صعود حزب البديل في ألمانيا.. هل السر في تطرفه المتزايد؟
أهم الأخبار

صعود حزب البديل في ألمانيا.. هل السر في تطرفه المتزايد؟

صدى نيوز - اتسمت مؤتمرات حزب  "البديل اليميني الشعبوي"  في الماضي بالكثير من الإثارة. وبشكل علني هاجم أعضاء في الحزب قيادتهم في قاعة المؤتمر بصيحات الاستهجان والضحك. كان الحزب يتشقق مثل البصلة، فالقوى المحافظة القومية الأكثر اعتدالًا طردت من الحزب وظهرت نواة متطرفة يمينية راديكالية تمكنت من تعزيز قوتها.

وتمكن "حزب البديل" من البقاء في صدارة النقاشات: باعتباره حزبا متطرفا يمثل معارضة أساسية لجميع الأحزاب الأخرى في ألمانيا. وترك بصمته بانتظام من خلال النقاشات الكبرى. على سبيل المثال، من خلال رفضه تقريبا لكل  سبل الهجرة إلى ألمانيا  ومطالبته بترحيل اللاجئين بشكل جماعي.

"البديل، قومي، شعبوي ويميني"

ينعقد مؤتمر "حزب البديل" في نهاية تموز/ يوليو 2023 بمدينة ماغديبورغ شرق ألمانيا وهو مصحوب بإشارات جديدة، إذ لا يتوقع حدوث معارك سياسية ضارية ولا تخبطات كبيرة. يقول  الباحث الاجتماعي وخبير  التطرف اليميني  ديفيد بيغريتش من "جمعية معا " / Miteinander e.V." في لقاء مع موقع DW : "حلت مسألة التوجه السياسي لحزب البديل داخليا"، كان "التفوق لصالح الجناح القومي اليميني المتطرف".

أصبح الحزب الآن أكثر ثقة بنفسه من أي وقت مضى، يعلق السياسي الأوروبي المؤثر في "حزب البديل" ماكسيميليان كراه على نجاح استطلاعات رأي حول حزبه ويقول: "نحن الآن أكثر حزب يميني إثارة للاهتمام في أوروبا". ويعزو ذلك إلى تطرف الحزب: "لأن النصيحة الخاطئة تنطبق في كل مكان، إذا أردت نسبا يجب أن تتكيف مع المحتوى، يجب أن تنتهز. ونحن كحزب نظهر حاليا أننا حققنا هذه النتائج بفضل موقف واضح من جهة المحتوى".

"مغادرة الاتحاد الأوروبي واليورو وحلف الناتو"

" بشكل واضح" يعني الحزب بذلك رفضه الشديد للتطورات السياسية في العقود الماضية. ووفقا لمشروع القرار الذي أعدته قيادة الحزب للانتخابات الأوروبية في عام 2024، يجب على ألمانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي واليورو وحلف الناتو. ومحاربة تدابير حماية المناخ والطاقة المتجددة. ويطالب الحزب بإنشاء "أوروبا الحصن" لمواجهة المهاجرين والإسلام. ويرفض  مكافحة العنصرية والتمييز. ويتضمن الاقتراح لبرنامج الانتخابات تصورا حول التصالح مع التاريخ الاستعماري الألماني الوحشي: "ثقافة الذنب والعار التي تريد أيديولوجيا ما بعد الاستعمار ترسيخها في جميع أنحاء أوروبا لا تتوافق مع الحقائق التاريخية، ولذلك نحن نرفضها."

وبالمقابل يتعامل "حزب البديل" بشكل أكثر انفتاحا مع الأفراد والجماعات اليمينية المتطرفة. كما أن الارتباطات مع النازية الجديدة  والزعيم النازي أدولف هتلر وفترة النازية وجرائهما لم تكن لها عواقب جدية على المسؤولين الرئيسيين للحزب. في هذا الشأن يقول خبير التطرف اليميني، ديفيد بيغريتش: "يتصرف حزب البديل بالنسبة لروابطه مع الجمعيات والأفراد اليمينيين المتطرفين على غرار: إذا قبض عليهم وهم يدخلون يدهم في كيس الحلوى، فإنهم يقولون: "نحن لم نكن نريد أخذ الحلوى على الإطلاق"، مضيفا "وإذا لم يقبض عليهم، فإنهم يواصلون حشو الشوكولاتة في أفواههم".

تعاطف مع بوتين

على الرغم من أن الحزب أصبح أكثر تطرفًا، إلا أن خطوط الانقسام في "حزب البديل" لم تختفِ بالكامل. يظهر ذلك على سبيل المثال في الموقف من روسيا، يرى ديفيد بيغريتش: "في أجزاء من شرق ألمانيا، يوجد تعاطف خلف الأبواب المغلقة، وأحيانا حتى بشكل مفتوح، مع سياسة روسيا وحتى مع حرب بوتين على أوكرانيا. وهذا يختلف تماما في فروع الحزب في أجزاء من غرب ألمانيا".

قبل عام 2024 وهو عام تجري فيه انتخابات مهمة في ألمانيا على مستوى الولايات والبرلمان الأوروبي، يبدو أن حزب البديل لألمانيا يسير على خطى النجاح. ففي استطلاعات الرأي، يحصل الحزب على ما يقرب من 20 في المائة من تأييد الناخبين، وهذه النتيجة أفضل من نتائج الحزب الاشتراكي الديمقراطي بقيادة المستشار أولاف شولتس والحزبين المتحالفين في حكومته الخضر والحزب الديمقراطي الحر. ويتوقع بيغريتش أن يزداد تأثير حزب البديل، ويشرح بالقول: "سنشهد بالتأكيد أن حزب البديل سيتمكن من تعزيز موقفه في الانتخابات البلدية القادمة. وهذا يعني أن الحزب ينمو الآن من الأسفل إلى الأعلى". 

المطالبة بمجتمع عرقي متجانس

تشكل المطالبة بمجتمع متجانس تحديا للنظام السياسي في ألمانيا. فقد حذرت هيئة حماية الدستور وخبراء التطرف اليميني منذ سنوات من الاتجاهات المعادية للديمقراطية والأجانب في   حزب البديل، وذلك بسبب تعريف الحزب لمفهوم "الهوية الألمانية". بالنسبة للحزب، فإن جواز السفر الألماني ليس دليلا على من هو ألماني. وعلى لك يروج لمجتمع يقوم على ثقافة عرقية في وقت يمطر فيه المهاجرين بالاعتداءات العنصرية وتهديدات الترحيل.

الدستور الألماني ينص على أنه لا يجوز أن يُعامل أي شخص ألماني بناءً على أصله أو دينه أو ثقافته بشكل يميزه أو يضره. هذا المبدأ يعود إلى التجارب المؤلمة في تاريخ ألمانيا العنيف، ويعد واحدا من أهم الدروس المستفادة من التاريخ الألماني. لذلك، تتنافى مواقف  حزب البديل  مع هذا المبدأ الأساسي للدستور، حيث يروج الحزب لمجتمع يقوم على ثقافة عرقية بشكل يمكن أن يؤدي إلى التمييز والتهميش ضد الأشخاص بسبب أصولهم ودياناتهم وثقافاتهم.

والمنافسة السياسية من قبل أحزاب ديمقراطية لم تجد حتى الآن نهجاً واضحا وثابتا في التعامل مع "حزب البديل". خاصة الاتحاد الديمقراطي المسيحي ورئيسه فريدريش ميرتس، الذي يحاول إيجاد نهج واضح. فمن جهة، يرغب  الاتحاد في استعادة أصوات الناخبين  من الحزب اليميني الشعبوي، خصوصا أن هناك العديد من نقاط الارتباط والتداخلات على المستوى البلدي. ومن ناحية أخرى، وعد رئيس الحزب بإنشاء جدار يفصل التعامل ضد حزب البديل. لكن التردد المستمر لم ينفع سوى حزب واحد حتى الآن، يقول ديفيد بيغريتش: "حزب البديل". ويختم بالقول : "النقاش في ألمانيا حول حزب البديل لا يسير بشكل صحيح على الإطلاق."