الدفع الإلكتروني ووعي الناس
مقالات

الدفع الإلكتروني ووعي الناس

موضوع بالغ الأهمية، هذا التطور الذي يحدث في البلد من خلال نموذج الدفع الإلكتروني، وترخيص الشركات للعمل فيه، والمتابعة التي تتم يومياً من توقيع مع هذه البلدية وتلك المصلحة وشركة توزيع الكهرباء هنا وهناك لاعتماد هذا النظام، والتسهيل على المشتركين ومتلقي الخدمة، فهو تطور ينقل البلد إلى مربع جديد مهم بصورة تقلل تداول النقد بين أيادي الناس، وتسهل وصولهم لاحتياجاتهم دون حاجة للاصطفاف الطويل أو الانتظار الطويل، خصوصاً في ظل أزمة المرور وضعف القدرة على استيعاب أماكن للتوقف قرب أو في محيط شركات ومصالح الكهرباء والمياه والاتصالات والإنترنت والبلديات وضريبة الأملاك، خاصة عندما يصرون أن تكون في مقرها الرسمي وليس البلديات ذاتها.
إلا أننا نصر رغم النقلة التكنولوجية على إغفال قضية جوهرية (التوعية الجماهيرية)، وإيصال الرسالة للناس بمكوناتهم، المستهلك المستفيد والتاجر المطلوب اشتراكه والبلديات ومصالح المياه والكهرباء، ولا نعطي هذا الموضوع أهمية رغم أنه ممر إجباري عاجلاً أم آجلاً ستمر به الشركات، وسيصبح هناك ضغط باتجاه ضرورة تنظيمه، وكانت هناك جاهزية منذ اليوم الأول لمؤسسات غير حكومية بتنظيم فعاليات التوعية.
مشكلة إغفال التوعية تذكرني باليوم الأول لتركيب الصرافات الآلية للبنوك دون توعية بأهميتها، وكان هناك من يقول: أنا لا أصل البنك.. الصراف الآلي يغنيني. ولكننا بقينا وما زلنا نرى تكدس الناس في صالات البنوك انتظاراً للدور برقم بطيء الحركة، ولفت نظري مرة ونحن في البنك شابات يتقدمن للجالسين ليسألن: هل لديكم بطاقة صراف آلي، كان جواب الغالبية (لا)، باستثناء ثلاثة كنت أحدهم وكانت معاملتي لا تقضى بالصراف. يومها بكل أناقة قامت الصبايا بإصدار بطاقات صراف لعدد ممن رغبوا بذلك ولآخرين كانت لهم ملاحظات فساعدوهم، إلى أن تطور الأمر وبات هناك إيداع من خلال الصراف الآلي، و»هات قطّبها واقنع الناس تتحول له بسرعة مناسبة».
بالتالي، فإن القبول والالتحاق بالدفع الإلكتروني لن يكون سهلاً دون توعية، ضمانات، قائمة واسعة حافلة من التجار والمصالح والشركات، سرعة ودقة الإنجاز لتعزيز الثقة، لغاية اليوم لا توجد تغذية راجعة بهذا الخصوص.
ضمن إطار جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، لم ترد لا شكوى ولا ملاحظة، هناك عينات عشوائية تظهر عدم اهتمام بالأمر، وهذا لا يعتبر تقليلاً من شأن هذا النظام بالمطلق، بل ضرورة ملحة وذات أهمية كبيرة، وأنا شخصياً من موقعي أحث الكثيرين على المشاركة ليتسنى لنا تغطية احتياجاتنا من خلاله.
ذهبت إلى أكثر من شركة واحدة في هذا المجال، واستمعت لشرح مطول ومحاولة إيضاح تمايز هذه الشركة عن الأخرى كما ترى الشركات نفسها. تحدثت مع سلطة النقد وعرفت تعليماتهم ومتابعتهم، ولكن هذا يحتاج إلى جهد كبير لإيصال الرسالة رغم أنني طرحت تخوفات باتت معروفة لدينا من الخبرة وكانت هناك إجابات، فاستغربت لماذا لا نطرح الأمر ضمن حملة توعية، رغم أن سلطة النقد نظمت فعالية للصحافيين الاقتصاديين، ومرة أخرى لمن وصفتهم هي والشركات بـ(المؤثرين). وبينما أجزم أن أكثر مؤثر هو (المواطن) المستهدف بالنظام، وطبعاً لن نحضر كل الناس إلى قاعة اجتماعات سلطة النقد ولا قاعة شركة من الشركات، ولن ننظم مهرجاناً جماهيرياً للحديث عن الموضوع، على الأقل اختيار عينة من المستهلكين ليستمعوا ومن ثم يكونون مرسلين لآخرين، سواء أستاذ مدرسة، ربة منزل، رياضي، كشفي، باحث، عامل، وقولوا لهم ما هي مصلحتهم بهذا النظام.
مشكلتنا أننا كلما خطونا خطوة إلى الأمام في التكنولوجيا المالية والمصرفية، لا نواكبها بالمطلق بالتعميم والنشر والتوعية، وجميعها حقوق لنا لا نقبل اختزالها، وعشرات المرات قلنا وكنا على صواب: إن الأمور المختصرة تكون أكثر عرضة للفشل والمفتوحة عرضة للنجاح، ما تعتبرون أن ما تعرفونه - وهو طبيعي لكم بحكم خبراتكم - هو طبيعي بالنسبة للمواطن، ولا تظنوا أن تعبئة الرصيد ستتم بمجرد الإعلان عن عناوين التعبئة، ولن يكون مقنعاً الحديث أن محفظتك هي هاتفك الذكي، وطبعاً هناك شروط يجب أن توضح كم هو الحد الأدنى للرصيد المالي، هل هناك مستحقات للزبون على عملية الدفع أم أنها فقط على التاجر ومقدم الخدمة؟
التوعية كلمة السر، فلا تضيعوا التجربة بسبب غياب «جزئي للتوعية»، على اعتبار أن تجربة سلطة النقد بجلستين هي توعية لفئة مستهدفة بعينها ولم تصل بعد للناس المستهدفين، لعلّها تصل قريباً.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.