
قواعد الاشتباك الجديدة.. في مواجهة الغاصبون و أنصار الخريف!
في مشهدٍ يعيد الى ذاكرتنا أحداث نكبة ما زالت حاضرة في أذهان الكثيرين لسبعة عقود مضت، وكأن الزمن توقف عندها اليوم في فلسطين في الوقت الذي نشهد فيه مجازر ومذابح وترويع لم يترك خلالها الاحتلال وسيلة لا انسانية الا وارتكبها بجرائم حرب واضحة ومعلنة وفق كل القوانين والاعراف الدولية، لم يعد بالإمكان احتمالها او تجاهلها، تماماً كتلك التي عايشها الفلسطينيين تحت مرأى ومسمع من العالم أجمع، في حربٍ تسعى فيها اسرائيل الى انهاء الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين، وتغيير المسمى القانوني والتاريخي للمكان، في سعيها الى تهويدها على نحوٍ كامل، بمد استيطاني مازال عبثاً يبحث له فيها عن موطئ قدم ومكان، ظناً منهم ان الزمن قد يعود للوراء بدفعنا الى رحلة لجوء من جديد، ولكن وبحكم مرور الزمن على ما يبدو اننا شعبُ عصيٌ على الانكسار، بالرغم من كل ما يمارس بحقنا من كافة أشكال الإبادة للانسان وللارض، وكيف لا والشهادة اليوم باتت أقل ثمناً من الخنوع والاستسلام ، وهل سنموت من الخوف كل يوم والانسان يموت مرة واحدة وليس الف ...!؟
فعلى قاعدة وحدة المسار والمصير تم اليوم إزالة كافة الفواصل الجغرافية بعد ان توحدت الشعوب على صوتٍ واحد من أدنى فلسطين الى أقصاها، فباتت معركة الوجود تتحكم بإيقاعه اليوم فلسطن، في لوحة متماسكة ومتكاملة وبخطىً ثابتة ونفسٍ طويل، يديرون جولات معركةٍ غير متكافئة بأجسادهم التي تحطمت عليها هيبة الاحتلال وجبروته وعنجهيته وبأسطورته الوهمية النابعة من خرافة الجندي الذي لا يقهر، والجيش المدجج بالسلاح، فلم يعد لهذا الشعار أي صدىً أمام بطولةٍ عمادها الإرادة، ومقاومةٍ تُرفع لها القبعة احتراماً وإكباراً فرضت قواعد اشتباك جديدة أربكت حسابات المحتل وفرضت معادلات جديدة على الارض، في سعيها لحماية الأرض والعرض والمقدسات والوعي الذي أرادوه مغيباً بتواطؤ وتآمر من قبل أنصار الخريف علينا من المطبعين.
فبدت فلسطين هذه المرة كالجسد الواحد اذا اشتكى تداعت لنصرته كل الأعضاء، صورة أعادت النبض للقضية الفلسطينية وقلبت المعادلات وأفشلت استراتيجيات الاحتلال وأسقطت بدوره شعار الاستسلام والقبول بالأمر الواقع وبفكرة التعايش الوهميّ مع المحتل والاحتلال، فترابط مناطق المواجهه في كامل فلسطين من رأس الناقورة الى أم الرشراش أفشلت كافة المخططات الاسرائيلية والدولية والاقليمية الساعية منذ عشرات السنين لفصل التراب الفلسطيني عن بعضه البعض، وتحويله الى جزرٍ متباعدة، لتنتقل على إثره القضية الفلسطينية من قضية محلية الى قضية إقليمية وعالمية، فإسرائيل لم تكن لتتوقع ولو بالحد الأدنى ان ينتفض فلسطينيو الداخل، فذاك أمراً كانت اسرائيل دوماً تخشاه وتحسب له ألف حساب، مما أظهر فشل كل محاولات التهويد والدمج مع المحتل، فها هو الجيل الجديد وبعد ثلاثة وسبعون عاماً ينتفض من جديد ليؤكد تمسكه بهويته العربية الحقيقية برفضه التعايش مع المستوطنين، بعد ان كان المحتل يأمل بأن الكبار يموتون والصغار ينسون...
فبعد سنوات من استراتيجية تمزيق الأمة العربية وتفتيت شعوبها، وإدخالنا في حروب وهمية، اخترعوا لنا من خلالها أعداءً وهميين، بحروبٍ طائفية وعرقية ومذهبية وفصائلية، ليثبت لهم اليوم المشهد الفلسطيني بأن جوهر الصراع لم يكن يوماً بعرقي ولا قومي، وانما هو صراع وجود وليس بحدود بدأه الغاصبون بإستيلائهم على الأرض الفلسطينيه بما فيها ما يسمى بالخط الأخضر، حيث العنصرية المقيته تهمّش الفلسطينيين هناك في الوقت الذي تروّج لنفسها خارجياً بصورتها المغشوشة، بأنها صانعة الديمقراطية وخادمتها، وبأنه كيان ديمقراطي تعددي يعتمد المواطنة والقانون.
نهجٌ مارسته معها أنظمة وظيفية عربية التي حرقت المليارات لإخفاء حقيقة ان اسرائيل كيان مصطنع ولمحو القناعة الواقعية بأن الاحتلال الاسرائيلي هو كيان عنصري وأن فلسطين هي الحقيقة الكاملة والأزلية، فلزوال الدنبا باسرها لهو اهون عند هؤلاء من زوال اسرائيل ، تنفيذاً لما تريده حكومات الغرب الحامية لإسرائيل لإدخال العرب في دوامة التطبيع، رافقته ترهيب فكري وتزييف للوعي و بحروب نفسية، فبدا الأمر كأنه محاولة لتغذية العقل العربي بتفكير سلبي مسموم بأن اسرائيل هي القدر المحتوم الذي لا مفر منه الا اليه، فأحاطت نفسها بهالةٍ من التقديس وأشهرت في وجه منتقديها فزاعة الهولوكوست وشبهة المعاداة للسامية، محاولة منها لطمس معالم القضية الفلسطينية عبر ممارستها للتوحش بكل أوجهه، لجعلها قطعة أثرية في متحف التاريخ.
وإذا بنا اليوم وبعد سنواتٍ من الجهد الاسرائيلي الغربي والعربي المتخاذل الساعي لتمزيق مجتمعاتنا نذهب جهودهم هباءً منثوراً أمام المقاومة الشاملة المسلحة والشعبية بما فيها بسالة اهلنا في الثماني والاربعين التي من عوامل وحدتها أرادوا ضربها، لتواجه اسرائيل في ظلها اليوم حقبة جديدة من الصراع من أجل الهوية والعزة والكرامة والتحرير، لتجد نفسها القضية الفلسطينية اليوم محاطة بحاضنة شعبية تمتد الى عمق اسرائيل دونما تنسيق لردة الفعل تلك، ولعلهم كانوا ينتظرون اللحظة المناسبة وظروف فلسطينية وأوضاع اقليمية ليهبوا للدفاع عن كرامتهم وليبدأوا يرسمون بتحركاتهم خارطة طريق جديدة لمستقبل بلدهم وأمتهم.
فتحت الشعار الاستعماري القائم على مبدأ "فرّق تسد "وعلى مدى أعوام طويلة كان نهج الاحتلال الاسرائيلي يحاك عبر سياسات أمنية وعسكرية مختلفة تتعامل مع الفلسطينيون كشعب مقسّم، مخصصة لأهل غزة لغة الحديد والنار ولأهل الضفة الخيار الأمني والحروب النفسية وسياسة الاستتباع، ولفلسطينيي الداخل منهجية تزييف الوعي وتذويبه، فدارت الأيام ليثبت الفلسطينيون بكل مكان للعالم أجمع انهم قادرون على اتخاذ قرار موحد بإشعال الارض تحت أرجل الصهاينة.
فالواضح اليوم أن القدس لم تعد تقاتل لوحدها فالاقصى خط احمر لا يقبل المساس ، فها هي التحركات في شتى المناطق الفلسطينية تشي بأن لها سنداً ونصيراً قادراً على إزالة الحمل الثقيل عن كاهلها، وها هو السلاح الذي نشرته حكومة اسرائيل داخل البلدات الاسرائيلية، لتقتل به الفلسطينيون هناك يرتد اليوم الى صدورها وهي التي لطالما استمالتهم بدعايتها الانتخابيه الكاذبه وبالتودد اليهم بالوعود والاوهام ليتم نفض غبار التعتيم عن حقيقة هوية المحتل الذي بات يتغاضى عن تجاوزات المستوطنين اتجاههم بقتلهم وباحراق منازلهم وسياراتهم واخيرا بالتهديد باغتصاب نسائهم ، وليتسبب بفوضى داخل البلدات الاسرائيلية ذاتها عبر ممارسة رؤساء حكوماتها للتحريض ضد العرب والبروبغندا العنصرية، ليزيد طين أزماتها بلة بيمين متطرف لا يملك مشاعر سوى الكراهية للعرب.
لتدخل اسرائيل على إثره نفق لا تدري اين نهايته، فلربما كان لذلك عبرة مفادها ان الشرق الأوسط الجديد الذي كان من المفترض ان ينبعث من جديد عبر التطبيع، يشبه الماضي اليوم أكثر من اي وقت مضى عبر التطورات العسكرية التي فاجئت الجميع واصابت المطبعين باختلال في التوازن اتجاه هذا العدو والتي بدورها نقلت الصراع الاسرائيلي الفلسطيني مباشرة الى قضايا الحل النهائي التي حاولت صفقة القرن تصفيتها وهي قضية القدس والحدود وعودة اللاجئين، لنكتشف من جديد حقيقة لم نكن لنغفل يوماً عنها مفادها انه لا يموت حق وراؤه شعب يقاوم فلم يكن مطلب الشعوب بالتحرر يوما ضرباً من الترف السياسي او الرفاهيه ....!

في القمة الخليجية الأمريكية الكل ربح إلا الفلسطينيين

من النكبة إلى الذكاء الاصطناعي: أدوات جديدة لحماية روايتنا الفلسطينية

ما وراء حسن النية بين ترامب وحماس؟

الإفراج عن عيدان..هل من انفراجة توقف الإبادة؟

ثلاث سنوات على اغتيال شيرين أبو عاقلة: العدالة غائبة والمعايير المزدوجة فاضحة

الحذر من تجزئة القضية وتعدد مسارات التفاوض

العالم محتل وفلسطين وحدها تقاوم
