث الإنسانية، وتجنب اندلاع أزمات جديدة، فضلاً عن إعادة بناء الثقة والتفاهم المتبادلين، واستئناف الجهود الدبلوماسية، ودعم الحلول السلمية للصراعات والخلافات.

- التطوير المؤسسي: تحسين هيكل "بريكس" وتعزيز تماسكها.

3) ما التحديات التي تواجهها "بريكس" في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة؟

تتعدد التحديات التي تواجه المجموعة في ظل البيئة العالمية الحالية. بالأخص في ظل تبعات الرسوم الجمركية الأميركية على الاقتصاد العالمي ونموه، فضلاً عن التوترات الجيوسياسية في مناطق مختلفة من العالم.

فعلى الصعيد الداخلي، تنقسم آراء الدول الأعضاء حول ما إذا كان توسيع المجموعة سيعزز من نفوذ "بريكس" أو يضعفه في الفترة الحالية. كما توجد خلافات سياسية بين بعض الدول الأعضاء، مثل النزاع الحدودي بين الصين والهند، والخلاف بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، أو بين الأعضاء ودول غربية، مثل الدعم الغربي لأوكرانيا في مواجهة روسيا، والهجمات الإسرائيلية على إيران، والتي شاركت فيها الولايات المتحدة في النهاية بقصف المنشآت النووية الإيرانية.

كذلك هناك تفاوت اقتصادي كبير بين دول "بريكس"، ما يجعل فكرة التكامل الاقتصادي أكثر صعوبة. ويشير تقرير لمجلة "ذا ديبلومات" إلى أنه بينما تستفيد بعض الدول من العلاقات الاقتصادية القوية، تواجه أخرى حواجز كبيرة أمام دخول الأسواق.

وتعتمد "بريكس" على إصدار القرارات بتوافق الآراء، في ظل عدم وجود هيكل مؤسسي، مثل أمانة عامة للمجموعة، ما يحد من قدرتها على اتخاذ قرارات موحدة وسريعة.

كما تتباين مواقف الأعضاء تجاه الدول الغربية، فبعضها تربطه علاقات قوية بالولايات المتحدة، مثل الهند والبرازيل، بينما أشار بوتين العام الماضي إلى أن قمة "بريكس" تؤكد أنه جارٍ تشكيل عالم متعدد الأقطاب، في تحدٍ للنظام العالمي الحالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.

4) ماذا عن ضغوط ترمب على "بريكس"؟

حذر ترمب بعد أسابيع من فوزه بالانتخابات دول المجموعة، وكتب في منشور على منصة "تروث سوشيال": "نطلب التزاماً من هذه الدول بأنها لن تدشن عملة جديدة لمجموعة (بريكس)، ولن تدعم أي عملة أخرى لتحل محل الدولار الأميركي القوي، وإلا ستواجه رسوماً جمركية بنسبة 100%، ويجب أن تتوقع أن تودِّع البيع في الولايات المتحدة الرائعة"، وقد يُطرح هذا الموضوع على طاولة المجموعة خلال القمة.

وناقش ترمب ومستشاروه الاقتصاديون سبل معاقبة الخصوم والدول الأخرى التي تسعى إلى الانخراط في التجارة الثنائية بعملات أخرى غير الدولار، وتشمل هذه التدابير النظر في خيارات مثل قيود التصدير ورسوم التلاعب بالعملة والرسوم على التجارة، وفق أشخاص مطلعين على الأمر.

ورداً على تهديدات ترمب، نفت حكومة جنوب أفريقيا في أوائل ديسمبر الماضي وجود خطط لإصدار ما يُطلق عليها عملة "بريكس" الموحدة، وأفاد بيان صادر آنذاك عن وزارة العلاقات والتعاون الدوليين بأنه: "شاعت تقارير غير دقيقة في الآونة الأخيرة أن مجموعة (بريكس) تخطط لإصدار عملة جديدة، وهذا عارٍ من الصحة".

وأضاف البيان: "الأمر ليس ذلك، المناقشات الدائرة بين دول (بريكس) تركز على استخدام العملات الوطنية في التبادل التجاري بين الدول الأعضاء".

كما لفتت الوزارة إلى أن "جنوب أفريقيا تؤيد الاستخدام المتزايد للعملات الوطنية في التجارة الدولية والمعاملات المالية لتخفيف أثر تقلبات سعر الصرف الأجنبي، بدلاً من التركيز على وقف استخدام الدولار".

من جانبه، كرر ترمب تحذيره لدول العالم بشكل عام، ودول "بريكس" بشكل خاص، من أن أي محاولة لاستبدال الدولار ستُقابل برسوم جمركية هائلة تقصيهم عن الأسواق الأميركية. وقال في منشور على منصة "تروث سوشيال": "لا توجد فرصة لمجموعة (بريكس) أن تحل مكان الدولار الأميركي في التجارة الدولية، أو في أي مكان آخر، وأي دولة تحاول ذلك، عليها أن تقول مرحباً بالرسوم الجمركية، ووداعاً لأميركا!".

فضلاً عن ضغط ترمب على "بريكس" فيما يرتبط بموضوع الدولار، تتباين تبعات الرسوم الجمركية على الدول الأعضاء مع قرب انتهاء مهلة تعليقها خلال الساعات المقبلة، وفرض تعريفة جمركية أساسية بنسبة 10% لمدة 90 يوماً وبدء تطبيق الرسوم المرتفعة اعتباراً من 9 يوليو، وإعراب الرئيس الأميركي عن عدم نيته تمديد الموعد النهائي.

فبينما أعلن ترمب عن اتفاق تجاري مع فيتنام، وآخر مع إندونيسيا يُرتقب توقيعه رسمياً في 7 يوليو، عقد هدنة تجارية مع الصين في مايو لمدة 90 يوماً تنتهي منتصف أغسطس بموجبها تخفض واشنطن الرسوم الجمركية على الواردات الصينية إلى 30%، وتقلص بكين التعريفات الجمركية على السلع والبضائع الأميركية إلى 10%.

 كما أبرم اتفاقاً تجارياً أواخر يونيو الماضي مع الصين لتسريع وتيرة تصدير المعادن الأرضية النادرة والمغناطيسات إلى الولايات المتحدة. وأوضح وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك في مقابلة مع "بلومبرغ" أن التدابير الأميركية التي فُرضت قبيل محادثات لندن، وتشمل قيوداً على صادرات مواد مثل الإيثان المستخدم في صناعة البلاستيك، وبرمجيات الرقائق، ومحركات الطائرات، ستُرفع فقط بعد بدء تدفق العناصر الأرضية النادرة من الصين.

أما الهند، فقد ألمح ترمب أواخر الشهر الماضي  إلى احتمال توقيع اتفاق تجاري ضخم من شأنه أن يفتح السوق الهندية أمام الشركات الأميركية، لكن المفاوضات تشهد توتراً بسبب مطالبة واشنطن نيو دلهي بفتح سوقها أمام المحاصيل المعدلة وراثياً، ما ترفضه الهند بسبب إضرار هذه الخطوة بالمزارعين المحليين. كما ترفض نيو دلهي المضي قدماً في أي اتفاق لا يشمل مسألتي الوصول القطاعي إلى الأسواق والرسوم الجمركية المتبادلة على صادراتها.

5) ما الآمال المعلقة على قمة "بريكس" 2025؟

تُعلَّق الكثير من الآمال على القمة التي ستستضيفها مدينة ريو دي جانيرو. ونقلت شبكة "تي في بريكس" تصريحات شيه هونغ جون، الباحث في مركز دراسات "بريكس" بجامعة الأعمال الدولية والاقتصاد في بكين، خلال مقابلة مع شبكة "سي جي تي إن" الصينية، أن آلية المجموعة تطورت من مفهوم اقتصادي أولي إلى منصة شاملة للتعاون.

وأكد شيه أنه يعلق آمالاً كبيرة على قمة "بريكس" في البرازيل، إذ تمثل أول اجتماع لزعماء المجموعة بعد التوسع. ويرى أن القمة ستضيف محتوى جديداً في مجالات التعاون الرئيسية على الصعيدين التجاري والاقتصادي.

وقال إن أهم أملين هما: "أولاً، إنشاء لجنة لتعزيز التجارة بين دول (بريكس) بهدف توحيد عمليات إصدار الشهادات والإجراءات الجمركية، ما سيسهل التجارة، ودعم التنمية المستدامة، والابتكار في الأعمال بين دول المجموعة. ثانياً، تعزيز آلية تبادل التكنولوجيا داخل (بريكس) لدعم التعاون بين الدول الأعضاء في مجالات مثل الطاقة الجديدة والتنمية المستدامة".

ورأى شيه أن الموضوعات الرئيسية الثلاثة التي ستُناقش في القمة هي: تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي، وإصلاح الحكومة العالمية، والمواجهة المشتركة للتحديات العالمية عبر التطوير المؤسسي لـ"بريكس"، وأن محور الاهتمام الرئيسي سيكون إحراز تقدم في تسوية المعاملات التجارية الثنائية بالعملات المحلية، وتنظيم سلاسل التوريد، والتجارة الرقمية.

وأضاف: "بالطبع ستشكل حوكمة الذكاء الاصطناعي موضوعاً رئيسياً أيضاً، فالسؤال الأساسي هو كيفية التأكد من أن السيطرة على الشبكات العصبية تخدم مصالح العالم بأكمله، ولا تقتصر على مجموعة صغيرة من الدول".

كما يُتوقع أن تعلن المجموعة عن إنشاء صندوق ضمانات جديد مدعوم من بنك التنمية الجديد، بهدف خفض تكاليف التمويل وتعزيز الاستثمار. وتهدف المبادرة، التي ستكون على غرار وكالة ضمان الاستثمار متعددة الأطراف التابعة للبنك الدولي، إلى مواجهة التغيرات في الاستثمار العالمي في ظل الضبابية المحيطة بالسياسة الاقتصادية الأميركية، بحسب ما كشفته وكالة "رويترز".

المصدر: الشرق