تقرير: الاحتلال يشق طرقا استعمارية لربط البؤر والمزارع الرعوية تنفيذا لمشروع الضم
أهم الأخبار

تقرير: الاحتلال يشق طرقا استعمارية لربط البؤر والمزارع الرعوية تنفيذا لمشروع الضم

صدى نيوز - قال تقرير أعده المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي تُنفذ مشروعا خطيرا من شأنه أن يغير معالم الضفة الغربية، ويدفع قدما نحو فرض "السيادة" الإسرائيلية فعليا على المناطق المصنفة (ج) في الحد الأدنى، مستغلة الانشغال بالعدوان الوحشي على قطاع غزة، وعمليات الاقتحام والدهم والهدم والتدمير في مدن وبلدات ومخيمات شمال الضفة الغربية.

وأضاف التقرير، الذي صدر اليوم السبت، أنه خلال العام الماضي، خصصت حكومة الاحتلال 3.1 مليار شيقل أي ما يعادل (838 مليون دولار) لشق مئات الكيلومترات من الطرق الجديدة والداخلية بين المناطق الفلسطينية، بهدف ربط المستعمرات الإسرائيلية المقامة على أراضي الضفة الغربية، بالمدن داخل الأراضي عام 1948، ما يساهم في تنفيذ مشروع الضم الإسرائيلي، ويخلق واقعا ميدانيا يصعب تغييره.

وأشار إلى أنه وفقا لتصريحات حكومة الاحتلال، فإن الهدف هو تثبيت مليون مستعمر في الضفة، وفرض السيادة الإسرائيلية على مستعمراتهم، رغم أن هذه المشاريع تؤثر بشكل مباشر على حياة الفلسطينيين، بتقطيع أوصال مدنهم وبلداتهم وقراهم، وزيادة عزلها عن محيطها.

وفي السياق، أكد تحقيق لموقع "شمومريم" الإسرائيلي، نشر الأسبوع الماضي، أن سلطات الاحتلال تواصل توسيع شبكات الطرق الاستعمارية بشق مئات الكيلومترات من الطرق الجديدة، لربط المستعمرات والبؤر الاستعمارية بدعم حكومي، ما يجعل من الصعب على الفلسطينيين ممارسة حقوقهم في أراضيهم.

وينشر التحقيق عددا من الشواهد على ذلك، كالطريق الذي تم إنشاؤها شرق قرية مخماس شمال شرق القدس لربط بؤرة "نحلات تسفي" الاستعمارية التي أقيمت عام 2022، بامتداد جديد للبؤر الاستعمارية التي أقيمت في المنطقة مؤخرًا، ونتيجة لهذه الطريق لم يعد أصحاب الأراضي في المنطقة يستطيعون الوصول إليها، وإذا حاولوا الوصول فإنهم يتعرضون لاعتداءات من المستعمرين، بعد أن قام المستعمرون بتعبيدها في شهر تشرين الأول/ اكتوبر من العام الماضي، رغم الاتصالات التي قام بها أهل المنطقة مع مكتب التنسيق والارتباط وجهاز شرطة الاحتلال، الذين لم يفعلوا شيئًا لمنعهم، حيث قاموا سابقًا بتدمير طريق التي شقها أهل مخماس.

ويبيَّن التحقيق أن هناك زخما ملحوظا في إنشاء وتعبيد الطرق غير المرخصة في ظل حكومة المستعمرين التي يقودها ايتمار بن غفير وسموتريتش، إضافة إلى بعض الطرق التي تم الموافقة عليها من الجهات الرسمية، والتي لا تمنع الفلسطينيين من الوصول لأراضيهم الزراعية وحسب، بل تُغيِّر وجه الضفة الغربية.

ويتناول التحقيق الى جانب هذه الطريق، التي تؤمن التواصل بين البؤر الاستعمارية والمزارع الرعوية في المنطقة، طريقًا أخرى في محيط قرية مغاير الدير قرب البلدة، مبينًا أن الأهالي فوجئوا باكتشاف أدوات هندسية يستخدمها المستعمرون في الجانب الشمالي من بلدتهم، على بعد أمتار قليلة من منازلهم، بتصريح من مجلس بنيامين الاستعماري، الذي يسمح لهم بالقيام بأعمال لـ"حماية أراضي الدولة"، حسب زعمهم.

وتسهل هذه الطرق وصول المستعمرين من المزارع الرعوية الاستعمارية إلى القرى الفلسطينية، بالجرارات والسيارات وحتى سيرًا على الأقدام، كما هو الحال في خربة أم المراجم قرب قرية دوما جنوب نابلس، وتمكنهم من اقتحامها كما حدث من مزرعة "جال يوسف" الاستعمارية التي أقيمت العام الماضي وحرق منازلها ومركباتها، بوصول سريع إلى المنطقة عبر الطريق التي تتجه من المزرعة الاستعمارية نحو الجنوب بجوار الخربة مباشرة.

ويكشف تحقيق "شمومريم" عن طرق متعددة لتمويل الطرق غير المرخصة، من خلال ميزانية وزارة الاستعمار مباشرة، التي تدعم، من جانبها، دوائر دوريات الأراضي التي تديرها المجالس الاستعمارية في الضفة الغربية، وهذه الدوائر تهدف إلى مراقبة ومنع عمليات التخطيط والبناء في مناطق "ج"، وقد تتلقى دعمًا حكوميا "لشق الطرق وتعبيد الطرق الترابية".

وتظهر وثائق وزارة الاستعمار، أن مجلس مستعمرات جبل الخليل حصل على 1.1 مليون شيقل العام الماضي لدعم مشروع يتضمن شق طريق في منطقة سوسيا، وضمن هذا المشروع، حصل مجلس "غوش عتصيون" الاستعماري على 958 ألف شيقل "لتحسين الطرق القائمة لحماية أراضي الدولة في التلال"، بينما حصل مجلس بنيامين الاستعماري على حوالي 1.9 مليون شيقل لستة مشاريع مختلفة لشق الطرق.

وأفاد المكتب الوطني، بأن سلطات الاحتلال تتستر على ذلك بمنع نشر معلومات حول الطرق الجديدة، غير أن منظمات إسرائيلية توثق ما يجري استنادًا إلى الصور الجوية، في حين توضح حركة "السلام الآن" أنه في الفترة من منتصف عام 2023 إلى منتصف عام 2024 تم شق 139 طريقًا غير مرخصة في الضفة الغربية، بطول إجمالي 116 كيلومترًا.

وتوضح الحركة في أحدث تقاريرها حول الموضوع أنه تم شق 25 طريقًا لإقامة بؤر استعمارية جديدة، و31 طريقًا لتوسيع بؤر استعمارية قائمة، وثمانية طرق بين بؤرة قائمة وأقرب مستعمرة، و46 طريقًا للسماح بالوصول إلى مناطق لا يوجد فيها حاليًا أي تواجد دائم للمستعمرين، وأنه في جميع هذه الطرق لم يتم إعداد أي خطة بناء، ولم يتم إصدار أي تصريح قانوني بالعمل فيها.

وفي هذا المجال يؤكد معد تقرير "السلام الآن" يوني مزراحي، أن شق الطرق بات أداة رئيسية للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية دون الحاجة لكثافة سكانية استعمارية، مضيفا في بعض البؤر الاستعمارية، قد تعيش عائلة أو اثنتان فقط، لكنها تستولي بمساعدة الطرق على مساحات شاسعة، وأن العامين الأخيرين شهدا تصاعدا في عنف المستعمرين وتزايدا في بناء البؤر والمزارع، إلى جانب توسع شبكة الطرق التي تخنق الفلسطينيين، وتقيد وصولهم إلى أراضيهم.

ويجاهر قادة المستعمرين، بأن الهدف من إقامة مثل هذه الطرق هو المساهمة في الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة بأقل عدد من المستعمرين.

وقد عبّر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عن ذلك صراحة خلال احتفال رسمي جرى مؤخرا في جنوب الخليل، إذ سلّم مع وزيرة الاستعمار أوريت ستروك عشرات سيارات الدفع الرباعي لدعم هذه المزارع، مؤكدا أن انتشار الأغنام والماعز في الأراضي، يمنع الفلسطينيين من الوصول إليها.

وتلعب الطرق التي يتم شقها نحو المزارع والبؤر الاستعمارية دورا حيويا في ذلك، إذ لا تقتصر على تسهيل حركة المستعمرين، بل تساهم في تثبيت سيطرتهم على الأرض، وهو ما يؤكده المتطوع في منظمة حقوقية اسرائيلية تدعى "تورات تسيدك يوتام كوهين، بأن هذه الطرق تعزز من الاعتداءات على الفلسطينيين، عبر تمكين المستعمرين من الوصول السريع عبر هذه الطرق إلى الأراضي بالمركبات رباعية الدفع.

وقال المكتب الوطني في تقريره إن نشاطات هذه البؤر الاستعمارية والمزارع الرعوية غير المرخصة تحظى بدعم حكومي واضح، الى جانب قنوات تمويل متعددة كدائرة الاستعمار في المنظمة الصهيونية العالمية، التي أقر مديرها العام هوشع هراري في أحد مؤتمراتها، الذي انعقد في حزيران من العام الماضي انها استثمرت في عام 2023 ما يقرب من 75 مليون شيقل لدعم المزارع والبؤر الاستعمارية غير المرخصة، بما في ذلك 7.7 مليون شيقل مخصصة لشق الطرق، وهي الدائرة التي حصلت من حكومة الاحتلال على ميزانية إضافية قدرها 75 مليون شيقل "لدعم المكونات الأمنية" في المستعمرات، بما يشمل مواقع حراسة وكاميرات مراقبة.

وأضاف أن هذه المزارع الرعوية تحصل على دعم مالي سخي ليس فقط من حكومة الاحتلال، بل ومن السلطات المحلية في المستعمرات ودائرة الاستعمار في المنظمة الصهيونية العالمية، ومن منظمات وجمعيات استعمارية، مثل "أصدقاء السامرة " وجمعية "آمانا" ومن "الصندوق الدائم لإسرائيل" المعروف بـ"كيرن كييمت"، والذي يعتبر داعما رئيسيا عبر مشاركته في مشاريع مختلفة، وبوسائل ملتوية وخطيرة لتبييض المزارع وتمددها، ومدها بالطرق لتأمين التواصل فيما بينها.

ولفت التقرير إلى أنه لحركة "آمانا" الإرهابية، والتي فرضت عليها إدارة الرئيس الأميركي السابق عقوبات، دور بارز في توفير الدعم للبؤر الاستعمارية والمزارع الرعوية، وبما يشمل مساعدتها على شق الطرق للربط بين هذه البؤر والمزارع وبينها وبين المستعمرات في الجوار في جهود يبادر اليها، وفق مصادر إسرائيلية، زئيف حفير (زمبيش)، الرجل الذي بابه مفتوح لدى نتنياهو، كما يقول كثيرون.

ويبيّن أن بعض المتابعين يرون في حفير أنه "العقل المدبر لمشروع السيطرة" على أراضي الفلسطينيين، ويقف على رأس جماعة "آمانا"، الذراع التنفيذي الرئيسي لإقامة البؤر الاستعمارية، حيث تنقل عنه جريدة "هآرتس" في مقابلة له مع مجلة "ندلاني يوش" (عقارات المناطق) قوله: إن "بناء التواصل بين هذه البؤر والمزارع والحفاظ على الأرض المفتوحة هي المهمة المركزية لآمانا"، وإن الوسيلة الأساس التي نستخدمها هي المزارع"، ليضيف بأن "المساحة التي تحتلها هذه المزارع تصل الى 2.5 ضعف كل مساحة الأراضي التي تحتلها مئات المستعمرات مجتمعة".

ويؤكد التقرير بأن "آمانا" هذه، التي يقودها زئيف حيفر، الإرهابي اليميني المتطرف في الحركة السرية اليهودية في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، أُدين في عام 1984 لمشاركته في محاولات اغتيال رؤساء البلديات في الضفة عام 1980، ثم في السنوات اللاحقة أصبح أكثر نفوذًا، ومنحته دولة الاحتلال أعلى جوائزها الرسمية (جائزة إسرائيل) وهو الآن أمين عام الجمعية المسؤولة عن بناء معظم البؤر الاستعمارية الأكثر عنفًا في الضفة الغربية.

وكما تفيد المصادر بأنها تعتبر "منظمة قوية"، وتقدر قيمة أصولها بـ 600 مليون شيقل (حوالي 158 مليون دولار حاليا).

وفي هذا السياق، يظهر باستمرار يوسي داغان وهو عضو بارز في حزب الليكود، وهو رئيس مجلس مستعمرات شمال الضفة الغربية، ويصفه البعض بـ "الأخطبوط في خدمة الاستعمار"، وقد فعل في سبيل ذلك الكثير، وخاصة تأمين الموافقات اللازمة لتنفيذ شارع حواره الالتفافي، وموقف الباصات على مدخل أريئيل الشرقي، وربط المستعمرات بالإنترنت الأعلى سرعة، وإضاءة المفترقات والشوارع، وتركيب الإشارات المرورية على مداخل المستعمرات، وترخيص المقابر.

ويوسي داغانو هذا على علاقة قوية مع حاخامات كبار مثل الحاخام ليڤانون، ومع دانييلا ڤايس، رئيسة حركة "ناحِالاه" الاستعمارية ومع جمعية "آمانا".

ويدير شبكة علاقات خارجية واسعة مع جهات إقليمية ودولية يسميها "أصدقاء السامرة" تمكنه من جمع أموال ليس فقط لدعم الاستعمار ونشر البؤر الاستعمارية والمزارع الرعوية الإرهابية، وربطها ببعض بالطرق الداخلية بل وكذلك تسليح المستعمرين.

ويفيد المكتب الوطني، أن تقارير إسرائيلية تتحدث عن أن دائرة الاستعمار في المنظمة الصهيونية والوكالة اليهودية متورطة بجرائم خطيرة منها نقل ملكيات والتصرف بأراض فلسطينية خاصة، وتكريسها للاستعمار اليهودي، والمساهمة في تهجير الفلسطينيين من مراعيهم ومزارعهم، بدعم من الجيش والمستوى السياسي.

فقد اتضح في السنوات الأخيرة، وحسب حركة "السلام الآن" أن هذه الدائرة متورطة بعمق في أنشطة غير قانونية من خلال تخصيص أراضي ذات ملكية خاصة فلسطينية لصالح مستعمرين، دون موافقة أصحابها رغم ان دائرة الرقابة الحكومية، كانت قد أصدرت في عام 2015 رأيا استشاريا أكدت فيه أن الصلاحيات والمهام التي تؤديها دائرة الاستعمار وهي جهة غير حكومية، تقع في صلب صلاحيات الحكم، وبالتالي لا يجوز للحكومة تفويضها إلى كيان غير حكومي.

كما نص الرأي كذلك على حظر تخصيص ميزانيات مباشرة للدائرة ضمن قانون الموازنة أو عبر تحويلات مالية مباشرة.

وبدلاً من العمل بهذا الرأي الاستشاري، سنت الكنيست عام 2015 تعديلا على قانون مكانة المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية لأرض إسرائيل، استهدف تمكين الحكومة من مواصلة أنشطتها في الضفة الغربية عبر دائرة الاستعمار.

ومع إقرار هذا القانون، ترسخ رسميا الوضع الذي يتيح لهذه الدائرة التصرف بحرية مطلقة في الأراضي التي تنقلها الدولة إليها، دون التزام بالإبلاغ أو الشفافية.