أموال الفلسطينيين تتسرب عبر فتحات الجدار
رئيس التحرير

أموال الفلسطينيين تتسرب عبر فتحات الجدار

كتب رئيس التحرير: لا يختلف اثنان على أن السلطة الفلسطينية ومنذ نشأتها، وقبل ذلك تأسيسها، أُريدَ لها أن تكون تابعة اقتصادياً لإسرائيل، لتكون بذلك دولة الاحتلال أول احتلال مُربِح في التاريخ الحديث، وربما البشري، فالبديهي أن تكون دولة الاحتلال تحمل أعباء المواطنين المُحتلين، إلا أن إسرائيل تستثمر في احتلالها الذي يدرُّ لها ذهباً وفضة.

منذ نشأة السلطة أيضاً وعلى مدار الحكومات المتعاقبة لم نرَ مشاريع تسحب البساط من تحت إسرائيل، ليبني الفلسطيني دولته، وبالحد الأدنى أن لا يتربَّح الإسرائيلي على حساب دم الفلسطيني وقوت يومه. لم نرَ مشاريع تحوّل الاستيراد إلى اكتفاء ذاتي أو إلى تصدير، بل على العكس من ذلك، فقد انغمس الفلسطيني بالاستيراد من تل أبيب على حساب الصناعات المحلية التي تآكلت واختفت، فأين صناعة الملابس في نابلس، والأحذية في الخليل، وأين السياحة في معظم مناطق الضفة وقطاع غزة؟

السياحة؟! .. نعم، هذا النفط الفلسطيني غير المستخدم، والذي هُمِّش وضُرب في الصميم، لم يُستثمر به ولم يُبنَ على أساسات قوية، ما جعل السياحة الخارجية (ٌبل الكورونا) والداخلية قبل وبعد الكورونا شحيحة لا تكاد تُذكر، وعلى العكس تماماً، فقد انتقلت السياحة الداخلية إلى إسرائيل، والتي أحدَثت عن عمد فتحات في جدار الفصل العنصري أيام العيد حتى يتسرب المواطنون إلى داخلها ويلقوا بأموالهم في جيوب المستوطنين!

المواطن الفلسطيني العادي لا ذنب له، فالحصار والدمار والفقر والتضييق واختفاء البديل الفلسطيني دفعته كلها إلى أن يعبر فتحة الجدار برفقة عائلته متوجهاً إلى شواطئ حيفا ويافا. كلُّ اللوم على الحكومة ورجال الأعمال الفلسطيينيين الذين لم يستثمروا في الاقتصاد السياحي.

لقد تركت الحكومات المتعاقبة الباب مفتوحاً لإسرائيل لإغراقنا بكل شيء، في كل القطاعات، الزراعي والصناعي والسياحي، فخضارهم أغرقت السوق، ما تسبب في مخاسر لا يعلمها إلا الله للمزارعين البسطاء، والذي عزف كثير منهم عن الزراعة وتحول إلى عامل في إسرائيل ليطعم أطفاله. 

أين المصانع التي افتتحتها الحكومة أو رجال الأعمال الفلسطينيين منذ تولي السلطة مهامها وحتى اليوم؟ هناك أكثر من ربع مليون عامل فلسطيني في إسرائيل، ألا يمكن للاقتصاد الفلسطيني تحملهم ليبنوا ويعمروا ويطورا؟ 


إنه ألم مجبول بغصة وغضب عندما يُقدم الفلسطيني على إنفاق ماله داخل الاقتصاد الإسرائيلي، فيكبر كرش المقاول ورجل الأعمال الإسرائيلي على حساب جوع طفل وعائلة فلسطينية.

لو وجدت العائلة الفلسطينية مشاريع سياحية كالمنتزهات ومُدن الملاهي، لو وجدت الأماكن الأثرية مجهزة لاستقبال الزوار، هل تعتقدون أنها ستغامر وتعبر جدار الفصل بما يعتريه من تهديدات؟

 هل قامت وزارة السياحة بوضع آليات لتشجيع السياحة الداخلية لمنع صرف أموالنا داخل الأراضي المحتلة طوال هذه السنين؟ 

لماذا مثلاً لم يتم العمل على تطوير منطقة وادي الباذان التي تزدهر بالأشجار والمياه والمناطق الخلابة؟ لماذا لم يتم العمل على تطويرها لتصبح مكاناً سياحياً يستقطب كل أفراد المجتمع، لماذا لم يتم تطوير منطقة مياه العوجا لتصبح مكاناً سياحياً خلاباً؟ هذا عدا عن عشرات الأماكن السياحية الأخرى.

هل قرأتم يوماً منشوراً أو كتيباً أو بوست فيسبوك صادر عن وزارة السياحة للتشجيع على السياحة الداخلية؟ الإجابة الأكيدة (لا).

هل ساهم التلفزيون الرسمي الذي يُنفق عليه عشرات الملايين سنوياً في تشجيع السياحة الداخلية؟ لا.

هل لدينا دليلاً بالمناطق الأثرية والتاريخية او التي قامت الحكومة بترميمها؟ هل اجتمعت وزيرة السياحة مع أصحاب الأماكن السياحية  وجهزت عروضاً للاقامة في الفنادق مثلا من قبل أبناء شعبنا، ولا نقصد الآن في عهد الكورونا بل في كل الأوقات؟

اسرائيل لا تترك شاردة ولا واردة إلا وتستفيد منها، وتجنباً للمخاسر في القطاع السياحي الاسرائيلي فقد قامت بإدخال الفلسطينيين عبر فتحات في الجدار وحتى تركت بوابات في المعابر مفتوحة لتخفف النقود الفلسطينية من مخاسر كورونا.

واجبنا أن نخطط للانفكاك السياسي أولاً عن الاحتلال، وكذلك الانفكاك الاقتصادي من خلال بناء بنية تحتية وبرامج سياحية داخلية، وعمل منشورات وبرامج توعوية للمجتمع الفلسطيني تمنعه من أن يكون ضحية الخداع والسيطرة الإسرائيلية.

هذه رسالة للحكومة ولوزارة السياحة، فهل تجد من يقرأها؟