حنينُ العربي لعصر الاستعمار!
مقالات

حنينُ العربي لعصر الاستعمار!

استغرب كثيرون من حنين بعض أهلنا في لبنان إلى عصر الاحتلال الفرنسي السالف، بسبب ما حلَّ بدُرَّةِ بلدان العرب، لبنان، من كوارث ومآسٍ، خاصة بعد كارثة بيروت يوم 4-8-2020! هذا الحنين ليس بِدعاً، بل هو ظاهرةٌ في معظم بلاد العرب، تستحق دراسة مكثفة.
بعضُ المستغربين، خاصة من صغار السن، لم يقرؤوا تاريخ العالم، بل فتحوا عيونهم على ظلم ذوي القُربى، فرأوَا كيف يبطُش الأهلُ بالأهلِ، وكيف يتحول كثيرٌ من الحكامِ من خادمٍ للشعبِ إلى لِصِ، وجلاَّدٍ، وسفاحٍ، وقاتل، وكيف حوَّل الحكامُ شعوبَهم إلى عبيدٍ يخدمونهم ويخدمون أبناءهم وأتباعهم، هؤلاء ينطبق عليهم قول الشاعر الفيلسوف، أبي العلاء المعري، عن الحكام الطُغاة:
ظَلموا الرَّعيةَ، واستجازوا كيدَها....... وعَدَوْا مصالحَها، وهُم أُجراؤها!
أما بعضُ مَن ضخموا هذه الظاهرة من المتآمرين وأعوانهم، اعتبروها الفرصة السانحة للقضاء على أمجاد الوطن وثقافته ليتسنى لهم تنفيذ خططهم ومؤامراتهم، هؤلاء استفادوا من ضائقة كثيرٍ من شعوب العرب، وحاولوا نشر فيروس الإحباط واليأس بين صفوفهم، كثَّفوا في إعلامهم ظاهرة حنين المقهور إلى عهدٍ المستعمر المحتل، بنشر المفسدين السياسيين وتمكينهم من ناصية الحكم لتهجير الكفاءات، مستفيدين من هيمنة الإعلام في ألفيتنا الثالثة، فسخروه لخدمة أغراضهم.
لكل ما سبق هرب المقهورون العرب إلى سلفيتهم، لأنهم لم ينجحوا في المنافسة على المستقبل، وأعادوا المجتمعَ المدني إلى مجتمعٍ قبلي، وعندما فشلوا في الإنجازات والاختراعات، هربوا من الأفعال إلى الأقوال، ونشروا التمائمَ، والرُّقى، وتفسير الأحلام، هروباً من عدم قدرتهم على صياغة برنامجٍ نهضوي، يُمكنهم من اللحاق بركب الحضارة والرقي!
ما أكثرَ أبناء يعرب الذينَ لم يقرؤوا كتبَ أجدادهم، ليعرفوا أن هذه الظاهرة، ظاهرة السلفية والحنين إلى الماضي ليست وليدة الحاضر الأليم، بل هي ظاهرة عند الشعوب المغلوبة، وأنَّ علماءَ العرب الأفذاذ قد شخصوها بكفاءةٍ منقطعة النظير، للأسف، تعلَّم منها الغربيون، بعد أن ترجموها إلى لغاتهم، وأصبحت أفكار علماء العرب النابغين مادةً رئيسة في جامعاتهم وأكاديمياتهم، استفادوا منها، وبنوا حضارتهم على آراء علمائنا العرب، أما نحن فقد طويناهم في خزائن النسيان، ولم نستفد من أفكارهم، اكتفينا فقط، بحفظ أسمائهم، وتواريخ ميلادهم لننجح في الامتحانات الحشوية!
عالمُ الاجتماع العربي التونسي الفذ، عبد الرحمن بن خلدون، المتوفى، قبل أكثر من خمسة قرون، عام 1406، صاحب اسم أطول كتاب عربي، كتاب: (العبر، وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر، ومَن خالطهم من ذوي السلطان الأكبر)، هذا الكتاب اختصرَ كثيرون أجزاءه الثمانية في (مقدمة ابن خلدون) وصف حالَنا اليومَ، وكأنه يعيش بيننا، لأنه كان يتمتع بحاسة العلماء، قال بتصرف:
«المغلوبُ مولعٌ أبداً بتقليدِ الغالبِ في شِعاره، وزيّهِ، ونِحلَتِهِ، وعوائِدِه، وسائرِ أحوالِهِ، والسببُ في ذلك يعودُ إلى أن النفسَ تعتقدُ الكمالَ في مَن غلبَها، وانقادتْ إليه، إمَا لنظرةٍ بالكمال، بما وقرَ عندها من تعظيمِهِ، لذلك ترى المغلوبَ يتشبَّهُ أبداً بالغالب في مَلبَسِهِ، ومَركبِهِ، وسلاحِهِ... كما هو الحالُ في الأندلس، فإنك تجدهم يتشبهون بالغالب في ملابسهم، وشاراتهم، والكثيرِ مِن عوائدهم، حتى في رسمِ التماثيل على الجدران، والمصانع والبيوت... العامةُ على دِينِ ملوكِهم». المقدمة صفحة 147.
لو عاش ابن خلدون بيننا فإنه سيُضيفُ إلى نظريتِه السابقة نظريةً جديدةً:
«العربيُّ المقهور، المُحبطُ، المأسور يحلمُ بعودةِ مستعمرِه القديمِ، محتلِّ أرضِه، إلى وطنه سيداً مُطاعاً لينتقمَ مِن حاكِمِهِ الظالمِ الذي يمتصُّ دَمَه، ويضُخُّهُ في شرايين أبنائِه والمقربين»!

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.