حرب الظل بين إسرائيل وإيران لم تعد كذلك
مقالات

حرب الظل بين إسرائيل وإيران لم تعد كذلك

عينت إيران محمد كاظمي رئيسا جديدا لدائرة استخبارات الحرس الثوري الإيراني خلفا للواء حسين طائب الذي شغل المنصب لمدة 12 عاما، وفيما لم تقدم طهران سببا واضحا لإقالة اللواء طائب إلا أن تزامنها مع سلسلة الاغتيالات التي استهدفت مؤخرا شخصيات إيرانية بارزة في داخل إيران واتهام طهران إسرائيل بالضلوع فيها يشيران إلى احتمال أن تكون الإقالة مرتبطة بالإخفاق الاستخباراتي الإيراني المتزايد أمام هذه العمليات.

وبالنظر إلى الدور البارز الذي لعبه اللواء طائب على مدى أكثر من عقد في إدارة حرب الظل الطويلة مع إسرائيل وإشرافه على النشاط الاستخباراتي للحرس الثوري في المنطقة فإن طهران تسعى على الأرجح من التغيير المفاجئ في قيادة جهاز استخبارات الحرس الثوري إلى معالجة الخرق الاستخباراتي الإسرائيلي الكبير للمنظومة الأمنية المحيطة بالمسؤولين البارزين في الحرس وإعادة ضبط قواعد حرب الظل مع إسرائيل.

لقد ذُكر اسم اللواء طائب في تقارير استخباراتية إسرائيلية سربت للإعلام مؤخرا، وزعمت أنه أشرف على التخطيط لعمليات استهداف سياح ودبلوماسيين إسرائيليين سابقين في تركيا، وفي حين أن السلطات التركية سربت مؤخرا تقارير إعلامية عن إحباط مساع إيرانية لاستهداف إسرائيليين فإن ذلك يشير إلى فرضية امتلاك تركيا معلومات عن دور اللواء طائب في المخططات المزعومة.

وسبق أن تحدث وزير الخارجية التركي أثناء اجتماعه بنظيره الإسرائيلي في أنقرة الأسبوع الماضي عن المخاطر الأمنية المحدقة بالإسرائيليين في تركيا، وقال إن أنقرة بعثت الرسائل الضرورية دون الخوض في التفاصيل، لقد نفت طهران بالفعل المزاعم الإسرائيلية واعتبرتها محاولة لضرب العلاقات التركية الإيرانية، لكن في ضوء التسريبات التركية الأخيرة حول اعتقال خلايا إيرانية كانت تخطط لشن عمليات ضد إسرائيليين فإن مخاطر حرب الظل هذه بدأت تتمدد إلى ساحات جديدة.

وفي حين أن النشاط الاستخباراتي الإيراني في تركيا ليس جديدا إلا أنه كان يتركز في السابق على استهداف معارضين ومنشقين، وكانت أنقرة وطهران قادرتين على احتواء تبعاته عبر قنوات التواصل بينهما، لكن ما يبدو أنه تحول إيراني نحو توظيف هذا النشاط في حرب الظل مع إسرائيل يزيد تعقيدات احتواء التداعيات المترتبة عليه، سواء على صعيد العلاقات غير المستقرة أساسا مع تركيا أو على مستوى ديناميكية حرب الظل مع إسرائيل.

كما أن الحديث الإسرائيلي عن نجاح أنقرة وتل أبيب في إحباط عمليات إيرانية مزعومة في الآونة الأخيرة لا يعني أن خطر الرد الإيراني لم يعد قائما.

وفي الواقع، لا يخفي المسؤولون الإسرائيليون اعتقادهم بأن إيران كثفت ولا تزال مساعيها لاستهداف إسرائيليين في الخارج بعد اغتيال الضابط البارز في الحرس الثوري حسن خدايي في إيران خلال مايو/أيار الماضي، كما يعتقدون أيضا أن الحرس الثوري لم يعد لديه هدف إسرائيلي محدد بعد الآن، وأنه سيسعى لضرب أي هدف في الخارج عندما يكون ذلك متاحا له.

في الإفادة الإعلامية التي قدمها مسؤولون أمنيون إسرائيليون خلال الأسبوعين الماضيين تحدثوا عن انطباع لديهم بأن الإيرانيين يائسون جدا من تحقيق بعض الإنجازات للرد على حوادث الاغتيال في إيران، بحيث أصبح أي هدف مشروعا الآن من وجهة نظرهم.


وبالتالي، لا يمكن للإجراءات الوقائية الإسرائيلية أن تركز فقط على حماية الدبلوماسيين العاملين في الخارج أو حتى على رجال الأعمال الذين يحتمل أن يكونوا هدفا لطهران، بل يجب أن تشمل كذلك كل إسرائيلي موجود في الخارج -ولا سيما في تركيا- بمن في ذلك السياح والمواطنون العاديون.

وقد أسهمت التحذيرات الإسرائيلية بالفعل في دفع آلاف الإسرائيليين إلى إنهاء خطط سفرهم إلى تركيا للسياحة أو العودة منها على وجه السرعة، لكن لا يزال هناك آلاف آخرون يفضلون السفر إلى تركيا ومواصلة خطط رحلاتهم إما بسبب التشكيك في التحذيرات الأمنية أو القلق من خسارة الأموال.

وفي ظل الدعاية السياسية والإعلامية المضادة التي عادة ما يستخدمها الإسرائيليون والإيرانيون سلاحا في حرب الظل بينهم فإن المزاعم الإسرائيلية بشأن أمن الإسرائيليين في تركيا والنفي الإيراني يمكن أن يندرجا في هذا الإطار.

ومع ذلك، فإن الاستهدافات الأخيرة التي تعرضت لها إيران -ومن بينها اغتيال خدايي- تعد مؤشرا على تحول ملحوظ في إستراتيجية إسرائيل تجاه إيران، ففي حين أن العمليات الإسرائيلية في الداخل الإيراني في السابق اقتصرت على أهداف مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني إلا أن مثل هذه الاغتيالات تشير إلى توسع نطاق الجهود الإسرائيلية لتشمل أهدافا غير مرتبطة بهذا البرنامج.

خدايي -على سبيل المثال- كان من العناصر البارزة في الحرس الثوري، وتقول تقارير استخباراتية إسرائيلية إنه لعب دورا في نقل تكنولوجيا الطائرات المسيّرة والصواريخ إلى حزب الله، كما أن اغتياله كان ثاني عملية معروفة هذا العام على الأراضي الإيرانية ضد هدف غير مرتبط بالبرنامج النووي، وتطور حرب الظل بين إسرائيل وإيران إلى نطاق أوسع من حيث الشخصيات المستهدفة والمناطق الجغرافية الجديدة ينذر بعواقب إقليمية أكبر.

وعلى مدى العقد الماضي نشطت إسرائيل في استهداف الوجود الإيراني في سوريا ونفذت عمليات في لبنان ضد حزب الله، كما شنت في يوليو/تموز 2019 غارات جوية على قاعدة عسكرية للحشد الشعبي في العراق.

ومع ذلك فإن تطور التكتيكات الإسرائيلية في حرب الظل من خلال شن عمليات في العمق الإيراني وضد أهداف غير مرتبطة بالضرورة بالبرنامج النووي يعد تصعيدا كبيرا، كما يعكس تطورا في النظرة الإسرائيلية للتهديدات الإيرانية المتصورة، بحيث لم تعد تنحصر تقليديا على البرنامج النووي، بل توسعت لتشمل تركيزا مماثلا على دور طهران الإقليمي، فإذا كانت القواعد السابقة التي أدارت حرب الظل بين الطرفين أبقتها ضمن حدود معينة وحالت دون تطورها إلى حرب مباشرة فإن تغيير هذه القواعد يزيد مخاطر الصدام المباشر ويمنحه بعدا إقليميا أوسع من خلال انخراط مزيد من الفاعلين الإقليميين في الصراع.

وعلاوة على ذلك فإن تصعيد حرب الظل لا يؤثر على طبيعة الوسائل التكتيكية فيها فحسب، بل ينذر بتأجيج الوضع الإقليمي على نحو أكبر، ولم يكن مفاجئا أن تلجأ إسرائيل إلى زيادة وتيرة عملياتها ضد إيران في وقت تتفاوض فيه طهران مع القوى الغربية من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي أحد أهداف إسرائيل لإفشال المفاوضات.

كما أن تزامن التصعيد مع جهود تشكيل تكتل إقليمي إسرائيلي عربي بأبعاد أمنية لمواجهة التهديدات الإيرانية في المنطقة يزيد مخاطر حرب الظل في ضوء أن المنطقة تدخل مرحلة من عدم اليقين بفعل بوادر فشل المفاوضات النووية وميل طهران نحو عسكرة برنامجها النووي، إلى جانب المتغيرات التي تعيد تشكيل خريطة الجغرافيا السياسية الإقليمية، ولذلك فإن مستقبل المنطقة يصبح أكثر ارتهانا بعامل الصراع الإسرائيلي الإيراني، وهو ما ينذر باضطرابات إقليمية واسعة النطاق وقد تكون أشد من تلك التي شهدتها المنطقة خلال العقد الماضي.

إن ما يزيد مخاطر التصعيد المتزايد بين إسرائيل وإيران على الأمن والاستقرار الإقليميين أن الولايات المتحدة -التي عملت على مدى عقود على منع انفجار الصراع الإيراني الإسرائيلي- تسعى الآن إلى تقليص انخراطها في المنطقة والتركيز على الصراع الجيوسياسي الكبير مع روسيا والصين، مما يجعل مستقبل الأمن الإقليمي رهينة حسابات صناع القرار في طهران وتل أبيب بدرجة رئيسية، وفي حين أن البعض يروج للتحالف الأمني العربي الإسرائيلي المقبل على أنه سيرفع التكاليف المترتبة على إيران جراء سياساتها تجاه دول المنطقة فإنه في المقابل سيجعل دول الإقليم أكثر عرضة لتداعيات هذا الصراع على مستوى أمنها واقتصاداتها.
عن "الجزيرة نت"

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.