الذكرة ال ٧٣ للنكبة والجيل الفلسطيني الجديد
مقالات

الذكرة ال ٧٣ للنكبة والجيل الفلسطيني الجديد

في ذكرى النكبة الأليمة تعود فلسطين من شتاتها الطويل، وتُلملم بقاياها المُبعثرة، وتنحت ملامح وجهها المُشرق من جديد. هي القدس إذن تؤكد مرة تلو الأخرى بأنها بوابة السماء، وجوهر الأمن والسلام .. في ذكرى النكبة الأليمة هذي يخرج الجيل الثالث من المُهجرين ليكتبوا سرديتهم الجديدة، سردية الإنعتاق من الإحتلال، وليس تحسين ظروف العيش تحت الإحتلال؛ رافضين الإذعان لقهر الزمن، والتمميز، والحصار، والاستهانة بالمشاعر الدينية والقومية. فالإحتلال سبب لكل علة وبلاء. 

هذه هي فلسطين الجديدة، التي نضّجَت في أبنائها -أنا كانوا وأكثر من أي وقت مضى- رغبة جامحة في التخلص من عار الماضي الذي طاردنا على مدى عقود؛ فتلاحمت الجموع في القدس مع مثيلاتها في غزة، واللد، ويافا، والناصرة، ونابلس، وشفا عمرو، وجنين، وكفر كنا، والخليل ورام الله .. في ملحمة أسطورية تُنذر بدنو ساعة الخلاص. هذا هو الجيل الفلسطيني الجديد الذي جاء بالبُشرى، وقرر بضميره الجمعي أن ينفض عن فلسطين غبار السنين الكالحة العجاف، وينتصب مارداً ليصرخ باصقاً في وجه العالم الظالم: بأن كفى احتلالاً، وكفى حصاراً، وكفى ظلماً، فأعاد لفسلطين رونقها وبهجتها، وجعل المستحيل مألوفاً، واستحالت كل ميادين الوطن إلى ساحات نزال حقيقي.

هذا هو الزمن الفلسطيني الجديد، أشبه بإعادة الروح إلى هذا الجسد الفلسطين المُحتضر. لم تفلح -إذن- سبعة عقود من التهجير والأسرلة في كي وعي هذا الجيل العَفي، بل على العكس تماماً؛ فبدى وكأن الأرواح الفلسطينية تلاقت، متجاوزة حدود المكان والزمان لتلعن الإحتلال، وتفضح أُكذوبة السلام والعيش المشترك ..! إنها مُقاربة فلسطينية جديدة؛ فلقد وفّرت سياسات الاحتلال العنصرية مخزوناً هائلاً من الكره والحقد، وأعادت بعث الروح الوطنية في هذا الجيل الذي لم يعرف عن فلسطين والثورة إلا بعض الحكايات، التي تُروى حول مدفأة الحطب في ليالي الشتاء الباردة. 

وخلاصة المشهد الحالي، بصرف النظر عن نتائجه السياسية والعسكرية، أن حدود الوطن الوهمية (التي رُسمت بالدم في أعقاب النكبة) لن تَعُد قائمة بعد اليوم، ولن يَعترف بها هذا الجيل الفلسطيني الجديد، كما لا يعترف بموازين القوى القائمة. ورغم أن هذا الجيل الفلسطيني الأكثر تهميشاً، والأقل حظاً من كل الأجيال السابقة، من جهة العيش الكريم، والتعليم، والعمل، والعدالة الاجتماعية، إلا أن إلزامات الصراع مع العدو القومي أعادت له ترتيب الأولويات. وكأن لسان حالهم يُردد قول الإمام الشافعي:《أنا إن عِشت لست أُعدم قوتاً .. وإذا مِت لست أُعدم قبراً .. همتي همة الملوك ونفسي .. نفس حر ترى المذلة كفراً》.

وظني -وبعض الظن إثم- أن هذا الجيل الفلسطيني الجديد، وبمجرد أن يتبدد غُبار هذه المعركة، لن يقبل باستمرار الوضع الفلسطيني المأزوم كما هو عليه الآن؛ فما بعد هذه المعركة ليس كما قبلها. وعندئذ لن يكون مقبولاً أن تستمر المقامرة بمستقبل هذا الوطن وهذه القضية، ولن يَعُد مقبولاً الإستمرار في حالة الإنقسام الداخلي والبلادة السياسية؛ فإما أن ترتقى قيادات الحركة الوطنية لمستوى الحدث، أو تتنحى جانباً، تاركة الفرصة لهذا الجيل الفلسطيني الجديد لكي يتولى القيادة. فليس العاقل من يواجه الأمر بعدما يقع، لكن العاقل من يحتاط للأمر حتى لا يقع. 
                                              

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.