تنحبس الأنفاس بانتظار القادم إلى البيت الأبيض
مقالات

تنحبس الأنفاس بانتظار القادم إلى البيت الأبيض

على أحر من الجمر، تنتظر أكثرية شعوب ودول العالم يوم الثلاثاء القادم، ذلك اليوم المشهود الذي سيقرر فيه الشعب الأميركي سقوط ترامب، أو التجديد له - لا سمح الله -. هكذا، وبمستوى غير مسبوق، تتحول الانتخابات في الولايات المتحدة الى قضية عالمية، بسبب ترامب وشخصيته الإشكالية وتجربته الفاقعة في الخروج عن المألوف في قواعد اللعبة السياسية والاقتصادية والأخلاقية داخلياً وخارجياً. صحيح ان الحكم الأميركي يخضع لنظام وقانون ومؤسسة وأحزاب وبروتوكولات ومصالح الدولة العظمى المهيمنة، غير أن ترامب أعاد تعريف كل ذلك من زاوية مصالح القوى الاقتصادية الأكثر توحشاً ومقامرة في الاقتصاد والسياسة والبيئة والصحة والحقوق والقضاء وكل شيء تقريباً.
خلال أربعة أعوام كان سجل ترامب حافلاً بالتخبط والتناقض والمقامرة، فقد جلب للأميركيين أعلى نسبة إصابات بـ «كورونا» بلغت 8.5 مليون إصابة وأعلى نسبة وفيات بلغت 224 ألف شخص. كان الاستثناء الذي لم يحد من انتشار الوباء من بين كل الدول التي داهمتها جائحة كورونا ولم يقلص الخسائر كما فعل الآخرون. ترامب تعامل مع الوباء بتخبط وبخفة قادت الى معاظمة خسائر الأميركيين البشرية، وصولاً الى إصابته شخصياً وجزء من إدارته بذلك الفيروس. كانت المفاضلة أمامه حماية المواطنين او بقاء الأرباح فانحاز للأخيرة.
أراد ترامب ان تكون «أميركا أولاً» بمنطق أحادي المصالح، فلسفة لا تقيم اعتباراً لمصالح الحلفاء وغير الحلفاء على حد سواء، ولا تقيم اي اعتبار لمصالح الشعوب بما في ذلك مصالح أكثرية الشعب الأميركي. كان ديدن ترامب الربح ومعاظمة الربح لأصحاب الثروة وشركات الاحتكار والمضاربين. كان همه تعويض خسائر كبار الرأسماليين وبقاء جيوبهم ممتلئة، وبقاء نهبهم وجشعهم وكأن شيئاً لم يكن. انفرد ترامب والترامبيون داخل وخارج أميركا في الاستهتار بمتغيرات المناخ وأثرها الخطير على البيئة، حين ألغى مشاركة الولايات المتحدة في اتفاقية باريس للحد من الاحتباس الحراري. والغى معاهدة الحد من التسلح النووي مع روسيا، وتحرر من القيود التي تحد من بيع السلاح باعتباره تجارة تجلب مئات المليارات، حتى لو أدت صفقات البيع الى مفاقمة الصراعات واندلاع الحروب كما حدث في اليمن. وانسحب ترامب من الاتفاق النووي الايراني 5+1. وفرض عقوبات على ايران مستخدماً الخطر الايراني المبالغ فيه لإعادة بناء تحالفات جديدة في الشرق الاوسط، تضم اسرائيل ودولاً خليجية، إضافة الى بيع السلاح وتعزيز نظام الحماية للاتباع بأثمان إضافية.
لعب ترامب بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال ما أُسمي بـ «صفقة القرن» التي جسد من خلالها رؤية أقصى اليمين الإسرائيلي الديني القومي، في حل سياسي يثبت الاحتلال والاستيطان والسيادة الإسرائيلية ويشطب قضية اللاجئين وتقرير المصير والدولة. ولا يقدم للشعب الفلسطيني غير حكم ذاتي بمستوى بلديات في أرخبيلات وبنتوستونات فصل عنصري منفصلة عن بعضها البعض. غير ان أخطر ما في الصفقة هو اعتمادها على ايديولوجيا دينية ( صك سماوي يخول اسرائيل ملكية جميع الأراضي الفلسطينية)، بعد إقصاء القانون والشرعية الدوليين لحل الصراع، وكل ذلك من طرف واحد ومن صنع فريق كوشنير- فريدمان الأميركي اليهودي المتزمت والمنحاز بأقصى أنواع الانحياز للمحتلين المستعمرين. ولم يكتف ترامب بتقديم صفقة التصفية للقضية الفلسطينية، بل أعاد من خلالها بناء علاقات تبعية عربية جديدة لدول الهيمنة يقع في مركزها هذه المرة إسرائيل، الدولة المحتلة المتمردة الى جانب دولة الهيمنة الأميركية، واستتباعاً لذلك فَصَلَ القضية الفلسطينية عن النظام العربي على قاعدة الرواية والحل الإسرائيلي التصفوي. لقد عمل ترامب على تدمير الحقوق الفلسطينية مفتخراً بهذا «الإنجاز» الذي يقدمه مضافاً إليه ضم الجولان والقدس ونقل السفارة الأميركية إليها، باعتباره الجزء الأهم في دعايته الانتخابية وتحديداً لكسب أصوات الاميركيين اليهود والانجيليين الصهيونيين وتوظيف امكانية الايباك الاعلامية والمالية في دعم حملته الانتخابية.
في زمن التوحش المعولم، وفي زمن الانحطاط العربي المتأتي من انتصار الثورات المضادة وانظمة الاستبداد، يستخدم رئيس الدولة العظمى انجازه الكبير في إزاحة القضية الفلسطينية أكثر القضايا عدالة في العالم من الأجندة الدولية والعربية، في محاولة يائسة للفوز بولاية ثانية، استخدام يثير السخرية والاشمئزاز في آن. يحدث ذلك في زمن الترامبية المتوحشة. لكن إفلاس ترامب السياسي دفعه لاستخدام السودان كورقة انتخابية بعد ضغوط وألاعيب ودفع الأموال بمستويين، الأول، تحفيز السودان بدفع اموال من كيس الدول الخليجية، والمستوى الثاني، دفع السودان مبلغ 350 مليون دولار لضحايا الإرهاب الأميركيين. وإزالة اسم السودان من قوائم الإرهاب مقابل اتفاقه مع إسرائيل بشروط غير معلومة. ولم يكتف ترامب باستخدام اتفاقات التتبيع الإماراتية والبحرينية – الاسرائيلية كورقتين انتخابيتين. لا أحد يعلم الأوراق المتبقية في جعبة ترامب، مع ان ورقة الانحياز المطلق لإسرائيل وكل ما يرتبط بها من اتفاقات هي الورقة الاهم التي سيلعبها حتى النفس الأخير.
ماذا حقق ترامب من برنامجه الانتخابي الذي فاز من خلاله في العام 2016 ؟ حقق ترامب ما وعد به من نقل السفارة الأميركية الى القدس كعاصمة موحدة لإسرائيل، وجلب الأموال العربية بسخاء غير مسبوق في العام 2017، وابرم اتفاقات تتبيع دول عربية لإسرائيل بادعاء انه يحقق السلام، وفصل قضية فلسطين عن إطارها العربي الرسمي «جامعة الدول العربية». يلاحظ أن ترامب يحظى بشعبية إسرائيلية هي الأعلى 67% بحسب استطلاع للرأي العام الإسرائيلي في مقابل 12% من الشعوب العربية يؤيدون ترامب بحسب استطلاع عربي. وانسحب من الاتفاق الإيراني، مقابل ذلك فشل ترامب في كل البنود الاقتصادية والصحية، وفاقم العنصرية، وهدد السلم الأهلي، شوش التعليم، عزل أميركا عن حلفائها الأوروبيين، عاقب المانيا وفرنسا، وعاقب كوريا الجنوبية، فاقم ترامب الاحتباس الحراري، وفشل في إخضاع كوريا الشمالية وتنظيم طالبان في أفغانستان، ولن ينفعه الاستثمار في الاستبداد والمستبدين؟
هل يعني سقوط ترامب سقوطاً للترامبية كرمز للتوحش النيوليبرالي؟ يعتمد هذا على أداء الديمقراطيين ومدى التزامهم بتركة ترامب، ويعتمد على الاستقطاب العالمي في مواجهة تلك الظاهرة السياسية الاقتصادية. ما هو مؤكد أن أتباع ترامب يخشون من سقوطه، لكنهم يعتقدون ان الاحتماء بإسرائيل والاتفاقات معها ستؤمن لهم الحماية.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.