سلق الانتخابات
مقالات

سلق الانتخابات

خلال الأسبوع الماضي أينما تواجدت كان موضوع الانتخابات المادة الدسمة الأساسية للحديث، وحتى في أدوات التواصل الاجتماعي وبالأخص الصالونات السياسية على شكل مجموعات، الكل كان يتحدث عن إمكانية عقد الانتخابات أو مدى نجاحها بتغيير بعض الوجوه التي هرمت.
ما لم أسمعه هو: هل انتهى الصراع؟ الانقلاب؟ الانقسام؟ وأنجزنا المصالحة؟! بالتأكيد فإن النفي هو الجواب، الانتخابات هي حجر الزاوية في الجهود المبذولة لإعادة تأهيل البلدان التي دمرتها الصراعات الأهلية، وهي تعقد في كثير من الأحيان وفي وقت مبكر وليس بعد 17 عاماً من مأسسة الصراع.
عدم انجاز المصالحة أولاً ووضع تصور واضح للطريق التي تقودنا الى مأسستها سينتج عدم قدرة السياسيين في مرحلة ما بعد الصراع على الالتزام بمصداقيتهم باحترام المصالحة والديمقراطية، يعني أن الانتخابات ستؤجج التوترات.
التجارب الدولية التي درستها نظرياً وعملياً من خلال الزيارات الدراسية لعدد من الدول التي واجهت الصراعات والانقلابات والحروب الأهلية المتنوعة من جنوب إفريقيا وإيرلندا وإسبانيا وكولومبيا والسودان ولبنان تعلمت منها دروساً مختلفة أهمها ما لم يكن لدى الدول خبرة ديمقراطية سابقة سيؤدي ذلك الى هيكلة جديدة للمؤسسات المُتصارعة خاصة في الديمقراطيات الجديدة.
  بالتالي تأخير الانتخابات لمدة عامين في الديمقراطيات الجديدة أو عام واحد في الديمقراطيات الأكثر رسوخًا سيؤدي الى إحباط وتجدد العنف. فما رأيكم ما يحدث الآن من سلق العملية الانتخابية في حالتنا الفلسطينية بعد هذا الكم من سنوات الانقسام إدارياً وسياسياً وفكرياً وبطبيعة الحال جغرافياً!!
إن عملية تنفيذ المصالحة وتعزيز الديمقراطية في أعقاب الحرب الأهلية والانقسامات صعبة، لكن التجارب الحديثة تشير إلى أن التحول المؤسسي يمكن - ويجب - أن يبدأ خلال الفترة الانتقالية، وهنا أسأل: هل أعددنا فترة انتقالية من أجل تهيئة الظروف الكاملة لتنفيذ الانتخابات؟ لأن الانتخابات بحد ذاتها بحاجة الى تهيئة الظروف لها من خلال حرية الرأي والتعبير، والحق بالتجمع، وحرية الحركة، وماذا عن الانتخابات في القدس؟! والعديد من الأسئلة التي يجب أن نجد لها أجوبة إلاّ إذا أردنا أن نسلق العملية الانتخابية فقط!!
الانتخابات ضرورية لإنهاء الانقسام، لكنها يجب أن لا تكون أول خطوة وقبل المصالحة وإنهاء الانقسام الذي أنهك القضية الفلسطينية، وبهذا الشكل فإن الانتخابات بعد الصراع في مجتمعنا الذي مازال يعاني مرارته يجب أن يكون للمجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة مثل الأمم المتحدة دور ليس فقط رقابياً وإنما ضمان تطبيق الانتخابات ونتائجها، وإلا ستكون العواقب بعيدة المدى.
 لذلك من المهم جدًا التعمق في فهمنا لانتخابات ما بعد الصراع من خلال سياق سياسي أوسع، إن روح الحوار الكاملة تدعم سعينا لابتكار طريقة للمضي قدمًا، سواء كنا نتحدث عن مسألة الثقة والالتزام بقواعد اللعبة إنها كلها مسألة أخذ وعطاء للمضي قدما نحو التحرر والاستقلال وبناء الدولة، لهذا فإن سلق الانتخابات لن يأخذنا كشعب الى حيث نريد...

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.