شراكة على حساب الدم الفلسطيني: عشر دول أوروبية ترفض مراجعة علاقتها بإسرائيل
مقالات

شراكة على حساب الدم الفلسطيني: عشر دول أوروبية ترفض مراجعة علاقتها بإسرائيل

رفضت عشر دول أوروبية – على رأسها ألمانيا، المجر، إيطاليا، جمهورية التشيك، كرواتيا، ليتوانيا، قبرص، اليونان، وبلغاريا – مقترحاً هولندياً يدعو إلى مراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل رغم الانتهاكات الإسرائيلية الواضحة لكل بنود الاتفاقية التي تشترط احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي.

اتفاقية الشراكة، الموقعة عام 2000 تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين الجانبين ولكنها تنص بوضوح على أن العلاقة يجب أن تُبنى على “الاحترام المتبادل لحقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية” ، ومع ذلك لم يُتخذ أي إجراء عملي ضد إسرائيل رغم ما ترتكبه يومياً من جرائم إبادة وتهجير في قطاع غزة وعدوان ممنهج في الضفة الغربية.

حجم الكارثة في غزة والضفة

حتى شهر مايو 2025 بلغ عدد الشهداء في قطاع غزة أكثر من 58,567 شهيداً من بينهم نحو 16,250 طفلاً وأكثر من 20,120 امرأة إضافة إلى 168,610 جريحاً وقد استهدفت إسرائيل المدنيين عمداً عبر قصف البيوت والمدارس والمستشفيات ومخيمات اللاجئين أما في الضفة الغربية فقد ارتقى نحو 923 شهيداً بينهم 183 طفلاً وقرابة 62 امرأة نتيجة عمليات الإعدام الميداني والاقتحامات اليومية لمخيمات اللاجئين والمدن الفلسطينية.

وفي ظل الحصار ومنع المساعدات يواجه القطاع خطر الموت الجماعي جوعاً لا سيما مع التقارير الأممية التي تشير إلى انهيار المنظومة الصحية ونفاد المواد الأساسية للحياة في غزة خصوصاً في رفح والمناطق الشمالية.

نتنياهو يعلن نواياه: مركّبات جدعون ليست خطة عسكرية فقط بل مشروع إبادة
ما يحدث في غزة ليس حملة عسكرية محدودة بل تنفيذ صارم لمخطط إسرائيلي معروف باسم “مركبات جدعون”. وهي خطة وضعها الجيش الإسرائيلي مسبقاً لتكون عقيدة قتالية شاملة و تقوم الخطة على خمسة محاور أساسية:
    1.    الضربة الاستباقية الواسعة لتدمير البنية التحتية المدنية والعسكرية دفعة واحدة.
    2.    الردع عبر الرعب من خلال استهداف المدنيين لكسر إرادتهم.
    3.    الحصار والتجويع كسلاح إستراتيجي لإخضاع السكان.
    4.    التدمير طويل الأمد لإبقاء غزة خارج الجغرافيا السياسية والاقتصادية.
    5.    السيطرة على الرواية الدولية لتبرير الجرائم وتسويقها كدفاع عن النفس.

نتنياهو ومعه ائتلافه الفاشي لا يخفي نواياه في المضي نحو “النهاية الكاملة” لغزة مستنداً إلى دعم غربي مباشر أو صامت متذرعاً بالدفاع عن النفس ومستخدِماً خطة “مركّبات جدعون” كغطاء عسكري لمشروع تطهير عرقي كامل.

ازدواجية أوروبا… من المبادئ إلى المصالح

موقف الدول الأوروبية التي عارضت إعادة النظر في الشراكة مع إسرائيل يعكس ازدواجية خطيرة في القيم فالاتحاد الأوروبي الذي فرض العقوبات على دول عدة بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان يغض الطرف عن أفظع جرائم الإبادة في غزة بل ويواصل دعمه العسكري والسياسي لدولة الاحتلال.

في المقابل أظهرت بعض الدول الأوروبية مواقف مشرفة مثل إيرلندا وبلجيكا وسلوفينيا وإسبانيا ومالطا التي انتقدت العدوان ورفضت التورط في تجميل صورته ، بل إن بعض هذه الدول رفضت منح جنود يحملون جنسيتها ممن يخدمون في جيش الاحتلال الإسرائيلي حماية قانونية وبدأت محاكم في أوروبا بالتحقيق في جرائم حرب محتملة.

إن مواقف هذه الدول تعكس إدراكاً حقيقياً لمسؤوليتها القانونية والأخلاقية تجاه القوانين الدولية وتؤكد أن دعم دولة الاحتلال لا يمكن أن يكون فوق القانون ولا يمكن تبرير الجرائم باسم السياسة أو المصالح الاقتصادية.

ألمانيا… من ضحية الأمس إلى شريك في الجريمة

ما يدعو للأسف العميق أن تقود ألمانيا – الدولة التي ارتكبت المحرقة ضد اليهود – جبهة الرفض لمجرد مراجعة العلاقة مع إسرائيل رغم أن الضمير الإنساني والأخلاقي يفرض عليها الوقوف ضد محرقة جديدة تُنفّذ اليوم بحق الشعب الفلسطيني.

الاعتذار الحقيقي عن الماضي لا يكون بدعم الجلاد الجديد ولا عبر التبرع بالسلاح والمال لدولة تمارس الإبادة باسم الدفاع عن النفس ، دعم ألمانيا وحلفائها لجرائم الحرب في غزة ليس فقط نفاقاً سياسياً بل تأكيداً أن بعض هذه الدول لا يزال الفكر النازي يحكم سلوكها وإن تغيرت الضحية فقط.

صرخة في وجه العار الأوروبي

ما يحدث في غزة اليوم ليس مجرد عدوان بل فصل جديد في سجل الإبادة الجماعية يُكتب بدماء الأطفال والنساء وتوقّعه بصمتها المُخجل دولٌ تدّعي الحضارة وحقوق الإنسان ، عشر دول أوروبية رفضت حتى مراجعة علاقتها بدولة تمارس القتل كعقيدة والتجويع كسلاح والتدمير كأداة تفاوض في مشهد يعيد إلى الذاكرة أحلك لحظات التاريخ لا كذكرى بل كواقع يُكرَّر بأيدٍ جديدة وضحايا جُدد.

إن وقوف دول مثل ألمانيا – التي ارتكبت المحرقة – في صفّ محرقة جديدة لا يُغسل بأموال التعويض ولا يُبرَّر بذنبٍ تاريخي بل يُدينها مرة أخرى ويؤكد أن الفكر النازي لم يمت بل بدّل قناعه فقط وأن الضحية تغيرت لكن أفران الموت ما زالت مشتعلة في غزة و الضفة .

التاريخ لا يرحم والضمير لا يسامح ، كل بيت يُدمَّر في غزة كل طفل يُقتل كل جسد يُدفن تحت الركام هو لعنة معلَّقة في أعناق من يصمت ومن يبرر ومن يمدّ القاتل بالسلاح والغطاء.

فإما أن تنهض أوروبا من رماد نفاقها وتعيد الاعتبار لقيمها وتقطع شراكتها مع القتلة أو لتكن شريكاً كاملاً في مجزرة ستلاحقها أبد الدهر.

العدالة لا تعرف المنطقة الرمادية والوقوف مع المجرم هو جريمة ، والشراكة على حساب الدم هي خيانة للإنسانية جمعاء.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.