المجلس المركزي: محطة مهمّة ولكن
مقالات

المجلس المركزي: محطة مهمّة ولكن

الترويج الإعلامي القوي لمدى أهمية الدورة المقبلة للمجلس المركزي الفلسطيني، يثير جدلاً من الأسئلة التي تتصل بمدى جاهزية الأوضاع الفلسطينية أولاً ثم الإقليمية والدولية، لأن تشكل هذه الدورة نقلة نوعية على مستوى الأداء والخيارات السياسية المتعلقة بالصراع.
حركة فتح، بادرت إلى جملة من الاتصالات والحوارات مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في محاولة لضمان حضور الفصائل، لهذه الدورة، لكن الرياح لم تأتِ بما تشتهي السفن الفتحاوية.
حتى الآن ثلاثة فصائل أعلنت رفضها حضور اجتماعات المجلس، وهي الجبهة الشعبية، والشعبية - القيادة العامة ومنظمة الصاعقة، أما الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب فلقد علّقا مسألة الحضور، بما يمكن أن ينتج عن عمل اللجنة التحضيرية ما إن كانت مخرجات وقرارات المجلس ستكون مقبولة أم لا.
هذا يعني أن الحوارات التي بادرت إليها حركة فتح لتهيئة افضل الظروف لانعقاد الدورة، بضمان حضور الحد الأقصى من الفصائل، لم تنجح في تحقيق ذلك حتى الآن، بمعزل عما إذا كانت اللجنة التحضيرية المكونة من ثلاثة عشر عضواً من اللجنتين التنفيذية للمنظمة والمركزية لحركة فتح، تتضمن مشاركة لكل فصائل المنظمة، فإن بإمكانها أن تستحضر مواقف ورؤى كل فصائل العمل الوطني، في ضوء الحوارات التي جرت، وسيكون بالإمكان أن تلعب قرارات المجلس، دوراً مهماً، في الاتجاه الإيجابي، أو على العكس في اتجاه تعميق حالة الانقسام، طالما أن حركة فتح، من خلال منظمة التحرير مستعدة لاتخاذ قرارات تشير إلى تحول استراتيجي في مضامين الحياة السياسية والخيارات المرتبطة بالصراع، فإن ذلك سيضع المعارضين أمام الحاجة لإعادة النظر والتفكير، أما إن اتخذ المجلس مواقف وقرارات نظرية وإنشائية، فإن الخلافات الداخلية ستتفاقم من جديد.
من حيث المبدأ، فإن رصيد المجلس المركزي سلبي، حيث سبق له أن اتخذ مجموعة من القرارات المهمة، لكنها بقيت في أدراج الحسابات التي تمنع تنفيذها، وكان تنفيذها سيؤدي إلى تحولات مهمة على الصعيد الفلسطيني، إذا أضفنا إلى ذلك، أن مخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل، قد بقيت هي الأخرى، مقيدة بالحسابات التي تمنع تنفيذها، فإن ذلك يسلح المعارضة بمبررات وذرائع إضافية، لرفض حضور اجتماعات المجلس.
ليس ذلك وحسب، بل إن موضوع الشرعية، ونقصد شرعية مؤسسات المنظمة، بعد انتهاء دورة المجلس الوطني، وإحالة صلاحياته للمجلس المركزي تثير الكثير من الأسئلة حول شرعية المجلس المركزي من الأساس.
المجلس المركزي سيكون عليه أن يتخذ قرارات تنظيمية من صلاحيات المجلس الوطني، إذ عليه أن ينتخب رئيس وهيئة رئاسة المجلس الوطني، وأن يملأ فراغات التمثيل في اللجنة التنفيذية، وأن ينتخب أيضاً الهيئة المسؤولة عن الصندوق القومي. كل هذا سيتم دون الحضور الوطني الواسع، الذي يعكس تشكيل المجلس الوطني، وليس فقط، بغياب ممثلي عدد من الفصائل بالإضافة إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي. يعني ذلك أن حركة فتح ستعمق احتكارها للقرار السياسي، وتعمق سيطرتها على منظمة التحرير والمؤسسة الوطنية بعامة، ما من شأنه أن يشكل عاملاً إضافياً وأساسياً في اتجاه تعطيل عملية المصالحة إن كان لها من حظوظ.
في واقع الأمر، فإن مجريات العمل السياسي في ظل الانقسام القائم والمتفاقم، تكون قد دفعت موضوع الشرعية إلى الهوامش، فالشرعية هي شرعية الأمر الواقع، وشرعية موازين القوى الوطنية. عملياً فلقد انتهت الشرعية عن كل مفاصل المؤسسات الوطنية الفلسطينية، بسبب تجاوز المدد القانونية، وتخطي القانون الأساسي ليس فقط على صعيد السلطة ومؤسساتها وإنما أيضاً على صعيد منظمة التحرير ومؤسساتها. لم تعد الشرعية مرتبطة بتنفيذ القانون الأساسي، الذي يحدد طابعها، من خلال انتخابات دورية، أو توافقات وطنية، أي أنها لم تعد مرتبطة ومشروطة بالعامل الداخلي، وإنما بالقبول العربي والدولي.
المجلس المركزي، سيتجاوز مسألة الشرعية، وسيذهب باتجاه اتخاذ قرارات، بشأن الاستحقاقات التنظيمية، المطروحة أمامه من قبل حركة فتح. في هذا الإطار لا يجوز لأحد أن يعترض على حق حركة فتح، في أن ترشح ممثليها في مختلف المستويات التنظيمية المطروحة أمام المجلس، فهذه قضية منطقية، طالما أن الحق متاح لكل عضو أو فصيل في أن يرشح من يشاء.
غير أن المشكلة ليست في حق الترشح والترشيح لملء الشواغر المطروحة أمام المجلس وإنما في آليات الاختيار، وفي مدى مشاركة أوسع إطار ممكن في العملية بالإضافة إلى مدى الصلاحية الممنوحة للمجلس المركزي، لأن يقوم بذلك، في غياب المجلس الوطني، وصعوبة تشكيله لاحقاً.
القرارات المتعلقة بالعملية التنظيمية، ستتخذ طريقها إلى التنفيذ بقوة قرارات الأمر الواقع، وستصبح جزءاً أساسياً من معالم المشهد التنظيمي والسياسي، بصرف النظر عن عدد ونفوذ المعارضين.
هكذا سارت الأمور منذ أن وقع الانقسام وحتى اللحظة، وسيضطر الجميع للتعامل مع هذا الواقع، قبولاً أو رفضاً. على المقلب الآخر تشير تصريحات عضو اللجنتين المركزية والتنفيذية عزام الأحمد إلى أن المجلس سيقف أمام الأوضاع السياسية، والهجمة الصهيونية، وتعثر عملية السلام. شخصياً لا أستطيع التكهن بطبيعة القرارات التي ستصدر عن المجلس، وإذا ما كانت بمستوى خطورة الأوضاع في ساحة الصراع، أم أنها ستتوقف عند صياغات قوية تنطوي على التهديد والوعيد فقط.
ما يجعلنا نشك في إمكانية أن ترتقي قرارات المجلس إلى مستوى خطورة الحالة التي بلغها الصراع، هو أن المجلس اتخذ قرارات مهمة ولكنها لم ترَ سبيلاً إلى التنفيذ، والحال أنه يكفي التأكيد على تلك القرارات ووضعها موضع التنفيذ، لتكون الحالة قد تجاوزت شروط الخضوع للوضع القائم.
بالإضافة إلى أن السلطة الوطنية تعاني من أزمة مالية، يرتبط تجاوزها، بسياسات المموّلين الأوروبيين، والأميركيين، فهل ستكون السلطة قادرة على إغضاب هذه الأطراف، والصمود أمام هذه الأزمة، وما تتعرض له السلطة من ضغوط هائلة؟ إذاً ما الاختراق الذي يمكن أن نتوقعه سياسياً من انعقاد دورة المجلس؟ الإجابة عن ذلك السؤال ستظل رهناً بانعقاد المجلس.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.