الفساد في القطاع العام: الأسباب وسبل مكافحته
مقالات

الفساد في القطاع العام: الأسباب وسبل مكافحته

على ضوء خبراتي الرقابية ومن خلال إشرافي على العديد من رسائل الماجستير المتعلقة بالحكم الرشيد وتدريسي للعديد من ألمساقات الجامعية ذات العلاقة بالحوكمه والمسؤولية الاجتماعية فإنني الخص الأسباب المشجعة لانتشار الفساد في القطاع العام على الصعيد الدولي على النحو التالي:

أولا: مساحة الدولة / البلد وحجمها: أظهرت ألدراسات أن البلدان الكبيرة جغرافيا ذات الكثافة السكانية المنخفضة قد تكون عرضه للفساد أكثر من غيرها وقد يكون السبب الصعوبات المتزايدة المتعلقة برقابه الموظفين العموميين في المواقع والمناطق المنتشرة جغرافيا. هذا لا يعني ان الدول والبلدان الصغيرة جغرافيا أقل عرضه للفساد وسأوضح ذألك لاحقا.

ثانيا: عمر البلد: البلدان التي استقلت مؤخرا عن الأنظمة المستبدة الى الديموقراطية أكثر عرضه للفساد بسبب زيادة الثروة للأشخاص في ظل غياب الموارد العامة دون توليد ثروة جديده.

ثالثا: احتكار القطاع العام: احتكار القطاع العام للموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والتعدين نتيجة للحوافز السياسية والخاصة لغايات السيطرة والسعي وراء الريع يؤدي الى استغلال الفرص الاقتصادية لأغراض الفساد. وعليه فإن البلدان الصغيرة والغنية بالموارد الطبيعية تعاني من ضعف الحكومة والفساد.

رابعا: عدم الاستقرار السياسي: الدول المستقرة سياسيا أقل عرضه للفساد حيث يزداد الفساد في الدول التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي والتعثر في عمليات انتقال السلطة الى الحكومة المنتخبة او المستحدثة حديثا.

خامسا: ألأجور: تؤثر ألأجور المتدنية لموظفي الخدمة المدنية على الدوافع والحوافز وما ينتج عنها من فقر في انتشار الفساد. ألأجور المتدنية تجعل الموظفين العموميين تحت ضغط للكسب بطرق غير رسميه.

سادسا: الافتقار إلى سيادة القانون: غياب وضعف سيادة القانون والنظام عامل مهم وأساسي في انتشار الفساد حيث يسهم ضعف النظام القانوني في زيادة الفساد في ظل العجز عن فرض عقوبات على المتورطين في أعمال الفساد.

سابعا: فشل الحكومة والحكم الرشيد: فشل الحكومة (الحكم الرشيد، ألحكم الصالح) يزيد من الفساد في القطاع العام بسبب ضعف الأداء العام وقله المحاسبة وغياب المساءلة وفقدان الثقة في الحكومة من قبل المواطنين وضعف وغياب القانون وانعدام الشفافية في الأداء العام والإحجام عن نشر المعلومات للمواطنين كل هذا يساهم في تفشي الفساد.

ثامنا: حجم الحكومة: تفيد بعض الدراسات أنه كلما كانت الحكومة أكبر حجما كلما زادت فرص السعي وراء الريع والكسب غير المشروع من قبل الموظفين. إلا أن بعض الدراسات أفادت ان حجم الحكومة غير مرتبط بمستويات الفساد المرتفعة غير أن العلاقة بين الفساد وحجم الحكومة يعتمد على عوامل مثل نوع النظام والاستقرار السياسي وبنيه الحكومة: حكومة فدرالية مقابل حكومة مركزيه. 

تاسعا: البيروقراطية: البيروقراطية كمصطلح تعني حكم المكاتب وقد تكون مسرفه وغير فعاله أحيانا كما وأن البيروقراطية الحكومية والتدخل الحكومي في الاقتصاد يعززان من انتشار الفساد حيث يوجد ارتباط قوي بين الفساد والبيروقراطية. كما وتفيد الدراسات ان المناطق التي أعطت أهمية أقل لاستئصال الفساد تعاني من ارتفاع مستويات الفساد وبالتالي تجدها اقل حظا من حيث الاكتفاء بالخدمات العامة.

كما أن ألمجتمعات ذات التفاهمات المشتركة بين أفراد المجتمع والتي يوجد بها روابط وقيم مشتركة تواجه مستويات أدنى من الفساد. وبالتالي فإن درجه الفساد المتدنية تؤدي الى رأسمال اجتماعي أكبر.

عاشرا: التعاقدات والاتفاقيات الدولية. وجود تعاقدات واتفاقيات دوليه وإقليميه لمكافحه الفساد يشكل عنصر أساسي في محاربه الفساد منها اتفاقيه الأمم المتحدة لمكافحه الفساد.

إحدى عشر: المشاريع الضخمة الفردية: يلعب الناشطون العموميون دورا مهما في المشاريع الضخمة المفردة- المشاريع المركزية المموله من جهات عامة وتنفذ لمره واحده تكون عرضه للفساد أكثر من المشاريع الصغيرة والروتينية.

اثنا عشر: تضارب المصالح: يفسر تضارب المصالح على انه صراع بين الصالح العام والمصالح الخاصة للعاملين بالمؤسسة والتي تؤثر بشكل واضح وغير لائق على واجباتهم ومسؤولياتهم الرسمية. وفي الكثير من الحالات يحصل الموظفون العموميون على مناصب تدر بالمكسب في القطاع الخاص بعد مغادرتهم للعمل في القطاع العام وتجدهم يستغلوا علاقاتهم واتصالاتهم بالقطاع العام بعد مغادرتهم للعمل في خدمه الشركة -المؤسسة الخاصة. هذا مع العلم ان التضارب في المصالح قد لا يعتبر واقعه غير قانونيه بالضرورة إلا أن عدم الإفصاح عن حاله التضارب في المصالح أو سوء التعامل معها يعتبر غير قانوني وفي هذا الجانب أنصح ضرورة ضخ دماء جديده عملا بالمقولة "ركود الماء يفسده". 

ثلاثة عشر: إدخال التكنولوجيا الذكية. إدخال التكنولوجيا واستخدامها في القطاع العام يعزز من ممارسه وتطبيق الحكم الرشيد كما ويسهل على الحكومات التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني والدولي ويحسن من تحصيل الضرائب وأنشطه المشتريات العامة لا سيما وأن أنشطه المشتريات العامة تعد أحد أهم مصادر الفساد على صعيد الدول هذا بالإضافة الى مساهمه ألتكنولوجيا في التغلب على الروتين على صعيد العمل.

أربعه عشر: الروابط والقيم والتفاهمات المشتركة على صعيد البلد/المجتمع تشكل رأس مال اجتماعي كبير (Social Capital) مما يجعل الأفراد يثقوا ببعضهم البعض وبالتالي فإن المناطق التي تحظى برأس مال اجتماعي مرتفع تحظى بمستويات أدنى من الفساد.

سبل معالجه الفساد في القطاع العام

تتطلب عمليه مكافحه الفساد من أجل العدالة في القطاع العام عده طرق:

أولا: اعتماد مدونه قواعد السلوك. وهي مدونات تمنع بعضا من أنواع السلوك وتشمل القواعد ضد الفساد وعقوبات جنائية ومدنيه تطال القطاعين العام والخاص. هذا مع العلم أن الرقابة الذاتية " الخوف من الله سبحانه وتعالى أقوى رادع للفساد. 

مدونه السلوك في القطاع العام موجودة ومتوفرة لدى ديوان الموظفين العام في السلطة الوطنية الفلسطينية والسؤال ألأهم ما مدى الالتزام بالمدونات على صعيد عمل الوزارات والمؤسسات الحكومية وما هي العقوبات إن وجدت. مدونات السلوك تعزز المعايير الشخصية (النزاهة، ألأمانه، والمسؤولية) والمسؤوليات المهنية المرتبطة بتأدية الوظائف العمومية بطريقه سليمه وحياديه ومشرفه وصحيحه.

ثانيا: اعتماد معايير مكافحه الفساد الجنائية وإنفاذها من خلال عقوبات ومحفزات فعاله.

ثالثا: إقصاء المقاولين الفاسدين الذين أدينوا بخروقات للقانون أو ألأخلاقيات من الحصول على العقود والعطاءات الحكومية وهذا يتطلب اعتماد معايير واضحة ومعلنه في تصنيف المقاولين.

رابعا: مكافحه ومعالجه الفساد ضمن نطاق القطاع العام وخارجه مما يتطلب الكشف والتحقيق وصولا الى الملاحقة.

خامسا: استرداد الأصول من خلال استعادة الأموال والثروات العامة المسروقة إن وجدت مما يعزز الشعور بالمسؤولية والجدية في ملاحقه الفساد والفاسدين.

سادسا: المصادرة الجنائية غير المبنية على الإدانة من خلال إجراآت اختصاص القضائي ألأجنبي.

سابعا: سلامه أنظمه المكافآت والحوافز في القطاع العام بحيث تكافئ السلوك المناسب وتعاقب السلوك الفاسد علما أن هذا غير معمول به في ظل شح الموارد ونقص التمويل.

ثامنا: الإتاحة: الإتاحة تعني أتاحه الفرص كامله لزيادة المنافسة في مجال التوريد الحكومي وعدم الاقتصار على موردين محددين.

تاسعا: الإدارة السليمة للموارد البشرية من خلال إيجاد قواعد وإجراءات توظيف وترقيه سليمه. كما وتسهم عمليه تناوب وتدريب وتدوير للموظفين العموميين في محاربه الفساد في القطاع الحكومي. 

عاشرا: مشاركه المواطنين وأصحاب المصالح. تتطلب عمليه المحاسبة في القطاع العام إشراك القطاعات والمؤسسات المختلفة مثل مؤسسات مكافحه الفساد ومنظمات القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والمستفيدين النهائيين والقطاع الأكاديمي والمؤسسات الإعلامية الخ.

إحدى عشر: الحكومة الإلكترونية. الحكومة الإلكترونية تسمح باستخدام تقنيات الاتصال والمعلومات في الارتقاء بتقديم الخدمات العامة وشفافية الإجراأت وبناء الثقة بين المواطنين والحكومة.

اثنا عشر: المراقبة الفاعلة والإشراف والتدقيق وتسهيل عمليات التبليغ من دون أي خوف وانتقام. في هذا الجانب أوصي المعنيين بضرورة ألاستفادة من ديوان الرقابة المالية والإدارية في السلطة الوطنية الفلسطينية حول أليات الرقابة والتدقيق والتبليغ.

ثلاثة عشر: المحاسبة والتدقيق. ضرورة وجوب إقرار بعض النشاطات او القرارات في القطاع العام من قبل شخصين معا حيث يصعب إفساد شخصين وهذا ما يطلق عليه "مبدأ ألأعين ألأربع".

في النهاية أرى أن الكمال لله وما من بلد محصن من الفساد إلا أن الفساد يؤدي الى إساءه استخدام الوظيفة العامة واستغلال الموارد بغرض الكسب غير المشروع كما ويؤدي الى تقويض ثقة الشعوب في حكوماتها ومؤسساتها وسوء استغلال الضرائب في أمور بعيده عن الإنفاق على مشاريع حيوية أساسيه كالأنفاق على المدارس والمستشفيات كما وأن سوء استخدام الأموال يضعف الحكومة في بناء اقتصاد قوي ومؤسسات قوية وشفافة. هذا بالإضافة إلى أن الفساد يضعف ثقة المانحين والممولين بالدولة والمؤسسات التي تعاني من حاله الترهل ألإداري والفساد وبالتالي فقدان أو تقليص الدعم والتمويل.

على الصعيد الفلسطيني أوصي القيادة الفلسطينية بالاستمرار بضخ دماء جديده من أصحاب الخبرة والكفاءة لإحداث تنميه حقيقيه وأرى أن التغيير الوزاري الذي حصل مؤخرا كان ضروريا لتطوير أداء الحكومة وكسب ثقة المجتمع والحكومات والدول بما يحقق الصالح العام للوطن والمواطن. كما واوصي بتدوير الموظفين مما يمكن من الإثراء الوظيفي الأمر الذي يعود بالفائدة على الموظف والمؤسسة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.