انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني: الحصان أمام العربة.. أم العربة أمام الحصان؟
مقالات

انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني: الحصان أمام العربة.. أم العربة أمام الحصان؟

الرئيس محمود عباس، أصدر مرسوما ينص على إجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني قبل نهاية العام الجاري، مشترطا التزام المشاركين ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية والتزاماتها المحلية والعربية والدولية. 

من دون شك ان هناك اهمية قصوى في العملية الانتخابية من ناحية تجديد الشرعية وضخ دماء جديدة في منظمة التحرير الفلسطينية ، الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني ، ولكن وبصرف النظرعن الاشتراطات التي تضمنها مرسوم الرئيس ، والتي يراها البعض كمن وضع العربة امام الحصان ، هناك جملة من الاسئلة تطرح ذاتها بقوة وهي : هل الانتخابات ، ستساهم حقا في بناء البيت الفلسطيني المُبعثر، وتسد الفجوة وتغلق الشرخ في العلاقات الفلسطينية الفلسطينية ؟ وهل الحالة الفلسطينية الراهنة ، والمرحلة الدقيقة التي تحيط بالقضية الفلسطينية ، مواتية لاجراء انتخابات ؟ ام من الافضل الاتفاق بين كافة فصائل الحركة الفلسطينية الوطنية على توافق وطني مرحلي يهيىء لانتخابات ديموقراطية شفافة ؟ وهل من الضرورة ان يسبق ذلك حوار وطني شامل لا يستثني اي طرف ، يُمهد الطريق لربان يُبحر بالسفينة الفلسطينية الى بر الامان ، ويعمل على طرد الحالات الطارئة في الحركة الوطنية الفلسطينية ، بحيث يسمح الوضع بنضج يُقطف ثمارها لاحقا بما يُمكن ان يقود الى ما يصبو اليه الشعب العربي الفلسطيني ، في الحرية والاستقلال ، واقامة الدولة المستقلة بعاصمتها الابدية القدس الشريف ؟ أم ستكون هذه الانتخابات - ان حقا تمت - في مثل الحالة المترهلة ، المسمار الاخير في نعش القضية الفلسطينية ؟ 

في استعراض موجز للحالة الفلسطينية الراهنة ، ولم يعد سرا القول انها مترهلة الى درجة الضياع ، والفلسطينييون قيادة وشعبا تائهون حائرون ، عاجزون عن ردة فعل بمستوى الحدث !! 

فغزة تُباد ، ومن ما زال من أهلها على قيد الحياة فهو في نزوح لا ينتهي بساعة لا تنتهي بليلة لا تنتهي ، واضحى الانسان فيها بين فكي كماشة : الابادة بالقتل او التجويع ، او التهجير الى المجهول !! 

الضفة الغربية قاب قوسين او ادنى من طمس هويتها الفلسطينية العربية ، وغول الاستيطان بانتظار ابتلاعها كليا !! 

القدس ، تُهود بوتيرة متسارعة ، ولم تعد اولوية في الحسابات الفلسطينية والعربية والاسلامية ، واصبحت من الاستثناء الى الاقصاء ، ودرتها ، المسجد الاقصى المبارك يُكافح للحفاظ على قدسيته الاسلامية ، ومنارتها ، كنيسة القيامة تستغيث بالمسيح عليه السلام يضيء عتمتها ، وأهلها يصارعون لاجل البقاء والثبات باقل الامكانيات ، وظهرهم مكشوف دون سند يتكئون عليه ، فمن بعد الراحل امير القدس ، الشهيد فيصل الحسيني ، والشهيد الخالد ياسر عرفات اصبح المقدسيون كالايتام على مائدة اللئام !! 

منظمة التحرير الفلسطينية ، تعيش حالة من التهميش ، والغياب عن حجم المشهد الفلسطيني ، ومحاصرة سياسيا ، ووليدتها السلطة الوطنية تعاني من حصار اقتصادي خانق ، الى درجة انه من الممكن ان تُعلن افلاسها ، بحكم الاجراءات الاحتلالية التعسفية بحقها ، ويظهر ذلك من عجزها عن تلبية التزاماتها للقطاعين العام والخاص !! 

فلسطينيو الشتات وما يواجهونه من ضغوطات بشتى المجالات ومن كل صوب وحدب ، تستهدفهم وتستهدف احلامهم بالعودة ، وتواجدهم المؤقت في غياهب الغُربة ، خاصة اؤلئك القابعين في مخيمات لبنان وسوريا والتي معظمها تفتقر لمقومات الحياة الكريمة !!
وقبل ذلك كله ، ولعله الاهم ، الانقسام الجغرافي والسياسي بين قطاع غزة والضفة الغربية المستمر منذ 2007 ، وازدواجية الحكم بين أبناء الشعب الواحد ، والضراع الدائر بين الفصائل خاصة بين حركتي فتح المسيطرة على الضفة الغربية وحماس المسيطرة على قطاع غزة ، وحتى الصراع بين ابناء الفصيل الواحد ، والذي بسببه تعطلت الانتخابات التشريعية للسلطة الفلسطينية !! 

صحيح ان الانتخابات ضرورة مُلحة لتجديد الشرعيات ، وتُبين بشكل واضح خيارات الشعب ، وتفرز الانتماءات والتوجهات الى حد ما ، ولكن في ظل الحالة الفلسطينية الراهنة وفق ما اسلفت اعلاه ، وحتى ان كانت بمنتهى الشفافية ، الا انها ستؤجج من حدة النزاع ، وقد تقود الى فوضى سياسية وحزبية واجتماعية واقتصادية ، وتزيد من تعقيد الوضع المعيشي للسكان . 
ولكن لو عدنا الى الوراء عقدين من الزمن ويزيد ، فان الانتخابات التي جرت في 2005 لرئاسة السلطة الفلسطينية ، وتبعتها في 2006 انتخابات المجلس التشريعي ، لم تكن ضمن الاطار الصحيح والذي جسده اتفاق اوسلو، حيث ابعدت هذه الانتخابات الفلسطينيين عن حلمهم باقامة الدولة المستقلة والتي من المفترض ان يجري التفاوض عليها بانتهاء اتفاق اوسلو عام 1999 ، المنتهي الصلاحية .

وهو ما استغله الاسرائيليون احسن استغلال ، ووقفوا عند هذه النقطة وابتعدوا عن المسار الذي من المفترض ان يسلكوه مع الجانب الفلسطيني والمجتمع الدولي ، ومضت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة اكثر من ذلك ، في تهميش دور السلطة حتى باتت سلطة بلا سلطة وفي عداد الموتى !! 

ومن هنا تأتي خطوة الرئيس محمود عباس المزمعة ، ونيته اعلان تحويل السلطة الى دولة مستقلة ، في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة الشهر الجاري ، ولعل مرسومه باجراء انتخابات المجلس الوطني ، يُقصد به انتخابات برلمان الدولة المستقبلية ، ولكن واقع الحال يقول ان هناك صعوبة ، في اجراء مثل هذه الانتخابات ، بل وخطورة على تعقيد المشهد الفلسطيني اكثر في ظل الحالة الراهنة ، لكنها ليست مستحيلة ان تجاوزنا الحالة الراهنة بكل تعقيداتها ، ولاجل تحقيق المُراد من الانتخابات ، وانجاحها ووضع العالم اجمع امام مسؤولياته ، لا بد ان يكون هناك استغلال للحالة الفلسطينية المترهلة يؤدي الى توافق وطني مرحلي بين كافة اطياف اللون الفلسطيني دون استثناء يسبقه حوار وطني شامل يجري بكل شفافية تُطوى فيه صفحات الماضي بكل آلامها ، ويتجسد فيه إنكار الذات والمصالح الفئوية ، ويجري فيه تغليب المصلحة الوطنية العليا ، يُمهد الطريق لانتخابات ديموقراطية شفافة تفرز من باستطاعته ان يقود الى تحقيق الاحلام والاماني الفلسطينية .

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.