هل ستؤدي الانتخابات الفلسطينية إلى انجاز المصالحة الوطنية أم إلى حالة التشظي في الحياة السياسية الفلسطينية؟
مقالات

هل ستؤدي الانتخابات الفلسطينية إلى انجاز المصالحة الوطنية أم إلى حالة التشظي في الحياة السياسية الفلسطينية؟

تعتبر عملية الانتخابات أحد المكونات الرئيسية لنظام الديمقراطية، وتشكل الأداة التي تمكن الناس من اختيار من يمثلهم وهي تعتبر كذلك أداة من أدوات التداول السلمي للسلطة، وتكمن أهمية الإنتخابات بأنها ستضمن سلاسة انتقال الحكم من جهة إلى جهة أخرى، والعمل على تجديد الشرعيات للهيئات القيادية أو ربما تأتي بقيادات جديدة تصنع تغييرا في الحالة الفلسطينية وتجديد المؤسسات، وستكون مدخلا لإنهاء الانقسام الفلسطيني من خلال إنشاء مجلس تشريعي منتخب، وكما ستعمل على إعادة الاعتبار للمواطن الفلسطيني وللمؤسسة والنظام السياسي برمته.

وقد أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بما للانتخابات النزيهة والشفافة من دور في ضمان إعمال الحق في المشاركة في الشؤون العامة، وقد نصت المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون  العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية، وأن إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت، وقد جرى التأكيد على ما لإجراء انتخابات دورية ونزيهة من دور في احترام الحقوق السياسية في العديد من الصكوك الدولية والإقليمية كالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وميثاق منظمة الدول الأمريكية والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

ويعد القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 الإطار القانوني والدستوري لنظام الحكم في فلسطين، إذ يعتبر المحدد لنوع وشكل نظام الحكم، حيث نصت المادة (5) منه على أن "نظام الحكم في فلسطين نظام ديمقراطي نيابي يعتمد على التعددية السياسية والحزبية، وينتخب فيه رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية انتخابا مباشرا من قبل الشعب، وتكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس والمجلس التشريعي الفلسطيني".

كما يعد القانون الأساسي الإطار القانوني والدستوري لتنظيم الانتخابات كنوع من انواع المشاركة السياسية حيث نصت المادة (26) منه على أن للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفرادا وجماعات، ولهم على وجه الخصوص الحق في التصويت والترشيح في الانتخابات لاختيار ممثلين منهم يتم انتخابهم بالاقتراع العام وفقا للقانون.
وقد أصدر الرئيس محمود عباس القرار بقانون رقم (1) لسنة 2007 بشأن الانتخابات العامة (الرئاسية والتشريعية)، وينص القرار على إلغاء القانون رقم 9 لعام 2005 بشأن الانتخابات، وأبرز ما جاء في هذا القرار أنه غير النظام الانتخابي من المختلط إلى النسبي الكامل، كما أصدر الرئيس محمود عباس بتاريخ 15/كانون الثاني /2021 مرسوما حدد فيه مواعيد الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني(برلمان منظمة التحرير) لتكون على ثلاث مراحل بعد 15 عاما من تعطل الحياة الديمقراطية ،وقد حدد يوم 22/ايار/2021 موعد لاجراء الانتخابات التشريعية ،ويوم 31/تموز/2021 للانتخابات الرئاسية،على ان تعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي هي المرحلة الاولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني على ان تستكمل انتخابات المجلس الوطني في 31/اب/2021.

لا شك بان المرسوم الرئاسي بخصوص الانتخابات قد احدث تعديلات ذات طبيعة سياسية على قانون الانتخابات ،حيث عدل قانون الانتخابات للعام 2007 فجرى استبدال عبارتي السلطة الفلسطينية ورئيس السلطة الفلسطينية بعبارة دولة فلسطين ورئيس دولة فلسطين ،وهذا ما أثار اعتراض بعض القوى الفلسطينية التي رات في أن انتخاب رئيس دولة فلسطين يجب ان يتم من عموم ابناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وليس فقط من قبل سكان الضفة الغربية وقطاع غزة،وكذلك تعد ظروف وشروط اجراء الانتخابات من اهم التحديات التي يتوجب على الفصائل الفلسطينية التوافق بشأنها في الاجتماع المرتقب الذي من المزمع عقده بين الامناء العامون للفصائل في القاهرة في منتصف شهر شباط 2021،وتدل المواقف التي عبرت عنها السلطة الفلسطينية والفصائل على ان انجاز توافق بشان شروط الانتخابات هي مهمة عسيرة،كتحديد هوية الجهة المشرفة قضائيا على الانتخابات والجهة التي ستتولى حراسة الانتخابات،ويعد الموقف الاسرائيلي حاسما في توفير البيئة التي ستمسح بتطبيق مرسوم الانتخابات،حيث اسرائيل تحتل القدس والبلدات المجاورة والمحيطة بها،وكذلك تعد المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية مسرحا لعمليات الجيش الائرائيلي عبر ممارسة الاعتقالات العشوائية للفلسطينين .

وأخيرا  من الواضح ان صدور المرسوم الرئاسي الذي يحدد مواعيد الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني ليس ضمانة لتنظيمها بسبب العوائق الكثيرة التي قد تعترضها،وفي حال اجتياز تلك المصاعب وتنظيم الانتخابات فان فرصة ان تسهم نتائجها في تحقيق المصالحة الوطنية ليست كبيرة ،وذلك بسبب اجراء الانتخابات على ارضية بيئة منقسمة على ذاتها قبل معالجة القضايا محل الخلاف الجوهري التي كرست الانقسام،ومن الممكن ان تسهم في تكريس حالة التشظي سياسيا، ولكن  هنا تثور العديد من التساؤلات:- هل سيتم ابتلاع نتائج الديمقراطية؟ وهل ستوافق اسرائيل على وضع اجراءات تسهل من عملية الاقتراع في مدينة القدس المحتلة؟ وهل سيتم احترام النصوص القانونية المتعلقة بالدعاية الانتخابية من الجميع؟ وهل سيتم وضع الإجراءات القانونية اللازمة لتسجيل كافة النزلاء في مراكز الإصلاح والتأهيل الفلسطينية ومراكز التوقيف الغير محرومين من حق الانتخاب والإجراءات اللازمة لاقتراع هذه الفئة من المواطنين؟ وهل سيتم تنسيق أعمال الرقابة بين الهيئات الرقابية المختلفة؟.. كما نأمل أخيرا أن لا تتخذ اسرائيل اجراءات لإعاقة العملية الانتخابية كالاعتقال والحواجز ومنع التنقل.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.