نريد أحزاباً سياسية.. لا دكاكين استثمار!
رئيس التحرير

نريد أحزاباً سياسية.. لا دكاكين استثمار!

كتب رئيس التحرير: لم تمر القضية الفلسطينية بمنعطفات أخطر مما تمر به اليوم، فقوة العدو وغياب الأخوة المدافعين عنها، بل وتآمرهم عليها لم يشهد التاريخ الحديث له مثيلاً، ولا ننسى تفرق وتقسم وتجزؤ الجسم الفلسطيني وانشطاره لقسمين منذ 14 عاماً.

في مثل هذه الظروف يبرز دور المجتمع المدني والشخصيات الوطنية والأحزاب، وفي هذه السطور سنتحدث عن الأحزاب، إذا صح تسميتها بهذا الاسم في فلسطين!

من إحدى تعريفات الأحزاب السياسية هي أن الحزب السياسي هو تجمع مواطنين يتقاسمون نفس الأفكار ويجتمعون لغرض وضع مشروع سياسي مشترك حيز التنفيذ للوصول بوسائل ديمقراطية وسلمية إلى ممارسة السلطات والمسؤوليات في قيادة الشؤون العمومية.

لو أخذنا هذا التعريف وأسقطناه على الأحزاب الموجودة في فلسطين، باعتقادكم، هل سيتناسب مع ما هو موجود على الأرض؟ هل أحزابنا تمتلك مشاريع سياسية واضحة؟ هل تمارس مسؤولياتها تجاه الشؤون العامة؟

 هل هناك أهم من انهاء الانقسام في الشأن العام الفلسطيني؟ أين الفصائل والأحزاب من معالجة هذه الكارثة؟ علماً أن أكبر فصيلين (فتح وحماس) هما من خلقتا هذا الانقسام!

شريحة كبيرة في فلسطين كفرت بالأحزاب، بل صار الانتماء للأحزاب شيئاً مستهجناً عند البعض، ولهذا الوضع أسبابه المنطقية التي دفعت الناس للابتعاد عن الأحزاب ونبذها، فأحزابنا تفقد البوصلة، ليست الأحزاب وحدها التي فقدت البوصلة، الوطن كله فقد بوصلته، لا انتخابات، لا ديموقراطية تمارس، لا ممثلين للشعب في البرلمان! 

أحزابنا الحالية هرِمت ببرامجها السياسية وبشخوصها وقياداتها، فغاب الشباب عن صنع القرار، واختفت أو بدأت تتلاشى الحاضنة الجماهيرية لهذه الأحزاب بمختلف توجهاتها الأيديولوجية، ويبرز ذلك واضحاً على الأرض عندما لا يستطيع حزب أو فصيل معين على جمع 1000 منتسب له للاحتجاج على صفقة القرن أو تطبيع الإمارات.


اجتمع الأمناء العامون للفصائل، واستمعنا إلى خطابات من الرئيس ورئيس المكتب السياسي لحماس والأمين العام للجهاد ونواب الأمناء العامون للفصائل الأخرى، كلها كلمات مكررة ووعودات ترددت كثيراً. لا جديد للمواطن، لا جديد للقضية!

إن عقد اجتماع الأمناء العامين ورغم الملاحظات عليه، إلا أنه يعد انجازا فلسطينيا داخليا، ولكن في الحقيقة ندرك ان هؤلاء الامناء العامون لا يتمتعون بحاضنة تنظيمية او شعبية مما يجعل من نتائج قراراتهم حبرا على ورق لا تنعكس على الحياة الفلسطينية.

تلعب الأحزاب السياسية في مختلف النظم السياسية أدواراً مهمة في بناء الدول ورفعتها وحمايتها، رغم التطاحن السياسي في البرلمانات، لكن حالتنا الفلسطينية مختلفة، بل متخلفة عن العالم، فحتى هذه الأحزاب التي يجب أن تكون جزءاً من بناء النظام الفلسطيني والدولة المستقلة لا يشارك جزء مهم منها في التشريعي (قبل وفاته) وفي منظمة التحرير حالياً، فكيف ستعمل هذه الأحزاب على بناء وتمتين النظام السياسي دون المشاركة فيه؟! هذا إذا كان هدفها بناء الدولة وتمتين النظام السياسي.

غياب الأحزاب في مختلف النواحي معناه سيطرة العصابات والفاسدين وتحكم للدكتاتورية في الحكم دون أدوات للمحاسبة والرقابة الشعبية وبالتالي غالباً يكون فيها حكم الفرد هو الطاغي وأدوات الحكم تكون أجهزة الامن او العصابات المتنفذة.

ما هي الأحزاب التي نريد؟ نريد أحزاباً حرة متجددة منتخبة وفق معايير الديمقراطية الحقيقية، حيث ان أربعة معايير أساسية مهمة في الحزب السياسي هي: استمرارية التنظيم، التواجد على المستوى المحلي والوطني، و الرغبة في الوصول وممارسة السلطة، و البحث عن المساندة الشعبية، ولا يمكن الحديث عن الديمقراطية في أي بلد دون وجود أحزاب سياسية قوية وفاعلة بالمعنى الحقيقي، فالتنظيمات والأحزاب السياسية تعتبر من أهم قواعد الديمقراطية، حيث تعبر هذه القواعد عن الوجود الشرعي للأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وعملية الاندماج في نظام دستوري مشروع ودورها في تنظيم الرأي العام واختيار القيادات السياسية، حيث تقوم الأحزاب بممارسة مهمة الرقابة على أعمال الحكومة من خلال تمثيلهم بالبرلمان الذي هو يعكس نظام اي دولة حضارية وهذا ما تفتقد له فلسطين.

في فلسطين واقع مرير حالياً، حيث انعدام وجود الأحزاب والفصائل وكذلك الاتحادات والنقابات ومعظم ما هو موجود وهمي وغير حقيقي، حيث تعرضت معظم الحركات والأحزاب والنقابات والاتحادات لضربات قوية أنهت جزءا كبيرا منها وأصبحت بعيدة كل البعد عن دورها المطلوب والحقيقي، مما جعل حالة الضعف للقضية الفلسطينية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية وانعدام حرية الرأي والتعبير، إضافة إلى حجب المشاركة للكفاءات واختفاء الإبداعات.

تفعيل الأحزاب والفصائل و إعادة انتخابات الاتحادات والنقابات وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني ضرورة قصوى لاستعادة اللياقة المطلوبة للقضية الفلسطينية على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية، وإعادة لثقة المواطن بهذه الأحزاب.

عودة الانتخابات على المستوى الوطني تشريعية ورئاسية متطلبات عاجلة وفوراً، مهم ان تنعكس على تفعيل كل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بحيث تحتكم جميع هذه الأحزاب ضمن رؤية واحدة للوصول للحرية والاستقلال الوطني وإقامة الدولة الحرة والديمقراطية.

يجب العمل على إعادة الأحزاب الفلسطينية لتكون أحزاباً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لا أن تكون دكاكين للاستثمار.